في سياق شرح المعوقات التي اعترضت سير الحركة السورية القومية الاجتماعية، والتي أعاقت وتعيق انتصارها النهائي، معوق أساس على المستوى الخارجي، وأعني به المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897, معطوفا عضويا على مؤتمر كمبل بانرمان (Henry Campbell – Bannerman (1836 – 1908) في لندن، وهنري كامبل بانرمان هو من تولى رئاسة وزراء بريطانيا من العام 1905 – حتى 1908 وكان قائدا للحزب الليبرالي.
صحيح أن المؤتمرين حصلا قبل ولادة النهضة السورية القومية الاجتماعية بخمس وعشرين سنة، إلّا أنهما ومن الوجهة التاريخية، قد أسسا لمسار تاريخي، قلما تحصّل لمؤتمر في التاريخ، مسار لا يزال قائما، من حيث أنّه أدّى إلى خلق معطيات جديدة على مسرح التاريخ والجغرافيا والحضارة. هذه المعطيات التي كانت جنينية في السنوات الأولى لها، والتي امتدت من نهاية المؤتمر في آب 1897 حتى وضع اتفاقية سايكس بيكو وبعدها وعد بلفور، وما استولدته من نتائج ومفاعيل واجهتها الحركة السورية القومية الاجتماعية، سواء على مستوى القتال الفعلي الحربي (ثورة 1936 – 1939) ام على مستوى الصراع الفكري السياسي..
وحيث أن هذه المفاعيل, اتخذت صفة التصاعد والإستقواء المتزايدين مقابل تراجع وضعف ظاهرين لدى شعبنا، فقد شكلت مفاعيل هذين المؤتمرين عاملا معيقا لانتصار الحركة السورية القومية الاجتماعية حتى اللحظة، وإذا كنا في سياق هذه الحلقة والحلقات القادمة, سنعرض لهذين المؤتمرين والتوصيات الصادرة عنهما ودورهما في إستيلاد معطيات في التاريخ والجغرافيا والحضارة معادية لوجودنا ومستقبلنا القوميين, فليس لندلّ على وضعهما المعيق لانتصارنا الشامل فقط, بل لنلقي الضوء اكثر على ابعاد المعركة التي يخوضها الحزب السوري القومي الاجتماعي, سواء على المستوى القومي، أم على المستوى الحضاري الشامل.
نعم، من أجل كل ذلك، ولأننا نقاتل عدوا زرع في قلبنا، وهو يعيد بتحالفه مع الامبريالية الأوروبية سابقا والأمريكية – الأوروبية اليوم، هيكلة النظام الدولي، والمؤسسات الدولية بما يخدم مصالح هذا التحالف الصهيو – اميركي. إن كل التقسيمات القومية والإجتماعية التي فرضت على سورية الطبيعية، كانت ترجمة لروحية ومقررات مؤتمري (بال 1897 – سويسرا) و (كمبل – لندن – 1907)
أولا : مؤتمر بال – سويسرا – 1897 – Basel Conference
إنه المؤتمر الصهيوني الأول، والانتصار الصهيوني الأول. إنعقد في مدينة (Pal) السويسرية سنة 1897 ودام ثلاثة أيام. شهد أكثر من مئتي مندوب يمثلون سائر الهيئات اليهودية ولقد أوصى بالآتي:
تشجيع الإستعمار اليهودي في فلسطين بطريقة منظمة.
تنظيم الحركة اليهودية واتحاد الهيئات المتفرقة في شتى أنحاء العالم.
ايقاظ الوعي اليهودي.
القيام بمساع لدى مختلف الحكومات للحصول على موافقتها على أهداف الحركة الصهيونية (مقررات مؤتمر بال – Islamweb.net)
ولقد وردت هذه التوصيات بشكل أكثر تفصيلا ووضوحا، على الشكل التالي: وإن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بالوسائل التالية:
تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين.
تنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية.
اتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني.
(https://ar.wikipedia.org)
وفي صيغة أكثر وضوحا: فقد ورد أنّ:
” العبارة الافتتاحية لمشروع بازل (Basel project statement) توضح بجلاء الهدف المركزي المحوري للحركة الصهيونية”
“تهدف الصهيونية إلى اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين تحت حماية القانون العام”. ولتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع يجب القيام بالخطوات التالية:
تطوير منهجي لفلسطين بواسطة توطينها باليهود الذين سيعملون في الأرض والأشغال الحرفية الأخرى.
اعادة تنظيم اليهودية وتوحيدها بواسطة مشاريع مفيدة محليا وعالميا بما يتناسب وقوانين كل دولة يعيشون فيها.
تقوية وتعميق الشعور القومي اليهودي، والوعي القومي – اليهودي.
اعمال وخطوات تحضيرية لنيل موافقة الحكومات التي هي ضرورية لتسهيل تحقيق الهدف الاساسي.
إذن، هذه هي أهداف مؤتمر (بال) 1897, وهي قد فصّلت حسب مواضيعها، ولكنها بالتالي تشكل:
أولا: انتصارا معنويا للمجاميع اليهودية، من حيث أن المؤتمر أخرج هذه المجاميع مع هيئة مجموع واحد منسجم.
ثانيا: أسسا لقيام مشروع قومي يهودي حدد (وطنه) فلسطين…
ثالثا: وضع آليات تنفيذ المشروع ومداه. (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية Madarcenter.org)
وإضافة الى ذلك، فقد قدم مادة دسمة وغنية للإمبريالية الأوروبية التي رأت في (مشروع بازل) ما يخدم مصالح اوروبا الامبريالية في العمق من حيث أن هذا المشروع يتجاوب مع الرؤى الاستعمارية الأوروبية التي رأت بتسليم فلسطين لليهود سيطرة على شرقي المتوسط، وحاجزا يفصل بين الشرق وأوروبا، ويؤمن للإمبريالية – الأوروبية العودة مجددا الى الشرق (سورية الطبيعية) تحت عناوين مختلفة. لقد نجحت اليهودية العالمية في ان تقنع الامبريالية الأوروبية أن تحويل فلسطين الى وطن يهودي يعزز من قدرات اوروبا الاستعمارية –الإمبراطورية وبالتالي يحد من سطوة الدولة العثمانية، بدليل، ” … أن مشروع بازل الذي صدر عن المؤتمر الصهيوني الأول كان ثمرة جهود كبيرة ومتواصلة قام بها هرتسل من لقاءات مع زعماء دول: كإمبراطور المانيا “WilhelmII”، وقيصر روسيا:” نقولا الثاني” والبابا “بيوس العاشر” ومحاولات للقاء السلطان عبد الحميد العثماني، ثم لقاءاته مع رؤساء حكومات ووزراء ودبلوماسيين اوروبيين. (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدارMadarcenter.org)
ويبدو، ومن خلال استقرار الأحداث التي تلت العام 1907 وخاصة خريطة التحالفات الدولية في الحرب العالمية الأولى أن اصطفاف الحلفاء كان قد ارتسم في مؤتمر بال قيل 1914, وكان اصطفافهم يقوم على تعاظم مصالح استراتيجية هي من العمق الى حد شكل تداخلها شرطا حيويا لكافة الأفرقاء يهودا وأوروبيين، ومن هنا نفهم الموقف من العثمانيين، وموقف العثمانيين من هذا التحالف الذي وضع أسس تغيير العالم لمصلحته. ودور جمعية تركيا الفتاة “بثورتها على السلطان عبدالحميد عام 1908 – اي بعد عام من مؤتمر (بال) وكذلك دور جمعية الأتحاد والترقي. وكانت بقيادة الباشوات الثلاثة (جمال باشا، ومدحت باشا، وانور باشا) وجميعهم من اليهود الدونمة – المعتنقو الإسلام تنكرا للنفاذ الى داخل الدولة العثمانية. هذا التعاظم الاستراتيجي في المصالح، وعلى هذا العمق من الحيوية، دعا الإمبريالية – الأوروبية ان تلاقي اليهودية العالمية، بمؤتمر تحدد فيه اسس هذه الشراكة الحيوية وآلياتها، فكان مؤتمر Campbelle – عام 1907.
في الحلقة السابعة القادمة: سنقف عند مؤتمر Campbelle 1907 ومقرراته وتداعياته.
(السلطان عبد الحميد الثاني: زاره هرتزل وعرض عليه تغطية عجز الميزانية العثمانية البالغ عشرين مليون جينيه استرليني كقرض للدولة العثمانية – مقابل السماح لليهود بالهجرة الى فلسطين، ومنحهم قطعة يقيمون عليها حكما ذاتيا… وقد رفض السلطان عرض هرتزل ورد عنه قوله: “انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع ان اتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين”… فليحتفظ اليهود بملايينهم. وإذا مزقت دولة الخلافة يوما، فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن… ولكن التقسيم لن يتم إلّا على أجسادنا. الجزيرة. نت (31- 3- 2011)