لعدة عقود، شكّلت صناعات التكنولوجيا المتقدمة القطاع الأسرع نمواً في الكيان الصهيوني والأكثر تأثيراً في النمو الاقتصادي، حيث تمثل 14% من الوظائف ونحو 15% من الناتج المحلي “الاسرائيلي” الإجمالي.
في قطاع التكنولوجيا “الاسرائيلي” الأرقام تتكلم. فهو يمثّل ما يقارب نصف الصادرات كاملة في البلاد وخُمس الانتاج الاقتصادي و30 في المئة من إيراداته الضريبية. في الكيان الصهيوني أكثر من 9000 شركة ناشئة توظف أكثر من 350000 شخص، أو 10٪ من السكان النشطين. ويعتبر هذا المستوى عال بالنسبة لبلد لا يتجاوز عدد سكانه 9 ملايين نسمة.
الجدير ذكره أن كبرى الشركات الأميركية، بما فيها “مايكروسوفت” و”أبل” و”غوغل” و”إنفيديا” وغيرها، توظف استثمارات عالية في قطاع التكنولوجيا، لا سيما في موضوعي الأبحاث والتطوير. وعلى سبيل المثال أكدت شركة “إنتل” العملاقة خططها لاستثمار 25 مليار دولار أمريكي لتوسيع مصنع للرقائق في جنوب الكيان الصهيوني.
إلا أن عملية “طوفان الأقصى” غيرت الكثير من المعطيات في هذا الميدان. فقد أدت تعبئة جنود الاحتياط لدى جيش العدو إلى اضطراب أنشطة العديد من الشركات، خصوصاً حين نعلم أن هؤلاء الجنود يشكّلون النسبة الأكبر في القطاع التكنولوجي وسواه من القطاعات الإنتاجية في “اسرائيل”. عدد كبير من العملاء قاموا بتعليق طلبياتهم أو إلغائها. أما المستثمرون فقاموا بتجميد نشاطاتهم وذلك وفق تحقيق قامت به “الهيئة الإسرائيلية للابتكار” و”معهد ستارت أب نيشن”.
ووفقاً ل”منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” في دولة العدو، ستتسبب الحرب في “تباطؤ مؤقت ولكن واضح” للاقتصاد الإسرائيلي الذي سجل نمواً ملحوظاً قبل “عملية طوفان الأقصى”، ويتوقع أن يصل إلى 1.5 في المئة فقط في عام 2024 بعد أن كان 3 في المئة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تدني نسبة العمالة والتضخم وانخفاض ثقة المستهلكين والشركات، كلها عوامل لها الأثر الكبير على الاقتصاد.
وكان قطاع التكنولوجيا في الكيان الصهيوني، كما هو الحال في بقية دول العالم، قد واجه تباطوءاً في عام 2023، وتفاقم بسبب الصراعات السياسية الداخلية والاحتجاجات بين حكومة العدو اليمينية التي يترأسها بنيامين نتنياهو والقضاء “الاسرائيلي” وفق جوناثان كاتز مسؤول كبير سابق في وزارة المالية “الإسرائيلية”. وكان الاستثمار الخارجي في القطاع التكنولوجي يجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية. وبات في عام 2023 مثار قلق أيضاً خصوصاً قبل “عملية طوفان الأقصى”. وعلى الأثر تم دمج عدد متزايد من شركات التكنولوجيا “الإسرائيلية” الناشئة في الولايات المتحدة الاميركية. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل سيستمر المستثمرون الأجانب في الاستثمار في التكنولوجيا “الاسرائيلية” أم أنهم يفضلون استثمار أموالهم في بلدان وأمكنة أخرى أكثر أماناً؟ الجدير ذكره أن في جعبة “هيئة الابتكار الإسرائيلية” 100 مليون دولار أمريكي من الأموال العامة لدعم شركات التكنولوجيا، وخاصة الشركات الناشئة التي فقدت التمويل.
يعود تاريخ قطاع التكنولوجيا في “إسرائيل” إلى عام 1974، عندما أسست شركة “إنتل” نفسها، لكن قطاع الشركات الناشئة انطلق في التسعينيات، واكتسب سمعة هامة باعتباره ثاني أكبر مركز تكنولوجي في العالم بعد “وادي سيليكون” الأميركي، مع وجود آلاف الشركات ومع تطوير نظام بيئي لافت.
قبل عملية “طوفان الاقصى” كان ما يقارب الخمسماية شركة متعددة الجنسيات، معظمها مراكز بحث وتطوير، بدءاً من إنتل إلى آي بي إم، وأبل، ومايكروسوفت، وغوغل، وفيسبوك، تعمل في “إسرائيل” وذلك بعد أن أعادت شراء شركات “إسرائيلية “ناشئة.
ايضا كان نتنياهو رئيس وزراء العدو قد أعلن في حزيران 2023 ان “إنتل” تعتزم إنفاق 25 مليار دولار على مصنع جديد في بلدة “كريات جات” الجنوبية على بعد نحو 42 كيلومتراً من قطاع غزة. ويعد هذا المصنع، الذي كان من المتوقع افتتاحه عام 2027، أكبر استثمار دولي على الإطلاق في البلاد، وذا قدرة على توظيف آلاف الأشخاص.