شهدت المنطقة في الأيام القليلة الماضية زيارتين هامتين وذلك على إيقاع الحرب المتواصلة في غزّة، وقد ذهبت كل من الزيارتين في الاتجاه المعاكس للأخرى.
الأولى كانت زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن التي جاءت كجزء من الحرب على غزّة ومقاومتها، إذ أكد الوزير الزائر أنّ لبلاده مصلحة حيوية في إنهاء المقاومة والعمل على تحقيق انتصار لكيان الاحتلال، ممّا يؤكد المؤكّد في أنّ هذه الحرب هي حرب الولايات المتحدة في الدرجة الأولى أراد بلينكن في اجتماعاته مع دول البترو دولار ثم في لقائه بالقاهرة مع وزراء خارجية عرب طمأنة النظام العربي الرسمي المتحالف مع واشنطن وتل أبيب، بأنّ الدعم الأميركي لبقاء أنظمتهم لا زال على حاله، وفحص إن كان هذا النظام العربي لا زال على تماسكه في موضوع دعم “إسرائيل”. ومن الواضح أنّه قد تأكّد من ذلك، وبغض النظر عن البيان النمطي المعتاد الذي صدر عن تلك اللقاءات والذي يتحدّث كما هي العادة عن ضرورة تحييد المدنيين وإدخال المساعدات وعن حل الدولتين وما الى ذلك من كلام مستهلك، إلّا أنّ الجلسات المغلقة على ما يبدو قد أكّدت على العكس من ذلك، وأنّ الخلاص من المقاومة ومن عبء المسألة الفلسطينية ليس بمطلب أميركي أو “إسرائيلي” فقط، وإنّما هو مطلب للنظام الرسمي العربي ويحمل صفة الاستعجال.
أمّا على صعيد زيارته التي أضافها متأخرَا لدولة الاحتلال، فقد بدا واضحًا قبل وصوله أنّ نتنياهو مصرّ على معركة رفح وأنّه قد رفض الخطط الأميركية البديلة التي كانت ترى ضرورة فتح ثغرات في حصار المدينة أو ما يمكن اعتباره ممرات انسانية لإخراج أعداد كبيرة من الغزيين الذين يتكدّسون فيها بعد تأمين مساكن لهم إن في غزة أو في النقب وربما في مصر تحت حجة الذرائع الإنسانية، يتم بعدها اجتياح المدينة، فيما يبقى الجزء الأكبر ممن قد يغادرون الى سيناء في مستقرهم الجديد، ولكن الأميركي يبدو أنّه هو من تراجع، إذ تفيد أنباء قادمة من مصر أنّ بلينكن أبلغ وزير الخارجية المصري سامح شكري أنّ لديهم تقديرات تفيد بأنّ الحرب ستستمر حتى نهاية عام 2024 وأنّ اجتياح رفح لا زال قائمًا، ممّا أثار قلق المصريين الذين يمرًرون الوقت يومًا بيوم.
هكذا كانت زيارة بلينكن السادسة، التي مثّلت استمرارًا لزيارته السابقة وهي لا تحمل شيئًا جديدًا بالمعنى السياسي والاستراتيجي ولم يستطع أتطن يحقّق شيئًا في جدّة، بلقائه بوليّ العهد السعودي الذي يتعلّق بملف الانخراط الاستراتيجي الأهم خارج غزّة، والمتمثّل بالتدخّل اليمني الذي لم يعد يقتصر على البحر الأحمر وإنّما على المحيط الهندي وبحر العرب، وكما هدّد السيد الحوثي بأنّ اليمن سيعترض حتى السفن المتّجهة الى دولة الاحتلال حتى لو التفّت حول رأس الرجاء الصالح.
لكنّها حملت بعض التفاصيل الصغيرة والتي تتعلّق بمعركه رفح والممر البحري ودعم الموقف القطري الذي يحاول نتنياهو وأصدقاؤه في الخليج القضم منه ومنع احتكار القطريين لملف الوساطة غير النزيهة.
الزيارة الثانية كانت للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش مرورًا بالقاهرة ووصولًا الى حواف أرض المعركة، من هناك وكأنّه يقول لأهل غزّة لستم وحدكم، وكانت تصريحاته بعيدة عن المجاملة واللغة الأممية التي عرفناها، إذ قال أنّ العالم شاهد ما يكفي من الفظائع التي يعانيها أهل غزّة وهي تدعو للتحرّك الفوري لوقفها، وأنّ ضحاياها هم من المدنيين رجالًا ونساء وأطفالًا الذين يعيشون اسوأ الكوابيس، وأنّ هذا ليس رأيه هو فقط وإنّما هو رأي معظم دول العالم. كما طالب بضرورة فتح الأبواب واسعة لدخول المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية وما يتعلق بالمأوى، وأكّد على أنّ المطلوب من دولة الاحتلال الالتزام بإيصال هذه المساعدات من فورها وبشكل غير مقيّد.
جاء الردّ الاسرائيلي عنيفًا وعلى لسان وزير الخارجية “الإسرائيلي” كاتس الذي اتهم الامين العام غوتريتش ومنظمة الأمم المتحدة على حد سواء بمعادات السامية ودعم الإرهاب مطالبًا باستقالته أو إقالته.
الزيارة الأولى لم يكن فيها جديد إلّا تأكيد أنّ الحرب هي حرب أميركا ضدّ غزة وهو ما علينا أن نعرفه جيّدًا، فهي العدو الحقيقي والمباشر. أمّا الزيارة الثانية فتفتح باب المقارنة بين هذا الأمين العام وأسلافه مثل بطرس غالي الذي كان شاهد الزور على تدمير العراق أو بان كي مون الذي لم يفعل شيئًا إلّا التعبير اليومي عن قلقه، أمّا غوتيرتش فهو أوّل أمين عام للأمم المتّحدة يلجأ للمادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية والتي حذّر من خلالها من أنّ الحرب على غزّة تحمل مخاطر جمّة على السلم العالمي. يستحق أنطونيو غوتيريش منا الاحترام والتقدير، إذ نراه يقوم وينشط في سبيل فلسطين فيما الأقربون وبعض الداخل الفلسطيني يتآمرون.
جنين- فلسطين المحتلة