(راجع علاء اللامي، «هل تنتقص مقولة الهلال السوري الخصيب عروبة العراق وسوريا؟»، «الأخبار»، 19 آذار، 2024)
ما يهمّني في هذا الحوار الثقافي بين علاء اللامي ووجدي المصري تبيان حقيقة موقف أنطون سعادة من الموضوع وتأكيده أن سوريا الطبيعية، أو «سوراقيا»، هي أمّة من أمم العالم العربي، وكل قومي يعاكس هذه النظرة ويرفضها يكون قد اتخذ موقفاً مغايراً لسعادة كما تبرهن النصوص الآتية:
:
في المادة الأولى من دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي، يؤكد سعادة: «غاية الحزب بعث نهضة سورية قومية تعيد إلى الأمة السورية حيويّتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً، وتثبيت سيادتها، وتأمين مصالحها، ورفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية» (أنطون سعادة، «الأعمال الكاملة»، الجزء 2: 75).
إذاً، يعتبر سعادة الأمة السورية (سوراقيا)، أمّة من أمم العالم العربي، ويطمح إلى أن تقود هي هذا العالم بعد أن تتوحّد وتتحرّر من تقسيمات سايكس – بيكو. فحين عاد سعادة من اغترابه القسري، الذي دام ما يزيد على الثماني سنوات بسبب الاحتلالَين الفرنسي والبريطاني لـ«سوراقيا»، خاطب الجماهير التي استقبلته في الثاني من آذار 1947 مؤكداً: «إذا كان في العالم العربي عروبة حقيقية، فهي عروبة الحزب القومي الاجتماعي. فنحن جبهة العالم العربي، ونحن صدره، ونحن سيفه، ونحن ترسه» («الأعمال الكاملة “الجزء 8:268).
الاختلاف بين فكر سعادة ومفكري القومية العربية يكمن في أن سعادة يعتبر العالم العربي مؤلفاً من دول عربية، وليس دولة أو أمة عربية واحدة، وذلك بسبب تعريفه وفهمه لمدلول «الدولة – الأمة». في تعريفه، يشدد سعادة على أولوية الأرض، فبالنسبة إليه لا وجود لشعب دون أرض: «الأمة تجد أساسها، قبل كل شيء آخر، في وحدة أرضية معينة تتفاعل معها جماعة من الناس، وتشتبك وتتّحد ضمنها» («الأعمال الكاملة»، جزء 3، «نشوء الأمم»، صفحة 132). لا اللغة هي الأساس بالنسبة إليه، ولا الدين، ولا العرق، بل تفاعل شعب مع أرض، ولذلك نفى صفة «شعب» عن اليهود لأن لا أرض لهم: «لا أمة إطلاقاً بدون قطر معين محدود، أما ما ذهب إليه إسرائيل زانغويل من أن الشعب اليهودي تمكن من الاحتفاظ بنفسه دون بلاد، فمن الأغلاط الاجتماعية الفاضحة، فهم ليسوا أمّة، إنهم كنيس وثقافة» («الأعمال الكاملة»، الجزء 3: 134).
ينتقد سعادة الذين يؤمنون بوجود عرق واحد: «ليس لأمة من الأمم الحديثة أصل سلالي واحد، ولا أصل شعبي واحد. أكرر أن الأصل الإنساني الوحيد للأمة هو وحدة الحياة على تعاقب الأجيال. إن الأمة هي مركّب أو مزيج، فهذه الأمة السورية أيّ أصل واحد لها؟ أهو الأصل الكنعاني، والكنعانيون جاؤوا طبقة فوق طبقة أهل العصر الحجري، أم الأموري أم الحثي أم الآرامي؟ أوَليست سوريا مزيجاً معيناً من هذه الشعوب مضافاً إليها العرب بعد الإسلام وغيرهم؟» («الأعمال الكاملة»، الجزء 3: 136-174).
(راجع أيضاً، مقال الكاتبة صفيّة أنطون سعادة: «رؤيا في صور»، «الأخبار، 2 و7 آذار 2024، الذي يشرح بإسهاب مفهوم القوميّة كما يراه أنطون سعادة).