تتفاعل التطورات التي تعيشها بلادنا من فلسطين وغزة الى جنوب لبنان وها هي المؤامرات تنكشف تباعاً وأشبه ما يوصف بنقيق هنا وفحيح هناك، فيما يواجه كل هذا بدم مخضب يرسم من مسافة صفر أجمل اللوحات.
حرب الإبادة الجارية بعد 157 يوماً على بدئها وفيما يحيي العالم يوم المرأة العالمي، تظهر الإحصاءات أنه بات هناك 9000 امرأة شهيدة و20 ألف امرأة جريحة وألف امرأة مفقودة وأيضاً هناك ألف امرأة أصيبت بإعاقة حركية، دون أن نغفل أنّ هناك 280 امرأة معتقلة، أيضًا لا يزال انعدام العناية الطبية، بعد تدمير شبه كامل للمراكز الطبية والجسم الطبي، يؤدّي الى 60 ألف امرأة حامل دون رعاية طبيّة بينما تنعكس حالة المجاعة والتجويع القائم على 68 ألف امرأة مرضعة، لا يجدن الحليب، وتقول الإحصاءات أنّ هناك 180 حالة ولادة يومياً، تتمّ في ظروف صعبة وخطيرة أيضًا، ولا ننسى أنّ هناك أكثر من ثلاثة عشر ألف طفل شهيد الى الآن .
هذه الإحصاءات صاغتها المنظّمات الدولية، دون أن تحرّك ساكناً الى الآن لمساندة الدعوات الشعبية لوقف النار وللضغط الى وقف توريد السلاح الى هذه الدولة المجرمة.
أمّا وبعد كل هذا الوقت وكل هذه المعاناة من المعارك الضارية، التي لم تتمكّن خلالها دولة العدوّ من تسجيل أي انتصار لأهدافها المعلنة، إنما هي استطاعت بآلتها الوحشية، أن تدمّر غزّة مفسحة المجال لتأكيد صحة معلومات الخبراء، عن نيّة العدو تحقيق مشروعه لقناة بن غوريون، وعن هيمنته وسيطرته على الغاز الذي يكتنزه بحر غزة ويطمع به الغرب وربيبته. إنّا حرب المطامع المستمرّة على بلادنا، وقد تحدّث عن ذلك مؤسّس حزبنا في مطلع القرن الماضي، عندما نبّه إلى مطامع دول الغرب، وكانت شركة “التابلاين” التي توجّس منها سعاده، وما يحاك من خلالها من مطامع بثروات بلادنا، دون أن يغفل الفكر الوهّابي والخطر التركي على أمّتنا وشعبنا.
طفرة عاطفية أظهرها الرئيس الأميركي بايدن منذ أيام على فلسطينيي غزة، علمًا أنّه الداعم الأساسي لهذه الحرب مالًا وسلاحًا وإعلامًا، وأعلن في خطاب قصد منه الشعبوية لفئة من الشارع الأميركي الذي يستمرّ في تظاهراته الداعمة لأهل غزة، وفي اقتراعه ضد سياسة بايدن هذه، عن إنشاء ميناء قال أنه مؤقت، والهدف حسب مزاعمه، إيصال مساعدات غذائية، بعد أن بلغ الجوع بالناس الى حد الموت، وبعدما فشلت أهداف محاولات إرسال الغذاء بالجو والهوليودية الأسلوب، في حين أنّ إلزام تل ابيب بوقف إطلاق النار، يمكن أن يكفل تحقيق كل الأهداف الإنسانية المنشودة من مزاعم إنشاء هذا المرفأ!!
ولكن السؤال البديهي والذي يطرح هو كيف سيتم التعاطي بآلية تقديم المساعدات، بعد المعلومات، عن دور الإمارات ودحلان ومن معه من السلطة الفلسطينية ممن سينوط بهم التطبيق، فهل دخول دحلان يحظى بثقة حماس؟ وهل وجود دحلان ومن معه سيكون مقدمة لتدابير سياسية تهيئ لغزة؟
وهل انتهت حرب الإبادة العسكرية، والتجويعية ويجري التحضير الآن لصنع “ترانسفير” بحري جديد يكفل إفراغ غزة من أهلها، تحت وطأة النار والجوع؟؟ من المهم الإشارة إلى أنّ هذه الصورة الإنسانية المظهر، ما هي إلّا وجه آخر للمؤامرة المرسومة. في المقابل لا بد من تأكيدنا كقوى مقاومة على رفض أية تسوية على حساب الشهداء، وعلى حساب الأهداف التحريرية للوطن بعدما أعيد وضع ملف فلسطين على طاولة الحل وحق الشعب ببلاده، بعدما كانت قد أصبحت في أدراج النسيان. المقاومة اليوم ما زالت تملك أوراقًا كثيرة تكفل لها تكبيد العدو المزيد من الخسائر البشرية، والمزيد من إغراقه في وحل غزة المدمرة والمزيد من تلطيخ وجه العالم بالعار.
خسر الغزاوي اليوم عائلته وبيته وأملاكه، ويدرك أهل الضفة أنّ ما يرتقبهم خطير، كما يدرك مخاطر ذلك ابن جنوب لبنان ومعنى أي تنازل أو تراجع عن مقاومته، لم يعد بين أي فئة من بلادنا وبين هذا العدو إلا الحديد والنار، أو الاستسلام، وأي تنازل تحت عناوين ملتبسة، ليس إلّا هدنة مؤقتة، وما يصون هذا الشعب هو مقاومته في أرضه، والتي حدها تكفل حياته بكرامة.
بقلم رئيس المكتب السياسي
الأمين محمود أبو خليل