سعاده على الإنترنت

سعاده على الإنترنت

في الأول من آذار، نستعرض الصور النمطية والتصورات المفرطة في التعميم وغير الدقيقة التي تم خلقها ومن ثم تعزيزها عن سعاده على شبكة الإنترنت. جرى التضليل على هذه الشبكة وانتشر بسهولة إما من خلال استنساخ صور نمطية قديمة أو من خلال إنشاء كليشيهات جديدة وادعاءات لا أساس لها من الصحة. لقد لجأ مستخدمو الانترنت، معتمدين على المعلومات الخاطئة وقلب الحقائق التي تجعله الشبكة سهلاً للغاية، الى فن دنيء في الاغتيال الرقمي في محاولة يائسة لتشويه سمعة سعاده ولصرف انتباه الرأي العام عن العناصر المثالية الكامنة في رؤيته. ولا يمكن المبالغة في تقدير الضرر الناجم عن أفعالهم، ولكن مع ظهور مواد جديدة أكثر دقة عن سعاده لأول مرة على شبكة الإنترنت العالمية، بدأ هذا التأثير يتلاشى.
ما لم تكن قد قرأت كتب سعاده أو درست أفكاره بطريقة جدية من الناحية الفكرية، فإن معظم الفرص لمعرفتك به اليوم تكون عبر الإنترنت. لا غرابة بذلك إذ تشير الدراسات إلى أن الإنترنت قد أصبح أحد اهم المصادر للحصول على المعلومات حول أي موضوع تقريباً تحت الشمس. فقد لجأ الكثير من الناس إليها لنشر المواد التي تكون بحوزتهم أو لنشر مواد جديدة، التي للأسف، لا تكون دقيقة أو مفيدة دائماً.
فيما يتعلق بسعاده، تشير الأبحاث إلى أن معظم الصور عن شخصه وفكره على الإنترنت هي عبارة عن قوالب نمطية أو سلبية أو خاطئة. هذا يعني أن الكثير من الناس يحصلون على وجهة نظر سلبية أو غير دقيقة عنه ببساطة ومن خلال قراءة سريعة لبضع جمل عنه أو البحث عن موقع ويب يتناوله بطريقة او أخرى. وفي وقت بدأت فيه بعض المغالطات الموجودة سابقاً بشأن سعاده في المؤلفات المطبوعة تتلاشى، فإن إعادة إنتاج هذه الحالات الشاذة وعرضها على الإنترنت على انها حقائق لم تفعل شيئاً سوى تعقيد عملية التفكيك التي كانت جارية بالفعل في وسائل أخرى للحصول على معلومات بوضعه الحالي فأن الانترنت مليء بالمزاعم السخيفة والاوصاف عن سعادة التي تقع على حدود الاباطيل المكشوفة. مثلا:
• كان أنطون سعاده رسولًا لحركة قومية موالية وبشكل اعمى لسورية الكبرى وذات ميول فاشية
• تبنى الحزب السوري القومي الاجتماعي أساليب الفاشية. تم اعتماد شعارها، وهو الزوبعة الحمراء، من الصليب المعقوف النازي، وكان القائد أنطون سعاده معروفًا باسم الزعيم (الفوهرر)، وكان النشيد الحزبي هو “سوريا، سوريا”، يُغنى بنفس لحن النشيد الوطني الألماني.
يتم في كثير من الأحيان، استخدام الاقتباسات لإضفاء مصداقية ودعم لمثل هذه الكليشيهات. ومع انتشار المجلات والدوريات الرديئة والمخادعة، على حد سواء، أصبح من السهل الآن العثور على “دعم” أو “دليل” لأي شيء بشكل عام – ولن يعرف أحد الفرق بين الصح والغلط ما لم يكن ملمّا بالمعرفة ويتمتع بما يكفي من الاجتهاد لكي يتحقق. بالمحصلة، ساعد تدفق مثل هذه المعلومات غير المنظمة عبر الإنترنت فقط في تعزيز صورة سعاده السيئة في الغرب، خاصة بين أعضاء جيل الإنترنت. لقد اصبحت هذه المعلومات مصدراً سهل الوصول إليها، ليس فقط بالنسبة للطلاب والباحثين، ولكن أيضاً للوكالات الحكومية وواضعي السياسات في أجزاء كثيرة من الغرب. ويمكننا بالفعل أن نرى النتائج في إعداد ونشر التقارير الرسمية بالاستناد على المعلومات المتوفرة على الإنترنت. من الأمثلة على ذلك كتاب الحقائق العالمية (World Factbook) الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، والمتوفر بدوره على الإنترنت.

التضليل: تقنيات مختلفة وهدف واحد
من السهل القيام بالتشويه والتضليل على الإنترنت أكثر منه من خلال الاجهزة الأخرى للمعلومات. هذا لأنه يمكن استخدام برمجيات من شتى الانواع للتلاعب بالمعلومات أو تقديم المحتوى عبر الإنترنت بطرق تناسب تفضيلات واهتمامات وتطلعات الجهة المسؤولة عن الموقع. وبالتالي، يمكن للإنترنت تعزيز انحيازنا الحالي او تقويض الدافع لدينا لتعلم أشياء جديدة.
هذا الجانب من الإنترنت ظهر في مختلف التقنيات التي تم استخدامها في الحملة على سعاده. لنتحقق اكثر من هذه التقنيات:

(1) الخرائط: تعد الخرائط وسائل فاعلة لنقل المعلومات، ومع ذلك فقد تكون خادعة ومشوهة على السواء، وعموما كثير من الناس غير مدركين للخرائط، حيث يفترضون أن رسام الخرائط يتمتع بالكفاءة والصدق، وأنه يصور المعلومات كما هي موجودة في الواقع. وتكمن في هذه الثقة العمياء القدرة على التأثير على الرأي العام من خلال التشويه المتأني. ان الحكومات والأفراد تدرك هذا الأمر وقد استخدموه للتأثير على معتقدات كل من مواطنيهم ومواطني شعوب أخرى.
وقد تم تطبيق نفس المبدأ على سعاده من خلال التلاعب الحذر بخريطة سوريا الطبيعية التي تم تصورها من قبله. لقد تم رسم خريطة سوريا الطبيعية ومن ثمّ إعادة رسمها لإعطاء صورة خادعة على أنه يريد توسع إقليمي وأنه يدفع باتجاه الحصول على إمبراطورية بدلاً من أمة. ربما كان سعاده قد توقع هذا الادعاء البغيض عندما أعلن: “ن لا سبب عندنا لنخاف العراك من أجل تثبيت حقنا في الحياة. نحن لا نبحث اليوم في إنشاء إمبراطوريات. لكننا نبحث في حق صحيح، في حق الحياة في الوطن الذي هو ملك الأمة.”

(2) التلاعب بالصورة: الصور هي مثال آخر على كيف أن الإنترنت فشلت في تمثيل سعاده بدقة وبشكل فعال. في حالة سعاده، تم التلاعب بالصور بعناية من أجل جداول مبسطة وضيقة تهدف إلى تقويض سمعته ورؤيته. لقد تم استخدام استراتيجيتين في غاية الوضوح لتحقيق ذلك:

وضع صورته، وفي وضع شبه متطابق، الى جانب صور الشخصيات المشينة مثل هتلر أو موسوليني أو فرانكو. وسواءً لرسمه كزعيم شمولي استبدادي أو لربطه بالنازية والفاشية، يتم وضع الصور بجانب بعضها البعض لإحداث التأثير البصري، ليس فقط للتأثير على التصور العام وعلى فهم سعاده، ولكن أيضاً لتغذية وجهات النظر السلبية الموجودة بالفعل.
إدراج صورته أو صوره في التقارير المعاصرة التي تتحدث عن الأحداث المروعة والفظيعة، وخاصة تلك المتعلقة بالتفجيرات الانتحارية والهجمات الإرهابية، وهكذا ينخدع القراء الذين لا يمتلكون معرفة أساسية ضرورية لفهم هذه الأحداث، في الاعتقاد بأن سعاده مسؤول إلى حد ما عن هذه الأعمال أو مرتبط بها. إنه مشهد مروع، لكنه فعال بصرياً ومقنعاً أيضاً.

(3) سوء الترجمة: على العموم عانت الترجمة من اللغة العربية من تأثيرات اللغة المستهدفة من حيث الخفية والحرفية، والتلاعب. مثل هذا الوضع لا يشوه النصوص الأصلية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى التأثير على القراء المستهدفين. إنه يفسد ليس فقط النص الاصلي، ولكن أيضاً السياق المستهدف يختبر التغيير الذي تسببت به عملية الترجمة عندما يتم الكشف عن تداعياتها العميقة.
بخصوص أنطون سعاده، كانت ترجمة النصوص متفرقة ويتم تنفيذها في كثير من الأحيان وفقاً لمعتقدات مسبقة. كما ساهمت الدوافع السياسية في الترجمة السيئة، وبالتالي في تشويه أفكاره وتحريفها. هذا الوضع يبرز مليّا التداعيات البعيدة المدى وكذلك التعقيدات الكامنة في عملية الترجمة، خاصةً عندما يكون النص مشحوناً للغاية.

(4) السطحية: ليس هناك أي مفكر محصن ضد النقد، لكن المشاركة الجادة في الأفكار والنقاشات الفكرية تتطلب أكثر من مجرد الثرثرة والذم. من الظلم بالنسبة للمفكر السياسي الاجتماعي حذف الحقائق أو إخفاءها بشكل ممنهج من أجل إرباك الرأي العام في فهمه للقضايا، والاشخاص الذين يقومون بذلك إما يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة، أو أنهم مجرد جهلة واضحين ويفعلون ذلك لغرض تحقيق مكاسب سياسية أو شخصية.
إنه أمر مقلق للغاية عندما ينخرط نقاد يتمتعون فقط بالمعرفة السطحية في تقييمات المفكرين والأفكار. وهذه مشكلة شائعة على شبكة الإنترنت، خاصة فيما يتعلق بسعاده، حيث تكشف نظرة خاطفة أنه مثلما توجد تقييمات موضوعية ومدروسة جيداً لفكره، هناك مراجعات وتقييمات ضحلة تلوث وتشوه بوضوح معنى وغرض رسالته. وأسوأ ما في الامر هو أن المراجعات والتقييمات لا تستند إلى تفسيرات خاطئة أو بيانات باطلة، فقط، بل تعتمد على أكاذيب مطلقة.
تعاني المشاركات المتواجدة عن سعاده من نفس المشاكل والعيوب التي تعاني منها معظم المعلومات المتوفرة على شبكة الإنترنت. وتكشف نظرة خاطفة على المواد المنشورة عنه عن العديد من التناقضات البارزة:

• هناك ميل واضح من معظم الناس إلى اعطاء أولوية للمعلومات التي تتوافق مع تطلعاتهم الحالية وتجاهل أي معلومات مغايرة.
• يتم انتقاء المادة بشكل ضمني بناءً على ما يناقشه أصدقاء المؤلف أو معارفه أو الدائرة الداخلية التي قد ينتمي اليها، مما يميل إلى إنشاء أو تعزيز أفكار غير دقيقة قد يكون من الصعب تصحيحها.
• يقوم معظم مستخدمي الإنترنت بنشر المعلومات أو تفسيرها بهدف الحفاظ على استنتاجاتهم السابقة. ومع ذلك، فإن الرغبة في إثبات أنفسهم بأنهم على حق والمحافظة على أفكارهم الحالية يتفوق على أي محاولة خلاقة أو أكثر انفتاحا.
• على الرغم من أن الإنترنت قد زاد بشكل كبير من اختيار بدائل، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمصادر المعلومات، فقد عزز أيضاً التشويه أو القدرة على الرؤية من خلال التشويه. في نهاية الامر، لا يمكننا التعامل مع مجموعة هائلة من الخيارات إلا من خلال تجاهل معظمها.
• بمجرد نشر المعلومات وفقدان الحقائق في فضاء الإنترنت، يستولي الاهتمام الخجول على المنطق والتفكير النقدي والحس السليم.

المدونات الالكترونية
يتبين لنا، من خلال نظرة سريعة، ان سعادة نال أكثر من حصته العادلة على ساحة المدونات. بل ربما هو من أكثر المفكرين “العرب” الذين تم مناقشة افكارهم على هذا التطبيق الالكتروني نظرًا لتنوع أفكاره ولآرائه الفريدة والمثيرة للجدل. ولأن المدوَّنة مثل السيف، ذو حدين، تعرض سعادة الى مداخلات إيجابية وسلبية على حد سواء مما تسبب بالمزيد من البلبلة والتخبط. على الصعيد السلبي، نلاحظ ان عدد لا بأس به من المداخلات كانت وما زالت تتمحور على الصور النمطية المعتمدة تاريخيا عن سعادة في الغرب، كالنازية والفاشية، مع إضافات طفيفة لا تنير ولا تضيء طريقا. كما تشوبها الكثير من المغالطات والشائعات التي ليس فيها من الصحة شيء

قد يقول البعض أن المدونات لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد لأنها لا تتجاوز نطاق كونها تعبيرا ذاتيا عن رؤى ومواقف شخصية. هذا صحيح إلى حد ما، اذ ان محتويات المدونة اجمالا لا تعتبر مصادر موضوعية وموثوقة للاستفسارات الأكاديمية والبحوث العلمية. مع ذلك، تعد المدونات من المصادر الرئيسية لوسائل الإعلام الغربية، والعديد من الصحفيين الغربيين، في السعي للحصول على معلومات فورية، يعتمدون على المدونات للحصول على معلوماتهم. لذلك، لا يجب الاستخفاف بالمدونات أو تجاهلها، خاصةً أنها لا تظهر أي علامات على التراجع. وما يمنح المدونات أهمية اضافية كوسيلة إعلامية “هو تيسيرها لكل الوظائف الإعلامية التعارف عليه فضلا عن تطوير سبل تأديتها وزيادة التفاعلية وتواجد صفة الفورية في عملها وتعدد مراكز الاتصال والمشاركة في مناقشة الشأن العام وبصورة غير مسبوقة.”

مؤشرات إيجابية
في البداية، كانت شبكة الإنترنت غارقة بمعلومات تافهة عن سعاده، وتم استخدام معظم المعلومات لأغراض دعائية إما لتضخيم سمعة سعاده أو النيل من شخصيته. عانت صورة سعاده في هذا السياق من أضرار لا يمكن إصلاحها حيث تنافست جهات مختلفة لتضعه ضمن منظور أو آخر حسب المكان الذي كانت تقف فيه على الطيف السياسي. مع كل ذلك، هناك اتجاهان واضحان: (1) اتجاه نحو المشاركة في إدامة بعض الصور المبنية سابقاً في الغرب عن سعاده؛ و(2) اتجاه نحو التقييم والحكم على تاريخه السياسي من حيث الأحداث الراهنة وأداء حركته السياسية. ولقد فتح الغياب شبه التام لصوت سعاده الأدبي باللغات الغربية، خاصة باللغة الإنجليزية، الباب على مصراعيه ذلك بدون المصادر اللازمة أو الآلية لتنقية المعلومات، كما أنه حال دون إمكانية تصحيح المعلومات المضللة قبل ان يتم انتشارها.
ولكن، كما هو الحال مع كل التقنيات، فإن الإنترنت سيف ذو حدين، مثلما تم استخدام الشبكة لنشر معلومات مضللة حول سعاده، فقد وفر أيضًا منبرًا يمكن من خلاله تسليط الضوء على أفكاره ومناقشتها بطريقة أكثر انتقائية وموضوعية، ونتيجة لذلك، تحسن اتساع وعمق المعلومات عبر الإنترنت حول سعاده مع مرور الوقت وبدأ التحليل العلمي لفكره يظهر بشكل متزايد.

استنتاجات
لقد نالت صورة سعاده على الانترنت كل من الربح والخسارة، حيث منحته هذه التقنية الجديدة فرصًا وانتشار واسع لم تكن متوفرة سابقًا. لكن لم يكن ذلك دائمًا لأسباب صحيحة وغالبًا ما كانت لأسباب خاطئة. وبدلاً من محاولة مناقشة الحجج والنظريات والمفاهيم المرتبطة تقليديًا بسعاده، وتعريف القراء على العناصر المهملة ولكن المهمّة في كتاباته وحياته، لجأ معظم مستخدمي الإنترنت إلى صور نمطية ملفقة وتحريف متقن لفكره، وهكذا تم الحفاظ على ذلك التقليد (العرف) بتصوير سعاده بطرق سلبية إلى حد كبير وبطرق تخدم المصالح الذاتية.
لكن، ومع إدخال معلومات أكثر دقة، انقلب الامر ببطء لصالح سعاده. لم تكن كل المعلومات الجديدة مفيدة، لكن الجودة تحسنت وقد اصبحت التفاصيل تأخذ اتجاها أكثر إثارة وتحفيزًا للتفكير. ويبدوا هذا الامر واضحا في كل من اتساع واتجاه المناقشة التي نالها سعاده عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة. فلقد تراجعت التعليقات التي كانت ذات مرة مسيئة للسمعة والمدمرة تمامًا عن سعاده ولكن لم تختف تمامًا، مما يعني أنه لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل قبل الحصول على صورة أكثر توازناً عن سعاده.