بين رومانسية الذكرى وفعلها الصراعي

بين رومانسية الذكرى وفعلها الصراعي

باقة الورد التي شاءها اتباع سعادة ان تكون معايدة تقليدية، أرادها سعادة ان تتميز، فكانت ذكرى ميلاده وذكرى قسمه ايضاً (قسم الزعامة)، الذي وقف فيه حياته على امته، كما قال فكانت حياته القصيرة، الغنية بالإنجازات الفكرية والابداعية والنضالية ان في الوطن او عبر الحدود، ساعياً لنهضة امته، زارعاً الوعي وبانياً حزباً اناط به ايقاظها من غفوة طالت في ظل عصور الانحطاط والاحتلال واستلاب العقل
لم تكن المسيرة سهلة واصابته مصاعبها هو نفسه، فقضى معظم حياته الحزبية، في السجن، ولم يوفر وقتاً بل كتب وأبدع، حيث كان كتابه الأساسي نشوء الأمم، هدية قدمها للقوميين في أحد احتفالات اول اذار لاحق، بعدما أصبحت مناسبة مولده، تعم الأمة من لبنان الى باقي الكيانات وفي الاغتراب، ومن سجن الى ملاحقة ثم غياب والى استشهاده وكان الأثر الابلغ الى الآن. الحزب الذي شاءه بين ايدي مؤسسين أوائل اختارهم، ورغم ذلك، كانت لهم كبوات اضطرته مرات عديدة ان يقوم اعوجاجاً طالها. مواجهته تلك أدت به ليدفع حياته ثمنا، بعدما استشرف منذ تلك المرحلة مخاطر ما يعتري امتنا من مؤامرات لم تنته تفاعلاتها الى الآن.
شاء سعادة من حزبه، الذي اعتبره الخطة النظامية المعاكسة لمواجهة الخطة الصهيونية التي تريد نهش امتنا ومعها مخالب الغرب الاستعماري وابقاءها ضعيفة مشلعة منهوبة القدرات واشلاء مقسمة، كما حالها اليوم، مما يسهل عليهم الاستيلاء على ثرواتها الغنية
كان فتى في العشرينات من عمره عندما أدرك مخاطر الصهيونية على بلادنا، فكتب واسس ونظم، حزباً أراده مواجهاً وصلباً، والى الآن يعتبر أحد المؤسسين الأوائل في الدعوة وفي الفعل لمواجهة هذا الخطر، جهاده هذا دفع ثمنه استشهادهـ عندما تمكنت الأنظمة السياسية من قتل جسده لكن فكره النير بقي هادياً لا بل ان استشهاد القدوة كان مدخلاً للثقة به وبحزب يدفع قادته حياتهم ثمن قناعاتهم.
ان قراءة متأنية لما فعله قسم هذا الرجل، تدفعنا وبثقة للاعتراف بعظمة وعيه وعظمة ثقته بأمته وحزبه والقوميون الاجتماعيون اتباعه كانوا دوماً شجعان أقوياء، في مسيرتهم التي تكاد تقارب التسعين عاما وهم ما زالوا على عهدهم وثقتهم به.
تدفعنا المناسبة لسؤال أنفسنا بجرأة، بعيدة عن رومانسية المناسبة، ولنجيب على تساؤلات البعض عن جدوى الاحتفالية، التي نصر نحن على القول انها ليست عيد ميلاد رجل عادي، عن موقع
سعادة في حزبه، الذي وان تكالبت عليه المخاطر الداخلية والخارجية، يعود ليستعيد وليحافظ على بطولات القوميين ومواقعهم السليمة في الجهاد والنضال، وفي الصراع من اجل حياة هذه البلاد.
في أبرز المحطات الصعبة التي عرفتها امتنا، كان حزبنا موجوداً قد يكون اقنع وجوده البعض أو لم يقنع بعضاً اخر، لكنه حزب اثبت دوما ان عقيدته البناءة هي السبيل الوحيد لحياة ونهوض بلادنا
أبرز ما قاله سعادة عن غاية الحزب” إيجاد جهة من أمم العالم العربي تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير، قي إقرار المسائل السياسية الكبرى”
لقد رأى معلمنا واقع البلاد وشاءها منيعة قوية، ولا خيار إلا بوحدتها، فهل أفلح في ذلك؟
ما يعترض هذه الكيانات اليوم هو اقسى ما يمكن تصوره من احتلال صهيوني لفلسطين، واتفاقات تطبيع جارية بين دول الجوار وهذا العدو، حصار على كيانات أخرى وضرب للوحدة الاجتماعية ونسيجها السكاني، من خلال تعزيز حالات الانقسام وادخالها في مشاريع تفتيتيه جديدة، تؤدي الى تقسيم المقسم، وتزرع الشقاق بين أبناء الأمة الواحدة من خلال المذهبية والطائفية، وتمادي حال الاقطاع والعشائرية، وافقار الشعب وهنا يقول” لقد نام الشعب عن تعهد شؤون حياته ومصالحه فتعدها ذوو المصلحة في ذله واستعباده، وسكت افراده عن حقوقهم في الدولة وشؤونها” قالها في الاربعينات وكأنه يقولها اليوم. الاحاسيس نفسها التي ترافق جيل بلادنا، وهم أضحوا أسري انهيار الكيانات وتداعي طموحهم بمستقبل شاءوه وشئناه حراً تسوده العدالة الاجتماعية وهم اعزاء مرفهين في وطنهم، ولكنه وكأنه قدر هذه البلاد ان تبقى أسيرة مطامع الخارج او مشاريع الاقطاع الرأسمالي المتمادي الداخلي. ثورتان انقلابيتان قادها الحزب، ولم يفلح في إزالة طغمة هذا النظام السياسي الطائفي المرتهن.
استشرف سعادة حال امتنا في هذه الحقبة، يوم تحدث عن السقوط الإنساني للولايات المتحدة الأميركية، وها نحن نراها تتجلى بأبشع صورة اليوم هي والمعسكر الداعم لدولة الكيان المحتل في صمتها المعيب بحق الإنسانية جمعاء وحقوق الانسان عما يجري في غزة.
وحزبنا ها هو يستعيد دوره في مواقع الجهاد والمقاومة، التي تناضل لإبقاء الحق الفلسطيني حياً لأبناء الأرض وبعدما استطاعت المقاومة إعادة احياء هذا الحق وكشف المشاريع والمؤامرات التي تستهدفه.
يواجه حزب وفكر سعادة اليوم مخاطر كثيرة وأبرزها محاولات تطبيع الأنظمة مع عدو عنصري كما يواجه غياب الوعي بمخاطر ذلك، لكنه يصر على زرع بذار الوحدة والتآلف بين مكونات المجتمع، وبإمكانياته المتواضعة وهذا يستدعي من كل الغيارى على الحزب تنكب مهامهم وتحمل مسؤولياتهم لترجمة حرصهم على حزب سعادة، ان استعادة المعايير التي وضعها سعادة للانتصار ثبت يقينا انها لا زالت هي الحل.
قال يومها” ان الاخلاق هي في صميم كل نظام يمكن ان يكتب له ان يبقى” فليكن
التزام القوميين اليوم، سعيهم الى النهوض بحزبهم ليكونوا على مستوى الاخطار التي تواجه امتنا وحربها الوجودية الجارية اليوم.