خواطر الأول من أذار

خواطر الأول من أذار

في عام 1897 اعلن رسميا في مدينه بازل السويسرية عن انطلاق المشروع المعادي لتقسيم بلادنا وتفتيت مجتمعنا وذلك بإقامة كيان استيطاني عنصري معادي للامة على جزء من ارضنا القومية، هذا المشروع الذي اعتمد شكليا ونظريا على مسالتين: الاولى الخرافات التوراتية وما تضمنته من وعود ربانيه لشعب مختار من قبل الرب بارض تراوحت ما بين فلسطين في حدها الادنى وما بين ارض تمتد من نهر النيل الى النهر العظيم (نهر الفرات) والثانية على وجود مشكله يهودي في اوروبا ورغبه الاوروبيين بالخلاص من هذا الفائض المزعج البغيض من جهة، وفي استخدامهم كأداة من ادوات النهب و السيطرة الاستعمارية واستغلال الشعوب وخاصه مع هرم الدول العثمانية وقرب تفككها، وفي خطاب مختصر لرئيس المؤتمر الصهيوني الاول ثيودور هيرتزل قال فيه: ان حدود الدولة اليهودية التي ستقام في فلسطين ستبدأ من شمال نهر الليطاني دون ان يحدد باقي حدودها جنوبا و شرقا، واضاف انها ستقوم في موعد اقصاه 50 سنه من ذلك التاريخ.
الحركة الصهيونية وان اعتمدت على الخرافة كأسلوب دعائي يتعاطى مع الاحلام اليهودية و مع تصورات الكنائس المتجددة في الغرب و التي تؤمن بان عودة اليهود الى فلسطين هي شرط من شروط عودة المسيح المخلص، الا انها في المجال العملي التنفيذي قد اعتمدت على خطط محكمه علميه منظمه مدروسة في سبيل تحقيق غايتها والتي حققتها بفارق سنه واحده عما اعلن ثيودور هيرتزل (1897-1948) اذ قامت الدولة اليهودية على ارض فلسطين وحققت جموع المهاجرين من المستوطنين اليهود على قله عددهم انتصارا على الامه وعلى العالم العربي.
جاء الرد على الخطة اليهودية الصهيوني الغربية في البداية هزيلا فالأمه التي تفتك بها امراض الانقسام وتقودها الزعامات الفاسدة وتنهشها امراض الطائفية والكيانية الضيقة التي عمل الغرب على تكريسها في اتفاقيه سايكس- بيكو ثم سان ريمو والتي رفضت التعامل معنا كامه تامه واحده وانما لسنا الا جماعات مذهبيه وعرقيه ومناطقية، لسنا الا عشائر وقبائل متنافره، فكان ان تعاملت هذه الجماعات مع المشروع المعادي بالطرق المتخلفة وبخطاباتها الحماسية والانفعالية واعتمدت الجهل في مواجهه العلم والفوضى في مواجهه النظام.
جاء الرد على المشروع المعادي عام 1932 على يد فتى الاول من اذار فتى الربيع بوضع خطه معاكسه تعيد للامه وحدتها وحيويتها وعلى قواعد العلم وقيم الحرية والنظام والواجب والقوه، اصطدم المشروع القومي بالمشروع المعادي وادواته في الداخل من قوى الرجعية والطائفية وتلك التي وجدت في التجزئة مصلحه شخصيه ضيقه لها على حساب مصالح الامه التي تعلو على كل مصلحه فكانت المؤامرة تلو المؤامرة لعرقله هذه الخطة المعاكسة.
يمر الاول من أذار بنا والامة تخوض حربا هي الاطول في تاريخ الصراع مع المشروع المعادي، و قد كشفت هذه المعركة كثير من الحقائق المغيبة، اولها ان هذا العدو و ان بدا من القوة و الضخامة و كانه ناطحة سحاب، الا ان ما حصل منذ الساعات الأولى من صبيحة السابع من تشرين اول الماضي اثبت انه ليس الا فعقور صغير تهتز حجارته التي لا جذور لها مع هبات الريح، و كشفت ان ذلك العالم الغربي هو العدو الحقيقي و هو من يقف و يوظف الكيان المعادي و الذي ليس الا اداة من ادواته، و كشف و هذا هو الاهم ان في الامة قوة و امكانيات و طاقات ان استثمرت (لغيرت وجه التاريخ)

ما بين الاول من اذار 1904 والسابع من تشرين ثاني 2034 يتساءل كل حريص على المشروع القومي و هو يشعر بالمرارة: آلم يكن من الاولى بان تحقق المؤسسة القومية مثل هذا الانتصار الذي تحقق في السابع من تشرين، ولكن الجواب ان المؤسسة قد تحولت من الطبيب الذي يعالج امراض الامه الى مريض يحتاج الى العلاج الامر الذي يذكرنا بالمثل القديم القائل: اذا فسد الملح فبماذا يملح، هذا ما يجعل من اصلاح الملح مهمة ملحة و واجب من الابرار من المؤمنين بالأمة و جريا على قول مثل اخر: ان توقد شعله خير من ان تلعن الظلام، فالأمل لا يغادر المؤمن و الايمان هو حالة عقلية كلما استعملت كلما قويت و راكمت مزيد من القناعة و تفولذ ت و ليست طاقه قابله للنفاذ مهما تراكمت عناصر الاحباط، و لا بد من العودة الى الجذور و الاصول و السير على هديها في خواطر الاول من أذار.