آمنتُ بفكرِه … فعَرفتَه

آمنتُ بفكرِه … فعَرفتَه

لم أعاصر أنطون سعادة، ولم أكن من الرعيل الأول ولا الثاني ولا الثالث، لكنّي عرفته عن كثبٍ وتحاورت معه متسائلاً ومستفهماً، واستمعت إليه لأكسَبَ الكثير من غلاله الفكريّ الغنيّ المُشِعّ، وقرأته مراراً وتكراراً لتنيرَ كلماته وحِكَمِه وعِبَرِه مسيرتي الحياتيّة منذ الصِغر وليومنا هذا. كلّما أنظر إلى صوره الرائعة، أشعر وكأنّه بقربي حيّاً يُرزَق، أسمع صوته النقيّ بوضوح تامٍ، وأرى في بسماته كلّ الحلى وفي نظراته كلّ الجمال.

حضرة الزعيم الخالد،

إليكَ يا رائِدَ الأزمِنة والأمكِنة؛ وُلِدْتَ، كبِرتَ، حلِمتَ، تغرّبتَ، عدتَ، عَمِلتَ، أبدَعتَ، جَسَّدتَ فكراً وأنشأتَ مدرسةً حياتيّةً وفيّة كريمةً، وضَحَّيْتَ للوطنِ قُرباناً، لتؤمن برؤيتك وعقيدتك أجيالاً متكرّرة رأت في فكرك وطناً جميلاً زاهراً وشعباً كريماً أصيلاً وأرضاً عزيزةً غاليةً.

قُلتَ خيراً، وفعَلتَ حقّاً، وبك أصبح الجمال بهيّاً. بِتَّ في الحياةِ مثلاً أعلی … لأجيالٍ أتَتْ وستأتي غداً.

إغتالك الحقد والجهَلة وتآمرت عليك فصائل من العملاء بأبشع الطرق وأنتن الوسائل، فارتقَيت شهيداً ليشِعَّ فكرك وطناً وعبر الحدود، لكنك لم تغِب عن أرضك وشعبك وتلامذتك، ولنّ. واجهت القتَلة الغدارين فكراً ونهضةً ونضالاً ونوراً وأخلاقاً، وما زلتَ أملاً لنا وللوطن. هم انتهوا ولا يُذكَرون بتاتاً، وأنت بقيتَ شامخاً شموخ العرزال وصنّين.

محيّاكَ بسمات لا تضمحل، أنتَ … أنتَ … وقفةُ عزٍّ باتت سرمداً، وباتت ربيع الأملِ بنهضة خلوقة والتجدُّدِ بإنسان جديد يؤمن بأن مصلحة الوطن هي أهم من كل المصالح، ولن يعلو عليه شيئاً.

إنّه يومك، يوم السعادَة، مولِدُ الوعيِ القوميِّ وإرادةِ الانتصارْ. فتی الربيعِ هو أنت، فلتحْيَ دوماً في الأوّلِ منّ آذار.

هو ميلادك المتواضع الواعد، وأنت الرجل بحجم الأمّة، والإنسان بحجم الإنسانيّة، المفكّر المبدع الخلاّق، والرائد بشجاعته ورقيّه وكرَمه وأخلاقه وإيمانه وآدابه وعطاءاته ووفائه. فحضرتك المتأمّل والمستشرف الواقعيّ، المُرهَف والمثقّف، القارئ المُلهَم والكاتب المُفعَم بالفكر والثقافة والعِلم، والمؤمن بالعقل كالشرع الأعلى.

الشويريّ أنطون سعادة، زعيمي، أتيتَ إلى خاصّتِك وشعبك ووطنك مخلّصاً، باعثاً للأمل وداعياً للعمل، ولكنّ البعض أصرّ أن لا يعرِفك، ولم. تآمروا عليك من كل حدب وصوب، فاغتالوك جسداً عن سابق تصميم دون أن يدركوا بأن فكرك ولمّ ولنّ ينضَب، بل أثبتَ بأنّه الخلاص الأنسَب للأمّة السوريّة من شتّى معضلاتها وكامل معاصيها.

بالرغم من كل المآسي والآلام التي يمرّ بها الهلال الخصيب في كل أرجائه ويعاني منها الشعب السوريّ بكافة أطيافه، سيبقى الأوّل من آذار يوماً صنَعَهُ القدَر وصاغه الحق، فلنفرَح ولنتَهَلَّل به ، إنّه يوم مولدك أيّها الشهب المُمَيَّز والأوحَد.

لوس أنجِلِس، 1 آذار – 2024