فتى الربيع

فتى الربيع

“يا أيها الذين ضاعوا ليل في التقولات وغرقوا في لجج الأوهام، ان في الجمال حقيقة نافية الريب، مانعة الشك، ونوراً باهراً يقيكم ظلمة البطل. تأملوا يقظة الربيع ومجيء الصبح، إن الجمال نصيب المتأملين”(جبران خليل جبران)
يطل علينا الأول من آذار ونحن نتمثل حضوره ووقع خطاه وصوته الرنان النقي، وعباراته الساحرة ولسانه المبين وعينيه المستشرفتين، وبسمته الآسرة ثقة ومودة. انبعاث روحي جديد في الوجدان يلامس العقول فيوقظها ويحض العزائم على النهوض ويمتطي صهوة العقل ليفتح افاقاً ويشق طريقاً وينير درباً. نهضة فتى الربيع ابعد من ان تحصر في غرض التوحيد السياسي لأمة ممزقة. انها عملية إرساء جديدة لقواعد النهوض العام في كافة مرافق الحياة. أن تجد هذا الفتى المتقد ذكاءً ونضجاً واخلاصاً وتفانياً يذهب ليعالج مواضيع في غاية الأهمية لم تخطر على بال أحد من رجال السياسة من قبل.
في فلسفته الجديدة لا تقوم الأمة وتنهض بالشعارات السياسية ولا ترتقي بالقوانين الجامدة انما بترقية نظرتها وثقافتها الى الحياة والكون والفن فذهب يعالج مسائل مثل الصداقة والحب ويقوم بتحليل بعض السيمفونيات لأشهر الموسيقيين ويتطرق بعمق الى الأدب ويميز بين” ادب الكتب وأدب الحياة “ويربط بين “تجديد الأدب وتجديد الحياة” ينفرد سعادة بين جميع المفكرين النهضويين قاطبة، حيث نجد هؤلاء يكتفون بطرح شعارات سياسية نجد سعادة يغوص في الأعماق من اجل إرساء وترسيخ قواعد النهوض. اذ يعتبر ان الارتقاء والنهوض اما أن يكون شاملاً او لا يكون. فلا يمكن أن يكون متقدمين في الأدب ومتخلفين في الحقوق ولا يمكن أن نكون متقدمين في السياسة ومتخلفين في الفن ولهذا يقول لا يمكن الفصل عملياً بين الحياة ومقوماتها وبالتالي لا يمكن الفصل بين الرقي وبين موجبات النهوض المكنونة في النظرة الى الحياة والكون والفن. انها مسألة تتعدى في مبتغاها ومراميها الوحدة السياسية على أهمية. النهضة بشموليتها في الأدب والاجتماع والموسيقى والنحت والتمثيل والحب والإنتاج فكراً وفناً وغلالاً الألية الى تكوين حياة جديدة سامية لأمة واحدة موحدة المقاصد البعيدة التي أرادها سعادة وجعل الحزب يتنكب أعباء تحقيق تلك المقاصد. لهذا فان حزب سعادة ليس حزباً سياسياً بالمعنى الاعتيادي وليست غايته الجمع والضم انما التوحيد الروحي – المادي القائم على معالجة أسباب التخلف،
يذهب سعادة ويطرق الباب الديني في عملية شاقة وحساسة وتشكل أحد أكبر الارهاصات التي القت بظلها على الأمة واحدثت في المجتمع تصدعات وتنابذات وتفرقة واقتتالاً. نراه يعالج إشكاليات النص الديني من زاوية لم يسبقه أحد في تلك المهمة. صحيح أن هناك كتباً كثيرة تطرقت لأسباب النزول ولكنها اكتفت بالحدث الآتي بها بينما ذهب سعادة ليعيد أسباب النزول الى العامل البيئي والثقافة البيئية وعقلية القوم، ليقول إن الخلافات الدينية ما هي الا في وسائل التعبير والتبليغ فرضتها عوامل البيئة مما استدعى واستحضر مجاراة تلك العقلية لإيصال الفكرة الى القوم خلص سعادة الى البرهان العلمي القاطع بوحدانية الدين ووحدانية المقاصد الدينية عند المسيحية والمحمدية. كلماته بهذا الصدد حروفها من نور كقوله “اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض “. ما أعظم هذا القول وما أكثر الفائدة منه.
إذا كنا نريد ان نربح الأرض فيجب أن نقاتل في سبيل الأرض لا في سبيل السماء. والسماء هي بالعز والسمو هنا وهذه شرط تلك. فمن صان ارضه ووحد مجتمعه واقام نهضته وجعل العدالة والنظام والرقي عاماً في مجتمعه فإنه يكون قد أسس الجنة على هذه الأرض و “الله يرث الأرض لعباده الصالحين “ق. ك.
عاماً بعد عام تتجذر مفاهيم النهضة فينا وتزداد حاجتنا الى سعادة وها هي الوقائع والحوادث الذي نبه من وقوعها منذ قرن واسس حزباً ليدرأ عن الأمة هذه الكوارث قد حلت بنا فعلاً وامعنت في الأمة تمزيقاً وتفتيتاً ونهباً، ومع هذا فإن وحدة الساحات ما هي الا دليل قاطع على وحدة الحياة والمصير وجاءت مصدقة لقوله “الأمة قوة مغناطيسية تجتذب اجزاءها ولو بعد حين”.
فليكن الأول من آذار دعوة الى توحيد الحزب ونبذ العار والذل الذي الحق بحزب سعادة ودعوة لتمتين جبهة المقاومة وتوحيد أهدافها وعملها. هكذا نكون قد وفينا ما عاهدنا فتى الأول من آذار على تحقيقه وصيانته.