لأن القوميين صادقون مع أنفسهم، لا ينفكّون يطرحون الأسئلة ويراجعون الأحكام والمواقف، ولأنهم غالباً ما يُتَّهمون بتأليه الفرد، وجب النظر في هذا الحب الكبير الذي يحملونه لزعيمهم. لأن المواطن الذي يقرر الانتماء إلى الحزب لا يكون مدفوعاً بأغراض خاصة، أو بهدف آني، بل هو يفعل ذلك اقتناعاً منه أن في هذا سبيل خلاص لوطنه، فإن حب القوميين لأنطون سعاده ليس مجرد إعجاب بشخص يمتلك الكثير من الجاذبية، أو ما يسمى بلغة اليوم كاريزما، وليس حتى مجرد تقدير لقائد مضحٍّ وقف نفسه لمصلحة أمته، بل هو جزء من وطنيتهم، من تعلقهم بأرضهم، من حبهم للعطاء والخير.
راجت في هذه الأيام عادة جلد الذات، وانتشرت كتابات كثيرة تندد بالقوميين وبخياراتهم وتشكو ابتعادهم عن نهج سعاده. بعض هذه الكتابات صادر عن وجع حقيقي وقلق على الحزب في هذه الأزمنة الصعبة، والبعض الآخر يحمل شيئاً من التعالي، إذ يعلن أن الكاتب وحده يعرف طريق الخلاص، بينما الآخرون، كل الآخرين، على ضلال. في كلا الحالتين، لا يسعنا إلا أن نقول إن في التعميم إجحافاً. ففي النقد الذي يصوبه هؤلاء المتذمرون على المؤسسة الحزبية، يطيحون في طريقهم بالصورة الناصعة التي يحملها كل منا في وجدانه للعشرات من القوميين من أهلنا وأصدقائنا، ممن يؤمنون حقاً أن في المبادئ التي آمنوا بها وفي الفكر الذي اعتنقوه خلاصاً للأمة التي يعلو حبها فوق كل مشاعره الأخرى. في ذهننا عشرات القصص التي رويت لنا عن قوميين بسطاء، كان لديهم فهم وعمق في التفكير يفوقان ما لدى الكثيرين من حملة الشهادات العليا، عن قوميين فقراء تبرعوا بالقليل مما يملكون للمساهمة في العمل الحزبي، عن قوميين تناسوا تعبهم وانشغالاتهم ليقدموا الوقت والجهد في سبيل أن يستمر انتشار هذا الفكر بين أبناء الشعب، عمن اختاروا البقاء في الوطن على الرغم من توفر فرص الرحيل، عن مغتربين يعيشون عبر الحدود منذ العشرات من السنين ولا ينفكون يحملون هموم الوطن في يومياتهم ولا يتوانون عن تقديم المساعدة عند الحاجة، عمن يفكرون ويستمرون في البحث عن سبل تصويب العمل الحزبي من دون أن يدمروا كل ما يتم أنجازه في هذه الظروف العسيرة، عن قوميين يتعالون فوق الخلافات الشخصية في سبيل المصلحة الحزبية. نعرفهم شخصياً أو سمعنا حكاياتهم، أو قرأنا عنهم في مذكرات الكتّاب القوميين، ولكننا لا نتناقل قصصهم كثيراً فقد اعتدنا الإغراق في السلبية وتظهير النواقص وهي موجودة من دون أدنى شك بدل أن نعتز بأنفسنا.
بشكل عام، ولكي لا نرتكب ما انتقدناه لدى المنتقدين، نؤكد أن في زمن انهيار الانتماء وضمور الشعور الوطني، لا يزال القوميون من القلة القليلة التي لا يضعف انتماؤها للوطن. تفكر، تبحث عن طرق لإنعاش المتحد الذي تعيش فيه، تزرع شجرة، تعزّز الثقافة، تحيي الفن والتراث… هؤلاء عملة نادرة في مجتمعنا اليوم. ولكنّ ذلك ليس بمستغرب فهم، إذ اختاروا الانتماء للحزب السوري القومي الاجتماعي، كان لديهم في الأصل، بذور الخير الموجودة في النفسية السورية، وقد عززها اطّلاعهم على فكر سعاده وجعلها تثمر.
من أجل كل هذا، كان حبهم لزعيمهم من حبهم لوطنهم.