يومها كانت سماء الأمّة السورية يلفّها الشحوب. غيوم داكنة تحمل إشارات القلق والغموض، حتى الأنهار أصاب خرير مائها الصمت وجريانه اعتراه الوهن، وحال الأمّة هدّه التبعثر والتشرذم والتفسّخ والتفرقة وصارت مرتعًا ومصيدة وطعمًا لقوى الاستعمار والتسلّط والهيمنة والبغي والعدوان.
كانت في عراك مرير مع بقائها وديمومتها ووجودها، تنشد الرؤية الصحيحة والفكر الذي ينير دربها وكبيرًا يقودها الى الخلاص والأمل والسبيل إلى حياة العز.
وفي هذا الأتون الذي تعيشه الأمّة وحمأة الصراع عليها، انبلج صبح غير كل الصباحات واندلق فجر على مطارح الأمة السورية حاملًا في بزوغه تباشير ولادة قامة باهرة في جلائها تنفض نورًا وسطوعًا، كأنّ في تواقدها عزمًا وحزمًا على وأد الظلام وفي جنباتها ريح تضارع الصمود والعنفوان.
هذه القامة ولدت من رحم الأمّة، وكان ميلادها في الأوّل من آذار إيذانًا للتغيير ولإعادة كتابة تاريخ الأمة.
قامة تجسدّت على شاكلة أمّة في أنفاسها مصابيح الخلاص والانعتاق من الشوائب والشدائد والمحن والتعسّر والهوان.
الأوّل من آذار، مولد أنطون سعاده، الذي ولد وفطم وشبّ على الوعي والإدراك والإلمام والتحليل وبعد النظر.
استقرأ الجغرافيا في كل مناحيها وأمعن في دراسة التاريخ بكلّ موضوعيّة وفهم، وألمّ بكل الوقائع والحالات ومعاناة الأمّة وكيفية تحرّرها من قيود الطائفية والمذهبية والرجعية والتخلف والكيانات التي أنشأها الاستعمار، والتي يجب أن لا تكون حبوسًا للأمة بل معاقل تتحصّن فيها للوثب على الطامعين في خيراتها وثرواتها ومقدراتها، لأنّ الأمّة الحيّة العظيمة تحتلّ منزلتها في التاريخ بما يتمثّل فيها من غايات تطفح بها نفوس أبنائها، فلا الشدائد تميتها ولا الأهوال تزعزع إيمانها، ونفاذها لا يكون إلّا بالبطولة المؤيَّدة بصحّة العقيدة.
ميلاد سعاده، ميلاد النهضة، ميلاد الحركة القومية الاجتماعية، ميلاد الحزب السوري القومي الاجتماعي. الحركة التي حملت في ذاتها حياة أمّة ومصدرًا للعقيدة القومية الاجتماعية، الحزب الذي سيبقى عنوانًا لحراكنا ونهجا صحيحًا لمسارنا على كل الصعد. واليوم نعيش العدوان الصهيوني الذي حذّر منه سعاده في كل خطاباته وكتاباته، العدوان الذي يفتك بشعب فلسطين من النهر الى البحر ويمتدّ بإجرامه الى لبنان قاتلًا البشر والحجر.
دعا سعاده الى المقاومة والصمود والتحلي بالفكر والوعي القومي والصراع من أجل الحرية “لو لم نكن حركة صراع لما كنا حركة على الإطلاق لا تكون الحياة بلا صراع”.
سعاده أرسى حركة تحرر وبنى مداميك النهضة الاجتماعية عبر تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، حسبه السبيل للحراك الذي ينبغي أن نسلكه والطريق الأنجع للخلاص إدراكًا منه أنّ هذه الأمّة عصيّة على الموت وأنّ فيها من القوّة والإرادة ما يجعلها دائمًا في موقع الاقتدار.
إنّ رفيقنا الشهيد وسام سليم الذي تشظّى في شعاب الجنوب على حدود فلسطين ونثر دمه بألوان الحرية والواجب والنظام والقوة سيبقى وسامًا على صدر الوطن ونجمًا يتلألأ مع بقية الشهداء في سماء الأمّة ومشعلًا وضاءً لتاريخ تسطع صفحاته بأسماء خالدة أمثال الشهيدة سناء محيدلي ووجدي الصايغ وكوكبة كبيرة من الشهداء.
عضو المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين الدكتور وسام قانصوه