عامةُ اللبنانيين، من سياسيين وإعلاميين وحتى بعض رجال الفكر، يعتقدون أنه بمجيء هذا الشخص أو ذاك رئيساً للجمهورية سوف تنتهي كل مشاكل البلد، ويعم الأمان والازدهار، وهذا تفكير في غاية السذاجة،وفي الساعات الأخيرة من عمر الفترة الرئاسية للعماد ميشال عون، تجد كثر يطبلون ويزمرون ويهللون بنهاية “العهد المشؤوم”- كما لقنتهن الماكينات الإعلامية، معتقدين أنه مع نهاية هذا العهد سوف تنتهي كل مشاكل البلد، ونتخلص من الحالة الاقتصادية الصعبة، وتصبح الكهرباء والمياه 24/24، ويتحسن الوضع المعيشي وتنتهي المشاكل المالية وتعم البحبوحة، ولا شك أن هكذا تفكير وهو سائد بقوة، هو تفكير سطحي وحاقد على حالة محددة وغباء ما بعده غباء، لأن المشكلة في لبنان ليست مشكلة شخص أو حزب او مجموعة، المشكلة هي مشكلة نظام صُمم وصِيغ كي يبقى لبنان على تعقيداته، فهذا النظام الطائفي الذي تم التوافق على إستمراره في الطائف، هو نظام غير قابل لا للحياة ولا للتطور ولا للتقدم، وحتى هو عصيّ على أي تغيير، والحل الوحيد هو جرف هذا النظام برمته وحرقه بعيداً عن كوكب الأرض، كي لا يلحقنا التلوث المنبعث منه.
وبالرغم من أنه قد يكون صحيحاً ما تشّيعه الماكينات الاعلامية المعادية للرئيس عون وتياره، بأنهم شاركوا المتزعمين الآخرين في إقتسام جبنة السلطة على مدى عدة سنوات، ولكن الحقيقة هي أن المشكلة في لبنانليست مشكلة سرقة وفساد، وليست أيضاً المشكلة في ميشال عون وتياره وسياسته، إنما المشكلة هي قبل ميشال عون وتياره وستبقى بعد ميشال عون وتياره، طالما بقي هذا النظام قائماً.
أما لماذا حدثت كل هذه النكبات خلال رئاسة العماد ميشال عون، فبرأينا الأسباب واضحة ولا لبس فيها، فإذا عدنا إلى الفترة الرئاسية التي كان فيها العماد اميل لحود نرى أنه حدث ما يشبه ما يحدث الآن، حيث شُنت عليه حرب كونية بأدوات داخلية والسبب فقط لأنه متحالف مع المقاومة، وهذا ما لم يحصل في عهد الرئيس ميشال سليمان، وما الأحداث والانهيار المالي – الاقتصادي الذي حدث في عهد الرئيس عون إلا لسبب واحد أحد وهو تحالفه أيضاً مع المقاومة وعلاقته الايجابية مع النظام الشامي، فهذا هو لب المسألة وبقية التفاصيل ليست إلّا وليدة النظام الطائفي القائم، وبرأينا الحل الوحيد الذي ينقلنا من هذا الوضع هو نظام نقيض النظام القائم، نظام معادٍ للطائفية والطائفيين نظام علماني بالمطلق، ليست فيه أية حصة لا للطائفة ولا للإقطاع، نظام قائم على العدالة الاجتماعية، لأن هذا الكيان مُذ أُنشيء كان فيه خلل “جيني”، لذا يجب معالجة موضوع إستقلال لبنان من أساسه قبل أي شيء آخر.
إذا ألقينا نظرة على منشأ هذا الإستقلال، وجدنا أن الباعث على طلبه هو حصول إقتناع قديم أن لا حل “لقضية المسيحيين” المقيمين فيه إلا بالإنفصال عن الأكثرية المحمدية، وجعل لبنان دولة مسيحية مستقلة”، ولما كان تجمع ” المسيحيين” في جبال لبنان وكانت هذه المنطقة لا تكفي لإنشاء دولة صغيرة، ولما كانت إرادة الاحتلال الفرنسي قد اتجهت نحو الإستفادة من الطوائف والحزبيات الدينية في البلاد لتجزئتها، درست مسألة إنشاء دولة لبنانية تستند إلى إقتناع المسيحيين ورغبتهم، وإلى إرادة الدولة المحتلة، فأعلن الجنرال غورو، قائد الجيش الفرنسي المحتل عام 1920،دولة لبنان الكبير، لذا وإنطلاقاً من هذه الخلفية السيئة نشأ هذا ” اللبنان”،وعاد وحُقن بنفس السم عام 1990 ليستمر بالرغم من الإعاقات الجنية، وإنطلاقاً من هذه الحقائق لا يمكن تحميل شخص أو طرف بعينه مسؤولية الوضع القائم، كما لا يمكن الركون إلى شخص أو جهة بذاتها للتخلص من الإعاقات الجينية للنظام اللبناني، إنما المطلوب قبل شخص الرئيس، شكل النظام الذي يمكن أن يحيا ويستمر وينهض.
برأينا أن النظام الذي هو الحل الوحيد لكل معاناة اللبنانيين، وحتى معاناة كل الكيانات السورية هو النهضة القومية الإجتماعية، التي تريدتأمين الكيان اللبناني وتثبيته، بإعتباره نطاقاً قومياً يضمن الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الصراع العقائدي، وتوليد إرادة عامة في لبنان وخارجه تجعل للتأمين المتقدم قيمته الفعلية، وتحقيق الإصلاح السياسي بفصل الدين عن الدولة، وإيجاد ترابط قومي سياسي وتكامل اقتصادي وثيق بين الكيان اللبناني وبقية الكيانات السورية، ودون ذلك فالج لا تعالج، وليس مهماً من سيأتي رئيساً بعد عون، لأن الوضع سيبقى طالما بقي هذا النظام الطائفي ولم يلفظ أنفاسه الاخيرة.
نصير الرماح
2022/10/30