تتسارع الدول ومندوبيها من أجل التوصل إلى حلول في المعركة القائمة منذ أكثر من أربعة أشهر، لتتحول إلى أطول معركة مستمرة مع هذا الكيان، على نفس الوتيرة من الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين.وبعدما استطاعت المعركة في أبرز إنجازاتها الاستراتيجية أن تعيد البحث بمشروع اليوم التالي للفلسطينيين، كما بالمصير، في معركة وجودية بامتياز، استطاعت أن تتحول إلى معركة قومية. الاهتمام يجمع غزة والضفة في فلسطين وجنوب لبنان وهاجس الترانسفير المطروح إلى مصر، وأيضاً إلى الأردن وكذلك لبنان، محركة الجبهات من الجولان والعراق، وفي مساندة مجلية من اليمن المقدام.ما يعزز تقديرنا لهذه المقاومة التي تسطر البطولات اليوم، دون خيار الاستسلام قول سعادة، “ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون”.وما انتجته القوانين الدولية واتفاقاتها الاستسلامية للفلسطينيين المسلوبي الحقوق منذ عقود طويلة، إلا تلاعباً للأمم بهذه الحقوق وصولاً إلى وقوف المقاومة الفلسطينية اليوم ضد كل مشاريع الاستسلام والتنازل، ورفض التسويات على حساب الحقوق.وها هم أبناء الأرض يصنعون البطولات المجيدة ويعيدون للقوة القرار الفصل، رغم عظمة التضحيات، أمام عدو يستمر بالتدمير المنظم والإبادة الشاملة التي يواصل ارتكابها تحت عنوان ردة الفعل التي أتاحها له انصياع دول العالم إلى سردية، يتقن العدو دوماً تلقينها للغرب، أسوة بسرديته الحقوقية المزيفة السابقة بالأرض.هذا العالم عينه بات اليوم غير قادر على ردعه، وسط استنكار هائل من الرأي العام العالمي، الذي انكشفت أمامه جرائم هذا العدو الوجودي، وها هي أنفاس العالم تكاد تنقطع في حالة الترقب عما ستفعله هذه الدولة المجرمة بمدينة رفح المكتظة من إبادة تضاف لارتكاباتها في كل القطاع.لا تنفصل بطولات غزة، عن صمود الجنوبيين وانتصارهم في إشغال العدو عن صب كل جهوده في قتل الفلسطينيين بل وتدمير مواقعه المواجهة للجنوب، وفي إرباكه اجتماعياً واقتصادياً، عندما استطاعت أن تحتل الجليل وتفرغه في مستوطنيه، دون أن تدخله، دون أن نغفل الثمن الغالي الذي تدفعه المقاومة من الشباب ذوي الإمكانات العلمية والأكاديمية، ولحزبنا دوره. وها هي شهادة المهندس وسام محمد سليم، ونضال رفقائه في الجبهة مستمر ومميز.وبينما يحاول الوسطاء الدوليين، وتحت عنوان تنفيذ القرار الدولي 1701، السعي للتوصل إلى حل يخفف عن كيان العدو، متاعبه المترتبة عليه في شمال كيانه، وتجهد المقاومة لعدم استغلال العدو وداعميه الأمر لإخضاع لبنان لموجبات تتخطى هذا القرار الأممي، الذي لطالما حرص على تنفيذ مندرجاته لبنان، بينما لم تلتزم به دولة العدو، من خلال انتهاكات طيرانه خاصة وغير ذلك من خلال التعديات على الجنوبيين وأراضيهم الزراعية في قرى المواجهة ومحاولات التلاعب يومياً بالخط الأزرق الوهمي الذي لا يزال موقع جدل إلى الآن.إن تكامل هاتين الجبهتين، ورغم ضراوة ووحشية العدو، أسقطت كل عناوين التفوق للعدو بالرغم الدعم الدولي المتوحش، الذي كافئ العدو المدان من المحكمة الجنائية الدولية، بتجويع الفلسطينيين، والضغط أكثر لانتزاع حلول تسووية، من خلال وقف تمويل منظمة الأونروا، المؤسسة منذ عام 1948 للفلسطينيين المشردين في المخيمات، في غزة ودول الطوق، ولتعنى بإطعام وطبابة وتعليم الفلسطينيين. وهذا أبسط الأثمان، وليس منة من أحد، لأنه جاء بعد سلبهم أراضيهم وارزاقهم التي إذا عادت لن يكونوا بحاجة لهذه العطاءات.إن سياق حرب الوجود هذه يؤكد طابعها القومي التحريري، لذا فإن سبل الانتصار تستدعي تخطي التجزئة الاجتماعية القائمة لتشمل كل أبناء الوطن على اختلاف طوائفهم ونزعاتهم العنصرية الوهمية أو الحقيقية، رغم محاولات بعض رجال الدين التخفيف من تداعياتها واعتبارها تخص كياناً دون الآخر، أو طائفة دون الأخرى.ويأتي عيد شفيع الطائفة المارونية في توقيته ربما للتذكير بأن الموارنة هو سريان سوريين، ويقول عنهم سعادة، “أنهم يحملون تراثاً سورياً، وتاريخ طائفتهم مندمج في تاريخ سورية كلها، ومنهم ننتظر المساهمة في حفظ هذا التراث.ويضيف وكأنه يقرأ الواقع اليوم “كل فكرة تقصد عزلهم عن مجرى هذا التاريخ، هي فكرة مقوضة لأساسهم ومعطلة لمستقبلهم”.ما يرسم لبلادنا هو خطير ولا خيار أمامنا إلا بتوحيد مشاريع المواجهة، دون أي ارتهان للأمم التي ثبت يقيناً أن ما يعنيها هو مصالحها الخاصة، لا مصالح أو حقوق الشعوب.