في الوقت الذي لم أجهد لأجد عشرات الدراسات حول مدرحية سعاده، فإنني عجزت أن أجد بعض صفحات لأبحاث تناولت مفهوم المادة أو مفهوم الروح عند سعادة. وهذا ما يجعلني أتساءل كيف يمكن شرح مدرحية سعاده دون ضبط موضوع المادة والروح؟ ماذا عنى بها سعادة؟ وما هي الآراء التي قدمها؟ وما هي الإضافات الفلسفية التي قدمها؟ واليوم ما هي المراجعة المطلوبة على ضوء النتائج المذهلة للعلوم خاصة الفيزياء والفلك ولا سيما في التعاطي مع الكون والمادة والطاقة والجاذبية وآخر نظرياتها؟ وهذا يؤكد الحاجة الماسة الى أبحاث تأسيسية تساعد على استكمال الصورة الكاملة للمدرحية أو بالحد الأدنى ملامحها العامة في عالم قفز من ثلاثة أبعاد إلى عشر أبعاد في أقل من قرن زمني.
أولى هذه الأبحاث هي حول مفهوم الروح لدى سعادة. وهذا يستدعي: أولا، العودة إلى النصوص واستخراج مفردة مدرحية أو روحية، وتصنيفها، وتحليلها، والخروج بخلاصة أو خلاصات. لدى سعادة، وضرورة توثيق النصوص وتحليلها وهذه تحتاج سلسلة أبحاثا مفتوحة ولا سيما من أصحاب الاختصاص. سأبدأ هنا المقاربة الأولى: مفهوم الروح لدى سعاده.
المسألة الأولى تقتضي التمييز لدى سعاده بين الروح كاسم والروح كصفة والروحية والروحانية،
في متابعة الروح كاسم يستخدم سعاده ما يلي : روح التجدد، روح الأمة، روح النظام، رح النهضة، روح الشعر العربي، روح التجديد، الجسد والروح، روح الاستياء، روح الشرق، روح الشعب، روح الحزب،عالم الروح، ومصدر الروح، ومآل الروح، وعقاب الروح، و”مقالة اخبارية مقتضبة جامدة لا روح فيها”وغيرها .
أما الأماكن التي وردت فيها صفة فانه يستخدم المؤهلات الروحية، الرابطة الروحية، البناء الروحي (الأمة أساس مادي يقوم عليه بناء روحي)، مبدأ روحي، (الأمة مبدأ روحي ( القومية هي الروحية الواحدة، حياتها الروحية (الأمة). تركيبها المادي وحياتها الروحية، السلطة الروحية، الاستقلال الروحي، النفوذ الروحي، المناحي الروحية، جمود حياة البيئة ماديا وروحيا، تحمل النفس على تأملات فكرية وثورات روحية، قوى روحية في هذه الحركة، مجتمعنا كله وقضاياه المادية _الروحية، التجدد الروحي، الحافز الروحي، النتائج الروحية، الثورة الروحية، الحيز الروحي، النتائج الروحية، الفلسفات الروحية. التفسخ الروحي الصراع الفكري والفناء الروحي روحية الشرق، ثقافته المادية والروحية، الحالة الاجتماعية الاقتصادية الروحية، العواطف الروحية، الاستقلال الروحي للامة، الوحدة الروحية للامة، وغيرها.
ويستخدم روحانية في الاشارة الى الروح بالمعنى الديني او اللاهوتي او الغيبي. والواقع أن الأصح نسبة روحاني إلى كل ما يتعلق بالروح بالمعنى الديني والفردي والغيبي والإلهي وعالم الأرواح وخلاص الروح وعقاب الأرواح وثوابها، وهذه مسألة يمكن استخدام روحاني بدقة بدل من روحي ومنع حصول الخلط، وسعاده عندما استخدمها بهذا المعنى الصفة ألحقها بروحاني. وهذه مسألة مهمة جدا يجدر الانتباه إليها. خاصة في كلامه عن خلود الروح وقضايا الآخرة …
والواجب قوله أن فقر اللغة العربية بالمدلولات المختلفة هي معضلة لا يتحملها سعاده .
فإدا عدنا إلى اللغة الإنكليزية وجدنا soul وsprit واللغة الفرنسية وجدنا ame وespritوهذا يمنح اللغة هامشًا أكبر فيكون المقصود بمفردته مدارس الشرح والتحليل مما يتيح للذهن الفصل.
وما أريد قوله إن الروح بالمعنى الذي استخدمه سعاده بغير بمنعاها الغيبي، كانت مستخدمة قبل سعاده بزمن طويل. وسأعرض بعضا منها المفردة وصلت لسعاده جاهزة
المصطلحات هي مصطلح geist الألمانية وتعني الروح ومنها اشتق : Volksgeist روح الشعب Weltgeist روح العالم Zeitgeist روح العصر Geist der Zeiten روح الزمن Weltgeistروح العالم Nationalgeist روح الأمة استخدمه Moser عام 1760Völkerpsychologie, نفسية الامة، و مونتسكيو صاحب كتاب لروح الامة عام 1748و كتابه الشهير روح القوانين.كتاب فولتير مثلاEssai sur les mœurs et l’esprit des nations طبع عام 1756
روح الشرائعThe Spirit Of .ولا ننسى جوزيبي مازيني ( 1805- 1872) وطني إيطالي وفيلسوف وسياسي إيطالي لقب بـ روح إيطاليا أسهمت جهوده وحراكه السياسي في قيام الدولة الإيطالية الحديثة.
وأشهر الفلاسفة الذين صاغوا نظريات متماسكة للروح هو هيغل حيث في فلسفة الروح عند هيجل – تشمل ثلاث مراحل أساسية : الروح الذاتي الروح الموضوعي، الروح المطلق، والروح المطلق هو اتحاد الروح الذاتي والروح الموضوعي. و الروح تدرك أن الفلسفة هي آخر مراحلها، أي الحقيقة الواقعية كلها.
أورد هذه الاستشهادات لأقول أن سعاده استخدم الروح في سياق روح الجماعة المقصود بها الأمة أو الشعب. كان النقاش موسعا حول اكتساب الفرد لهذا الروح كان علينا أن ننتظر حتى القرن التاسع عشر لنرى إعادة صياغة هذا المفهوم في ألمانيا الحالية قبل اتحاد الأمة. تم تطويره من قبل عدد من المثقفين القوميين الألمان بما في ذلك الفقيه فريدريش كارل فون سافيني والفيلسوف يوهان جوتليب فيشته. وهم يجادلون بأن الشعب الألماني مسكون دون وعي بغريزة طبيعية وشعبية: روح الشعب. الأفراد لديهم ذلك أم لا؟ نحن لا نختار ذلك. مؤلفو هذا المفهوم الثقافي الحيوي (حقيقة ثقافية تنبع من حقيقة بيولوجية) لا يتفقون على طريقة اكتساب Volksgeist البعض يراها من خلال الدَّم؛ الآخرين من خلال ممارسة اللغة الألمانية؛ وهناك آخرون حسب تربة الميلاد أو الإقامة. في هذا المناخ الفكري تكلم سعادة عن ذات الامة وخصائصها النفسية كما انه لم يتخذ موقفا من كل القضايا ألروحانية. وقال معرفا الدين. “الدين من الوجهة العقلية نوع من أنواع الفلسفة في تعليل مظاهر الكون وتقدير نهايته ومصير النفس البشرية” باعتبار أنها تخص الأفراد وشرط أن لا تؤثر سلبا لها على حياة المجتمع .
من هنا إن مقاربة سعادة للشأن الروحي كمدخل للمدرحية يجب ضبطه من خلال نصوصه و تحليلاته و حدود ما قاله. أما ما يبنى على ما قاله فيبقى جهدا إضافيًا قد ي ينجح وقد يفشل ، انها تبقى إسهامات من تلامذة سعادة، قد توضح كثيرًا من النواقص لكن يجب الانتباه إلى ما تقدمه من حجج وما مدى رجاحة هذه الحجج .
في نصوص سعاده نسجل المجالات الأساسية التالية :
*البناء الروحي للأمة :
“وأما البناء الروحي فهو، على أنه غير منفصل عن الأساس الـمادي، نتيجة تفاعل عقول أبناء الأمة الواحدة وتـمكنهم من إظهار رابطة عقلية تربطهم في الشرائع والقوانيـن والتقاليد الاجتماعية واللغة والأدب والتربية. فالشرائع والقوانيـن توجد رابطة النظام السياسي والشرعي التي تنظم العمل الاجتماعي وتـمثّل مجموعة عامة من الأفكار الـمقررة الوحدة الاجتماعية. والتقاليد الاجتماعية مظهر هذه الوحدة. واللغة أو بالـحريّ الأدب الـمكتوب، يُظهر لنا مقدار شعور الأمة بالـجمال واقترابها من الـحقيقة وهو، في نفس الوقت، يؤثّر على الأمة ويساعد على تنمية الاستعداد الفطري وتكوين الـخلق القومي. والتربية نظام عام يـمرِّن عقول أعضاء الأمة الواحدة ويوحدها والغرض منها ألا تقتصر على تغذية الذكاء بـمقدار كافٍ من الأفكار، بل أن تـحضّ الأخلاق على طلب مثل عليا مشتركة. إذاً فالشرائع والقوانيـن والتقاليد الاجتماعية واللغة والأدب والتربية هي البناء الروحـي الـذي تشيّـده الأمـة على الأسـاس الـمادي الـمؤلف من بعض العنـاصـر البشريـة والإقليم ومزاياه. وإننا لنكتفي بـما تقدم تـمهيداً لبحثنا في علاقة كل قسم من الأقسام الـمتقدمة بـمعنى الأمة. صفة الامة، صفتها التي هي نتيجة تفاعل مادية الأمة وروحتيها.” (سعاده نشوء الأمم ).
و قد وقع الالمان في مأزق في تفسير المصدر او السبب المكون لوحدة هذه الروح و نتيجة الاساس الرقي ،اذا بسعاده يحسمها كاملة البناء الروحي هو الشرائع والقوانيـن والتقاليد الاجتماعية واللغة والأدب والتربية . ان البناء الروحي هو المكون منه وعليه عندما يتكلم سعاده عن وحدة الروح تني وحدة الشرائع ووحدة. هذه النقطة الحاسمة في النقاش بين القومية الاجتماعية بين البناء الفوقي والبناء التحتي الذي اختلفت فيه القومية الاجتماعية عن الماركسية .
هذا الشأن تطور كثيرا و قطع علم النفس الاجتماعي أشواطا كثيرة في هذا الشأن، من المفيد على البحاثة متابعة أين وصل في هذا المجال .
لعل من أشهر الذين كتبوا في هذا الشأن غوستاف لوبون (: Gustave Le Bon) وهو طبيب ومؤرخ فرنسي. هو صاحب كتاب روح السياسة وروح الشعوب وسيكولوجية الجماهير. يرى غوستاف لوبون، من أهم ما يميز الجماعات هو هذه (الروح العامة) التي تجعل سلوك الأفراد يسير وفقها حتى ولو كان تصرف كل واحد منهم خارج الجماعة مناقض لسلوكه داخلها، ذلك بأن من الأفكار والمشاعر ما لا يتولد أو يتحول من عالم القوة إلى عالم الفعل إلا عند الفرد في الجماعة ، من خلال الاجتماع المقصود المنظم تتولد صفات جديدة تختلف عن صفات كل فرد في المجموع وذلك سر قوة الجماعات وتأثيرها، وذلك من خلال ما سماه لوبون: (اختفاء الذات الشاعرة) و(واتجاه المشاعر والأفكار نحو غرض واحد)، وهما الصفتان الأوليان للجماعة إبان انتظامها، ولا يتحقق هذا التحول السلوكي من خلال التجمع العرضي الذي ليست له غاية واحدة. إن أهم ما يميز الجماعات هو هذه (الروح العامة) التي تجعل سلوك الأفراد يسير وفقها حتى ولو كان تصرف كل واحد منهم خارج الجماعة مناقض لسلوكه داخلها، ذلك بأن من الأفكار والمشاعر ما لا يتولد أو يتحول من العالم القوة إلى عالم الفعل إلا عند الفرد في الجماعة.”
وفي المبدأ الأساسي السابع في 22 شباط 1948،يورد ساده :” تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.”
اذا سعاده واضح في تحديد البناء الروحي وعناصره وتشكله ودور التفاعل وعناصر التفاعل في تشكل ميزته وهويته. والأهمية هي للتفاعل في هذه العملية .
عقيدة تفسير التطور الإنساني بالمبدأ الروحي: في رسالته المؤرخة في 10/1/1947 يقول سعاده:” داعية الأمم إلى ترك عقيدة تفسير التطور الإنساني بالمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره، من الجهة الأخرى، بالمبدأ المادي وحده، والاقلاع عن اعتبار العالم ضرورة، عالم حرب مُهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية، وإلى التسليم معنا بأن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي – مادي (مدرحي) وأنّ الإنسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه.” هنا ينفتح باب النقاش حول النظريات التي فسرت تطور التاريخ البشري؟ وكيف انقسمت بعد سبع عقود؟ وما كان مأزقها؟ وكيف يمكن للعقيدة القومية الاجتماعية أن تحقق هذا الدمج؟ وهذا كلام عمره أكثر من سبعة عقود، مع الإشارة إلى أن الفلسفات المادية التي تنكبت لتفسير تطور التاريخ بالمبدأ المادي واعتبار أن الروحي هو من البنية التحتية أو التيار الروحي الذي اعتبر المادة تصور فكري بحت او أنكر وجود المادة أين
أصبحت الفلسفة اليوم؟ وما هو تعريف المادة اليوم؟ وكيف تطور تصور الوعي نفسه؟ وكيف اقترب العلم اليوم من تفسير الوعي بالمقاربة معلوماتية؟ فأصبحت المادة وعيا تحمل شروط الوي نفسه ونظامه؟ هذا كله يتطلب جهودا لإعادة سعاده إلى سكة المعرفة، وتحليل راهنيه تحليله، وخلاصاته على ضوء آخر ما توصلت اليه العلوم اليوم.
مدرحية الحياة: إن أساس الحياة واحد على المبدأ المادي الروحي للحياة. يؤكد سعاده: “إننا نقول بأن التاريخ والحياة يفسران تفسيرًا صحيحًا بمبدأ جامـع. بفلسفة جديدة تقول إنّ المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم”. وهذا باب آخر يحتاج شرحا وتحليلا ووضعه في سياق إشكاليات النظريات التي تعاطت في تفسير الحياة وكيف أو أين أخفقت؟
مدرحية التاريخ
إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية لم تأتِ سورية فقط بالمبادئ المحيية، بل أتت العالم بالقاعدة التي يمكن عليها استمرار العمران وارتقاء الثقافة. إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية ترفض الإقرار باتّخاذ قاعدة الصراع بين المبدأ المادّي والمبدأ الروحي أساسًا للحياة والأعمال الإنسانية ولا تقف الحركة السورية القومية الاجتماعية عند هذا الحدّ بل هي تعلن للعالم مبدأ الأساس المادّي- الروحي للحياة الإنسانية ووجوب تحويل الصراع المميت إلى تفاعل متجانس يحيي ويعمّر ويرفع الثقافة ويسيّر الحياة نحو أرفع مستوى. إنّ في المبدأ السوري القومي الاجتماعي إنقاذًا لا يقتصر على سورية بل يتناول وضعية المجتمع الإنساني كلّه، ونهضتنا لا تعبّر عن حاجاتنا نحن فقط بل عن حاجات إنسانية عامّة” 1 آذار 1940:
قضايا الحياة الروحية :
يقول سعادة:” المتناولة قضايا الحياة الروحية والمادية تجد أصوله في نفسية الشعب السوري وفي تراثه الفكري-الثقافي الحضاري منذ بداياته الأولى ابتداء من الأساطير العميقة “الراقية ذات الصبغة الفلسفية المتناولة قضايا الحياة الروحية والمادية. إن في أنفسنا فكرًا عاطفيًا وفهمًا عاطفيًا يتناولان التأملات العميقة في الحياة والرغبة الشديدة في تحسينها من وجوه متعددة: اجتماعي، قومي، روحي، إنساني، ويدفعاننا نحو مطلب أعلى يليق بوجودنا “” ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها.. هل هي إشارة إلى الفلسفات الروحية والأديان وكل التيارات التي أهملت الوجود المادي وجعلته في خدمة الغاية الروحية؟ أيضا هذا يحتاج إلى بحث وجهد حتى لا نقع في سرعة الإسقاطات. منذ بدء القرن العشرين وما حمل معه من صراعات وتغيرات، أخذت تتبلور عدد من الاتجاهات الفلسفية المعاصرة في فلسفة التاريخ. أهمها: -1-الاتجاه المادي الماركسي.2-الاتجاه الحيوي النتيشوي.3-الاتجاه الوضعي.4-الاتجاه المثالي التأملي.5-الاتجاه البرجماتي. ومن المعروف ان معظم هذه الاتجاهات تمتد بجذورها المعرفية والمنهجية إلى القرن التاسع عشر إلى هيجل وماركس وكونت ونيتشه، ورغم اختلاف الدراسين بشأن بدء الفلسفة المعاصرة (.
ان مناقشة هذه التصورات وتبيان مآزقها واستنباط أو صياغة نظرة سعاده الى التاريخ وفيه كثير من الشواهد التي يتعرض فيها للتاريخ ، هي مسألة أساسية لم يتم القيام بها .
لا يمكن لهذه المقالة القصيرة أن تفي بالموضوع ، هي تحتاج أبحاثا مطولة لكنها بالحد الأدنى تضع الإطار المنهجي لمقاربة الموضوع في سياقه التاريخي والمصطلحات وتاريخه النقدي للفكر السياسي وأين أصبحنا اليوم لنعيد قراءة واقعنا على أساس مدرحي، وتقديم اسهامات فكرية كان سعاده حريصا دائما على الأهمية الدور التاريخي لسوريا في اسهاماتها هذا الشأن.
إذا إن العلوم ولا سيما علوم الكونيات Cosmology والفيزياء الحديثة أثارت نقاشا هائلا وخاصة مع تعريف المادة، فتحول التعريف مرارا بعد سعادة، واجتازت العلوم مسافات هائلة، فخواص المادة المعروفة اختلت وتطورت والمادة تقابلها المادة المقابلة والمادة المظلمة، وحدود الفصل بين المادة والطاقة أصبح صعبا. إن كل مفاهيم الوعي والمادة والزمان والطاقة والكون قد قطعت شوطا كبيرًا لا بد من الاطلاع على آخر خلاصاتها. إذا، أنا أعتقد أن مقاربة الوجود للحقيقة من زاوية الثنائية المادة والروح قد أصبح بحاجة إلى إعادة نظم كبيرة.
كما ان علاقة الوعي بالمادة: إن المسألة الأساسية في الفلسفة والمتعلقة بالمادة، باعتبارها وجوداً مادياً مستقلاً، من جهة، وبالوعي (العقل أو الإدراك أو الفكر) باعتباره وجوداً غير مادي، من جهة أخرى، هي: أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ أيهما المعطى الأولي وأيهما المعطى الثانوي؟ أيهما الوالد وأيهما المولود؟ أيهما السبب وأيهما النتيجة؟
ان منظومة الوعي أو الفكر أو العقل أو الطاقة في تشكل جديد، كما أن ثنائية المادة والروح، والمكان والزمان /والمادة والوعي أصبحت بحاجة لإعادة نظر.
لقد تجاوز العلم الفلسفة مدة زمنية طويلة التي كفلت شرح الوجود والحياة وحقيقتهم وغيرها أمأ الآن فان العلوم هي التي تتجه بسرعة هائلة نحن الحقائق و معالجة أسئلة ،لا يتنكب العلم طرحها .وجود معنى الانسان وغاية وجوده وغيرها، تبقى رهنا للفلسفة . ان العلاقة بين العلم والفلسفة قد تغيرت كثيرا.
بالخلاصة، يقول العلم : يعتقد العلماء بوجود أبعادٍ أخرى خلف تلك الأبعاد، وفي الواقع، تقترح نظرية الأوتار الفائقة Superstring Theory أن الكون يقع بداخل عشرة أبعادٍ مختلفةٍ، وأن تلك الأوجه المختلفة هي التي تحكم الكون والقوى الأساسية للطبيعة والجسيمات الأساسية بداخلها. ومع كل ذلك، يبقى ’ أن آخر ما توصلت اليه العلوم مازالت عاجزة أن تتكلم عن الكون كحقيقة، فيقول العلماء إن هذا الكون الذي نتكلم عنه هو الكون المرصود. أما هو خارج الرصد فلا نعرف عنه شيئا وهي خلاصة: “كلما وصلنا الى قمة تراءت لنا قمم”. وللحديث تتمة .