طوفان الأقصى والمعادلات الجديدة

على مدى 35 يوم تستمر المعركة البرية المتمثلة بالتوغل الإسرائيلي داخل قطاع غزة ولم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق انجاز ولو تكتيكي يمكن ان يقدمه للعالم وللداخل الإسرائيلي ليتمكن من خلاله تخفيف زخم الهجوم الذي يكلّفه كل يوم خسائر كبيرة في الجوانب العسكرية والإقتصادية والنفسية .

  1. تكتيكياً  :

 فرضت المقاومة على الجيش الاسرائيلي منذ انتهاء الهدنة التخطيط والعمل يوماً بيوم وفق خطط تتغير حسب نتائج الميدان، ما يعني أن قتال المقاومة هو الذي بات يحدد مناورات الجيش الإسرائيلي النارية والهجومية وليس خططه، وهذا إن دل على شيء فإنه دليل على الضعف الكبير في المعطيات الاستخبارية الميدانية لدى العدو ويدل أيضاً أن العدو يقاتل تكتيكياً وتعبوياً (بالحد الأدنى) وليس استراتيجيا.

باتت المقاومة تتمتع بميزة الاستشراف حيث تسبق مناوراتها مناورات الجيش الإسرائيلي ولا تسمح له باستدراجها وكشف هياكلها المقاومة. فعلى مدى يام الأيام الخمسة الماضية، قاتل الجيش الاسرائيلي في عدد من المحاور الحساسة في الجبهة الجنوبية قتال تعرض واختبار وكشف لاستعدادات المقاومة، إلا أن المقاومة لم تستدرج إلى حيث يريدها العدو ولم تتأثر بإغرائه وكانت تتحرك وفق مفهومها ومعرفتها بالميدان وخطوط القتال الأساسي والثانوي فيه ما سمح لها بالاقتصاد بقوتها بشكل كبير و عدم المغامرة بكشف استعداداتها.

حال الميدان هو الذي يراكم الإنجاز وتحديداً الإنجاز الإستراتيجي وهو ما يستدعي منا توصيفاً دقيقاً يمكن ترتيبه على الشكل التالي :

  • استراتيجياً :

إنها الطوفان الذي جرف كل ما سبق من معادلات انها تطور وتحوُّل نقل معادلات الصراع وليس سينقل  من معادلات الردع الى ارهاصات معادلات النصر  .

             وعليه فان أي مقاربة يجب ان تحصل مما يلي الطوفان وليس ما سبق .

هذه العملية ثبّتت ان هذا الكيان اللقيط هو عصابة وليس دولة بين مزدوجين ، فكل ما يفعله وفعله هذا الكيان في غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية هي أفعال عصابة لا أفعال دولة .

هذه العملية حقّقت انهداماً كبيراً في احدى دعامتي الكيان وهي الجيش الذي اعتبره بن غوريون انه هو نفسه المجتمع الذي وصفه بمجتمع المحاربين .

العملية  منذ ساعاتها الأولى جعلت الدعامة الثانية ( اميركا وكل منظومة الغرب الجماعي ) تهرول بتسارع وبحشد غير مسبوق للأساطيل لنجدة المساطيل وحمايتهم من السقوط.

عملية طوفان الأقصى اضافت الى ما سبقها من جولات قتال في فلسطين ولبنان إضافة كبيرة على طريق انكسار  هذا الكيان ، فالكيان قاب قوسين من الزوال بوعد الهي لا ريب فيه وبمؤشرات وعوامل استراتيجية تصدق وعد الله .

هما عاملين أساسيين ومؤشرين واضحين وضوح الشمس يشكلان أسس المرحلة الحالية والآتي من الأيام .

  • اولاً : فقد الكيان لوظيفته التي أُنشيء لأجلها

وهو الأمر الذي بات واضحاً لا لبس فيه ، فبعد العام 2000 ومنذ خروج الجيش الإسرائيلي مهزوماً من لبنان لم يربح الكيان أي معركة وتراجع الى الداخل لتتحول مهمته من ردع المحيط الى الدفاع عن جبهته الداخلية .

  • ثانياً : الهجرة العكسية المتسارعة الى خارج فلسطين

وبسبب تحول الكيان الى جغرافيا محاصرة بالنار من كل الإتجاهات تنامت الهجرة المعاكسة التي كانت بدايتها بعد مواجهة تموز 2006 وانا هنا أسميها بمواجهة تموز وليس عدوان تموز لأننا حينها لم نكن نتلقى الضربات دون ان نستطيع ردها رغم ان الرد كان نسبياً لا متماثلاً ولكنه أتى بمردود ايجابي كبير جعل من مجتمع المقاومة كتلة اكثر تماسكاً واكثر ثقة بقيادة المقاومة وقدراتها مقابل هزيمة محققة وفشل ذريع لقيادة الكيان الصهيوني .

استناداً الى مركز الإحصاء الإسرائيلي هاجر منذ العام 2007 حتى نهاية العام 2019 مليون ومائة الف صهيوني لشعورهم بأن ارض الميعاد وارض السلام والرفاهية والآمان باتت من الماضي

على مدى 23 سنة منذ خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان، تراكم المقاومات قوتها وتضيف كل يوم إلى تجاربها. والأهم هو تحوُّل الكيان إلى جغرافيا محاصرة بحزام من النار من كل الاتجاهات وهو ما سيُسقط أصل الفكرة التي قام عليها وهي الهجرة إلى فلسطين. فالأرض “الموعودة” لم تعد بنظر الكثيرين من المستوطنين أرض الميعاد ولا أرض السلام ولا أرض الرفاهية، فلماذا يستمرون بالعيش فيها؟

بالتأكيد أن ما يحصل هذه الأيام هو معركة ما قبل زوال الكيان، علمًا أن ساعة المواجهة الشاملة لم تدقّ بعد، وإن تعجّل الصهاينة في حصولها فلكل حادث حديث .

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية