يلعب الإعلام دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام، ويستطيع أن يأخذ الناس إلى المكان الذي يريده المشرفون عليه، وتختلف مساحة الحرية التي يستطيع أن يتمتع بها بين دولة وأخرى، وفي كيان العدو يقوم الإعلام بعملية بناء الروح الجماعية وتوجيه التصورات والرؤى والمواقف، ويتماهى بشكل كبير مع مواقف القيادات السياسية والأمنية والعسكرية، ويتبنى ما يصدر عنها ويعيد نشره بشكل شبه كامل من دون أي عملية نقد ومساءلة، ويتجند طوعياً للدفاع عن كل ما تقوم به “الدولة”، وفي المقابل يلعب هذا الإعلام نفسه أدواراً في الشؤون السياسية الداخلية، أدت عدة مرات إلى إسقاط حكومات، وبرزت تقارير صحفية عن حالات فساد في الإدارة، وقضايا أخرى.
وخلال الحروب التي يخوضها العدو، يبرز الإعلام كأداة طيعة بيد المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية “الإسرائيلية”، وما اعتماده بشكل كبير في نقل الأحداث والإخبار على الإعلام العسكري، إلا خير دليل على هذا الموضوع، وييم اعتماد آلية محددة في العمل الإعلامي خلال الحرب، وإذا أخذنا مثلاً المعركة الحالية (طوفان الأقصى)، نلاحظ أن قنوات التلفزة تعتمد على عدد من المقدمين، في الاستديو وفي مناطق أخرى، وتستعين هذه القنوات بمجموعة من المحللين العسكريين والسياسيين، بداية تعلن المذيعة (بعد سماح الرقابة بالنشر) أسماء قتلى الجيش الذين سقطوا، ثم تعلن عن مواقع صافرات الإنذار وعدد الصواريخ التي أُطلقت على الجبهتين الجنوبية والشمالية، وعن عمليات جيش العدو ضد المقاومة، يليها مؤتمر صحفي للناطق عسكري أو لمسؤول سياسي على الأغلب واحد من الثلاثي: بنيامين نتنياهو، يوآف غالانت أو بيني غانتس، ومع بداية عملية تبادل الأسرى مؤخراً، تغير تسلسل هذا البرنامج، لتأخذ عملية التبادل الحصة الأكبر، ويتم عرض مشاهد للأسرى بعد إطلاق سراحهم من قِبل المقاومة الفلسطينية.
يعمد الإعلام “الإسرائيلي” إلى عدم ذكر أي شيء عن غزة وشهدائها، لا بل يعمل على محاولة إظهار أهلها وكأنهم مجردون من القيم الإنسانية، وذلك بهدف تبرير استعمال العنف ضدهم، ووصل الموضوع إلى التجاهل التام، ما يتيح استخدام القوة والعنف دون أي مساءلة.
يظهر الإعلاميون “الإسرائيليون” بشكل مجرد من الإحتراف المهني، حيث يتبنون خطاب الناطق العسكري دون أي تشكيك مهني أو طرح أسئلة مهنية، إضافة إلى حجب المعلومات الحيوية عن جمهورهم، فلا يشاهد ما يتم عرضه للعالم عبر القنوات العالمية، ومنع وصول أي معلومات غير عسكرية، كاتخاذ الإعلام قراراً بعدم بث خطابات زعماء آخرين بحجة أنها بروباغندا، ويمتنع عن نشر فيديوهات المختطفين بحجة أنها جزء من حرب نفسية تشنّها حركة حماس، وهذا يشكل جزءًا من تشكيل الوعي العام، فيتحول الإعلاميون إلى ناطقين باسم الجيش، وهم يعلمون جيداً أن الجيش يميل إلى التضليل والكذب، إنّ التجاهل وإخفاء المعلومات المتعلقة بما يجري في غزة لهما آثار كبيرة على صفقات التبادل والمساعي الخاصة بأهالي الأسرى، وبينما يُثار الرأي العام في إسرائيل حول صفقات تبادل الأسرى ودور الجيش في إعادتهم، تعتمد وسائل الإعلام على ما يُقال من قبل الناطق باسم الجيش والمراسلين المرافقين له، دون التطرق إلى الكارثة الإنسانية التي تلوح في الأفق في القطاع.
ويلعب الكثير من الصحفيين والإعلاميين في كيان العدو، دور المحرض على شعبنا في فلسطين، وتحديداً في غزة، فيقومون و بشكل يومي، بعرض لعدد الشهداء والذين في غالبيتهم من الأطفال والنساء، تحت مسمى المخربين، ووصل الأمر بأحد المذيعين في القناة 14، بتهديد المواطنين في قطاع غزة ولبنان وإيران، بالقتل وعلى الهواء مباشرة، ولم يلقَ هذا التصرف أي اعتراض من قِبل أي مؤسسة إعلامية.
إنّ الإعلام “الإسرائيلي” وبسياسته هذه التي يعتمدها منذ عقود، يبرهن على أنه غير مهني، ولا محترف، وبطبيعة الحال لا ينقل الوقائع بمصداقية، ومن خلال تحريضه المستمر على شعبنا، فهو يُعتبر شريكاً أساسياً لجيش العدو، في العدوان والقتل والتهجير والتدمير الممنهج.