7 تشرين الاول حرب الساحة الواحدة

7 تشرين الاول حرب الساحة الواحدة

الصراع الدولي الدائر بين محور الولايات المتحدة الأميركيّة ومحور الصين واضح ولا يحتاج الى شروحات ولا دلالات، والصراع القائم ليس تنافسًا على تصدير ثورة ثقافية حضارية جديدة ولا مضمونه وهدفه تقديم ما توصلت إليه البحوث العلمية لحياة أسمى وأفضل للعالم، ولا تنافسًا على نشر وتعميم قواعد حديثة في بناء الدولة والسلطة السياسية وموجباتها من أجل رفعة الشعوب وتأمينها من القسوة والظلم. فلقد بات معروفًا للجميع أنّ هذا الصراع هو لفرض الهيمنة على العالم وأنّه تسابق على الموارد الطبيعية وغير الطبيعية في هذا العالم. وفي سورية الطبيعية وفي منطقة الشرق الأوسط وافريقيا عمومًا احتدم الصراع بين هذين المحورين بقوة حين تقدمت الصين وشبكت بعض المصالح الاقتصادية مع الدول التي تعتبر تحت النفوذ الأميركي، مما دفع بالولايات المتحدة الأميركيّة إلى استنفار كل طاقاتها وقواتها للحفاظ على نفوذها وعلى سرقة موارد بلادنا وموارد المنطقة المحيطة بنا مما حدا بالصين وبأسلوبها البارد والناعم إلى إظهار قوتها وقدرتها على الثبات في المواقع التي تقدمت إليها، وما زال الاشتباك في بدايته ولن نأسف لهزيمة المحور الأميركي. وما يهمنا من هذا المشهد هو تلك الحكومات والسلطات في الأمّة السورية المشغولة في هذا الصراع الدولي وتحاول أن تسوق أبواقها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية لهذا المحور أو ذاك. وانتقادنا لهذه السلطات لا يعني ألّا نكون حتمًا ضد المحور الأميركي لأنّ أمّتنا قد ذاقت ـبشع وأقوى الضربات من هذا المحور. ولكن انتقادنا لهذه السلطات والأنظمة لأنها غير مدركة لهشاشة بنيتها وضعف سلطتها وموقفها وهذا الضعف هو نتيجة تمزّق أمّتنا السورية الى مجموعة دويلات وكل دويلة تحاول أن تتعالى على الدويلة الأخرى ولا ترى هذه الدويلات أنّ في داخلها براكين الأحقاد تغلي وتنفجر ساعة وتهدأ ساعة أخرى، وتجهل هذه الأنظمة أنّ الأمّة الممزّقة والفاقدة شخصيّتها ووحدتها ورابطتها القوميّة لا سيادة لها ولا قيمة لها في الموازين الدوليّة ولا مكان لها بين الأمم، بل تنظر لها الدول الكبرى نظرة احتقار ونظرة الطامع في سرقة خيراتها، وسوء هذه الأنظمة أنّها تتلهى بالسباق على إرضاء هذه الدولة الكبرى أو تلك وتجهد للانبطاح أمامها في ظرف تكون فيه أمّتنا غارقة في أزمتين وجوديّتين. الأزمة الأولى هي الخطر اليهودي المحتل للجنوب السوري والعازم على إبادة شعبنا السوري كله

والأزمة الوجودية الثانية والتي تفوق وتسهّل الخطر اليهودي ونفاذ مخططه هي تفكك شعبنا وإنشاء كيانات مستقلّة بعضها عن بعض وتأسيس حكومات وسلطات متنافرة، وتمزيق الشعب الى أديان ومذاهب وإثنيات متباغضة. كل هذه الإنشاءات هي وهمية ولا أساس لها في قواعد علم الاجتماع ومفهوم الاجتماع الإنساني ولا بمفهوم ماهية الدولة. أمام هذا المشهد الدولي وواقع أمتنا السورية الحالي وواقع المنطقة المحيطة بنا، ما هي المهام المطلوبة من الشعب السوري وما هو المطلوب من السلطات والحكومات في سورية الطبيعية؟ فالشعب السوري من طوروس الى سيناء قد تجلت وحدته وقوة تماسكه بعفوية ودون إيحاء أو افتعال أو إذن من الحكومات للتعبير عن وحدته ووحدة مصيره وأهدافه. ومن يسأل كيف عبّر هذا الشعب السوري عن وحدته ووحدة مصيره وأهدافه، فالجواب واضح كالشمس، فلقد خاض الحرب الأخيرة في تشرين 2023 مع العدو اليهودي المحتل بإرادة قتالية واحدة وحارب حرب الساحة الواحدة لا الساحات المتفرقة. فحركة الشعب السوري في لبنان تمظهرت في المقاومة التي أشعلت النيران في الجسم اليهودي الدموي، وحركة الشعب السوري في العراق زلزلت الأرض تحت القواعد الأميركيّة الداعمة والمشاركة العدو اليهودي˛ وحركة الشعب السوري في الأردن نظّمت مسيرات غضب ضخمة وطالبت بفتح الجبهة وطالبت حكوماتها بإلغاء اتفاقية الذل المبرمة مع العدو، وعبّر الشعب السوري في الشام عن جهوزيته للمشاركة بالحرب ووضع نفسه في تأهب رغم جراحه. ها هو الشعب السوري قد ألغى حدود سايكس بيكو ومزّق فتاوى التفريق والانقسام وقوانين الدويلات، فالعنفوان السوري قد ثار وغضب وقاتل واستشهد، وكان الشعب السوري كله على قلب رجل واحد، وحارب على الساحة السورية الواحدة الموحدة لا على ساحات متفرقة. أما الحكومات بقيت هزيلة الموقف ضعيفة الرؤية فاشلة الاستعداد. ونسأل هل ما زالت قادرة أن تحذو هذه الحكومات والسلطات حذو غالبية الشعب السوري، وهل هي قادرة على أن تلغي حدود سايكس بيكو المصطنعة كما أسقطها الشعب بالنار والوحدة والفداء، وهل هي قادرة أن تستعدّ كما استعدّت مقاومة الشعب السوري في طول الوطن السوري وعرضه وأعدّت العدّة والتعبئة والتدريب والتسليح وخاضت الحرب وانتصرت، وهل قادرة هذه الحكومات على أن تحضن شعبها كما حضنته المقاومة، وهل قادرة الحكومات أن تتبادل الثقة مع الشعب كما تبادلت المقاومة معه الثقة، وهل قادرة هذه الحكومات أن تشكّل حكومة واحدة في الوطن السوري أو أي شكل من أشكال النظم السياسية الواحدة،؟
إن كانت غير قادرة فمن غير العقلانية أن يسبق وعي الشعب إدراك الحكومات ومن غير المنطقي أن تبقى الحكومات متأخرة عن الوعي الحاصل في شعبها. كذلك من غير المعقول أن يعي الشعب لشخصيته وذاته ووحدته ووحدة مصيره ويستشهد لهذه الحقيقة ولا يثور ويسقط هذه الحكومات الغبية الوهمية العاجزة في تركيبتها البنيوية.