انتصار غزة خطوة على طريق تحرير فلسطين

1-التطورات التي سبقت عملية طوفان الاقصى
أ- على المستوى الدولي :

انجاز الصين الاتفاق الايراني السعودي الصيني وتداعياته على الوجود الامريكي في امتنا، واجتماع دول البريكس في جنوب افريقيا وتأثيره على النظام الاحادي القطب .

قمة العشرين في الهند والرد الامريكي بمشروع الخط التجاري الهندي الخلييجي الاسرائيلي الاوروبي.

اهمية موقع امتنا الجيوسيياسي في الصراع الكوني على مناطق الصدام الجيواستراتيجي واعادة التموضع الامريكي فيها. ما يحدث على مستوى العالم الان ، ان هناك ثلاث مناطق في العالم، تواجه فيها امريكا قوى الشرق الناهض ، وتسعى لاخراج امريكا منها وتقويض نظامها الاحادي القطب، فهي تواجه روسيا في اوكرانيا التي تعمل على إخراجها من أوروبا، وتواجه الصين، التي تعمل على إخراجها من من جنوبي شرق آسيا ، وتواجه إيران التي تعمل على إخراجها من “الشرق الأوسط”.
على المستوى الاقليمي:
تعيش امتنا حالة من التوازن السلبي بين المشروع الصهيو امريكي لاقامة شرق اوسط جديد، ومشروع محور المقاومة الذي منع المشروع الصهيو امريكي من تحقيق اهدافه في امتنا . لكن امريكا ايضا منعتنا من انجاز النصر والتعافي في سوريا ببقاء قواعدها في امتنا واطلاق قانون قيصر والعقوبات التي عطلت انجاز الحل .وفي ظل حرب اوكرانيا وتداعياتها على العالم والتاكد من هزيمة الغرب الانقلوساكسوني في اوروبا كان لا بد من تحريك هذا الستاتيكو القائم هنا لمواكبة المتغيرات الدولية.
على المستوى الاسرائيلي:

تواجه اسرائيل ازمة بنيوية ،ومعضلتين تقوضان وجودها وهما: النمو الديمغرافي الفلسطيني المتوقع ان يزيد عدد الفلسطينين عدد اليهود خلال عقدين اوثلاث، وتنامي قوة محور المقاومة وقوة ايران النووية، التي تؤرق اسرائيل ويعمل الوقت ضد مصلحتها ، وازمات نتنياهو الداخلية، تعزز حاجته للحرب للهروب من المحاكمة ولاستدراج امريكا لحرب شاملة مع محور المقاومة وايران.

مشروع الطريق التجاري من الهند الى اوروبا عبر الخليج وفلسطيين المحتلة ،وقناة بن غوريون من ايلات الى غزة ، وحقول غزة الغازية ، يقتضي القضاء على حماس والمقاومة واقتلاعها من غزة والضفة لامرار هذه المشاريع .
-اكمال التطبيع مع السعودية واطلاق الشرق الاوسط الجديد تحت اسم “الولايات المتحدة الابراهيمية ” ايضا يقتضي انهاء القضية الفلسطينية عبر تهجير غزة الى مصر والضفة الى الاردن.
على المستوى الفسطيني:
-تراجع الاهتمام العربي والعالمي بالقضية الفلسطينية امام مشروع التطبيع والسلام الابراهيمي وعودة امريكا الى تفعيل وجودها ودورها في امتنا لمواجهة ايران والصين وروسيا.
-خطاب نتنياهو في الامم المتحدة وعرض خارطة جديدة للشرق الاوسط كواحة للسلام الابراهيمي لا يوجد عليها اي اثر لدولة فلسطينية.

برامج الحكومة الاسرائيلية لتفكيك المقاومة الفلسطينية وتهويد القدس بعد ان مسح العدو عقاراتها ، وبعد معركة سيف القدس افرج الاردن عن سندات العقارات التي تبلغ 60% من عقارات القدس وبالتالي باتت اسرائيل تستطيع تهويد القدس بعد السيطرة على هذه العقارات حيث جاء الاحتلال ب 50 الف مستوطن لاسكانهم فيها والسيطرة على المسجد الاقصى .والسيطرة على المنطقة ج من الضفة الغربية لتقويض اتفاقيات اوسلو،وتهجير الفلسطينيين الى سيناء ليكونو عمال في “مشروع نيوم” واعطائهم ارض في سيناء ثلاثة اضعاف مساحة غزة.وتشكيل الاتحاد الابراهيمي في المنطقة ونقل الزعامة العربية من مصر الى السعودية بعد اكمال التطبيع معها .

ورود معلومات الى حماس ان اسرائيل تحضر لضربة مباغتة لغزة تصفي فيها قيادة حماس وبدء تنفيذ مشروع تصفية المقاومة من غزة والضفة وتهجير سكانهما، لتصبح اسرائيل امنة تستقطب الاستثمار في الخط التجاري.لذلك كان لا بد من القيام بتحرك استباقي يفشل هذه المشاريع فكان طوفان الاقصى.
2- عملية طوفان الاقصى
بدء طوفان الاقصى بعملية مفاجئة استغلت حماس “المفاجئة والصدمة والرعب” مما ادى الى الانهيار الكبير للجيش الاسرائيلي في 4 ساعات . حيث تم السيطرة على : – قيادة الشاباك خلال 40 دقيقة ، والسيطرة على موقع 8200 للتنصت على البحر الاحمر ومصر حتى حدود لبنان الساعة ال 10.30 وتدمير كل ابراج المراقبة، حيث فوجيء القساميون بانهيار الجيش الاسرائيلي وسقوط الموقع الذي حصل المقاومون منه على كنز من المعلومات عن خطط اسرائيل لفلسطين والمنطقة،ومعلومات عن العملاء في غزة ،وخرائط ثلاثية الابعاد لمواقع العدو – اما المرحلة الثالثة فكان اندفاع الغزاويين الى المستوطنات بعد تدمير السياج وانهيار الجيس الاسرائيلي واختطاف المستوطنين.
بعدها بدء الهجوم الاسرائيلي على المدنيين وتدمير غزة تحت عنوانين طرحمها نتنباهو للحرب، وهما : تصفية حماس من خلال تدمير قدراتها العسكرية والسلطوية، والقيام بكل ما يمكن لإعادة المختطفين”.
خطة حماس والمقاومة افشال خطة نتنياهو عبر: المحافظة على النصر الذي تحقق في 7 تشرين ويتمثل بمشاغلة العدو بحرب استنزاف وتحميله كلفة كبيرة في الارواح لمنعه من تحقيق اهدافة . استعدادات حماس هي لحرب 6 اشهر تستنزف قدرات العدو العسكرية والاقتصادية ليرضخ لشروط المقاومة التي تعتبر ان تحرير فلسطين لن يتحقق بالضربة القاضية بل بالنقاط ، وما تحقق في 7 تشرين هو نصر مؤكد المطلوب المحافظة عليه بتمسك الغزاويين بارضهم ومنع الترانسفير ، وتكبيد المقاومة للجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة بمنعه من الاستقرار في المناطق التي سيتقدم اليها .
3- نتائج حرب طوفان الاقصى
وضع غزة والقضية الفلسطينية والمنطقة بعد 7 تشرين لن يكون كما قبله .
اثبتت عملية طوفان الاقصى سقوط نظرية الجيش “الذي لا يقهر” والتفوق الامني الاسرائيلي ، ومع تطوير العمليات العسكرية، والدخول في مرحلة الاجتياح البري، انكشف الأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومة الفلسطينية. فرغم مرور قرابة شهر على العمليات البرية، فشلت القوات الإسرائيلية في تحرير أيّ من الرهائن، أو الوصول إلى قيادات القسام المؤثرين،أو تحجيم قدرات التنظيم العسكرية.او اعتقال اسير واحد من القسام. وفي موازاة هذا الفشل العسكري، كان هناك فشلٌ إعلاميّ، في إقناع الرأي العام، فبيانات المتحدث الاسرائيلي، يعوزها الدقة. والصورُ المنشورة تفتقد الى الكثيرمن المصداقية، في تبرير استهداف مجمع الشفاء الطبي واحتلاله، أو غيره من مشافي قطاع غزة. في موازاة الأداء المضطرب لاسرائيل ، نجحت المقاومة، من خلال إستراتيجيتها الإعلامية، في إقناع الرأي العام بمصداقيتها في نقل وقائع الحرب، مدعومة بالصوت والصورة، تمثل بما أعلنه مؤخرًا المتحدث باسم كتائب القسام، “أبو عبيدة”، من لجوء القوات الإسرائيلية إلى قتل جنودها حتى لا يقعوا في الأسر، بعد تكذيبه اضطرت تل أبيب إلى الاعتراف لاحقًا بفتح تحقيق بشأن استهداف جنود إسرائيليين عن طريق الخطأ!. كما نجحت المقاومة في اللعب بورقة المحتجزين لديها، وتحويلها إلى أداة ضاغطة على أعصاب نتنياهو وحكومته .فمنذ الأيام الأولى، والمقاومة تعلن استعدادها للإفراج عن المحتجزين المدنيين، وأخلت سبيل البعض منهم دون مقابل، الأمر الذي أدّى إلى تصاعد احتجاجات عوائل المحتجزين. أجبرت المقاومة عبر ادائها العسكري، والإعلامي، والسياسي، نتنياهو ومعه الإدارة الأميركية، على التخلّي عن الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، والتفاوض على الأرضية التي أرادتها المقاومة منذ البداية، والتي اثمرت الهدنة وتبادل الاسرى وفق منطق المقاومة.
اعادة عملية 7 تشرين القضية الفلسطينية كقضية مركزية اولي للامة وللعالم الاسلامي والعالم ، وباتت تتصدر شاشات الاعلام العالمية كقضية انسانية تواجه الهولوكوست والوحشية الاسرائيلية مما دمر صورة اسرائيل في العالم وكل ما بنته بانها تدعي الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
اعادة العملية قضية حق الشعب الفلسطيني في الحياة الحرة والكريمة واعادة طرح ضرورة حل القضية الفلسطينية التي دونها لا استقرار في الشرق الاوسط والعالم.
اصابت العملية مشروع التطبيع والسلام بين العرب ودولة العدو بالصميم .
عرت العملية صورة الغرب الاستعماري الذي يدعي الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بانحيازه للدولة المعتدية وتغطيتها بقتل الاطفال والنساء والمدنيين وقصف المستشفيات. وتصديها للتظاهرات الداعمة للفلسطينين في بلدانها .
اثبتت العملية هزالة وعقم النظام الرسمي العربي والجامعة العربية وعجزهم عن نجدة غزة.
اثبتت العملية اهمية ودور محور المقاومة وترابط الساحات في ادارة معركة دعم غزة وتخفيف الضغط العسكري عنها ،خاصة في لبنان والعراق واليمن وضرب اسرائيل والقواعد الامريكية في المنطقة لتحميل امريكا مسؤولية استمرارالحرب.
اصابت العملية مشروع الخط التجاري الهندي الخليجي الاسرائيلي الى اوروبا بالمقتل .
نعم غزة انتصرت منذ اليوم الاول لعملية طوفان الاقصى،وما يجري حتى الان هو تثبيت للانتصار الذي نعتبره بمثابة خطوة على طريق تحرير فلسطين التي سيكون تحريرها بالنقاط بتراكم الانتصارات . الغرب الانغلوساكسوني منهزم عسكريا في اوكرانيا ،ومنهزم اقتصاديا بما يتخبط به من ازمات ، المتوقع ان يكون العام المقبل عام انفجار الوضع الاقتصادي العالمي وفق كل الخبراء الاقتصاديين في العالم، فتراجع الغرب الاستعماري امام قوى الشرق الناهض يستتبع تراجع ادواته في امتنا وهزيمتهم .
السردية الإسرائيلية المهزومة لأمنها القومي تأسست على ثلاث ركائز أساسية:
الأولى: التفوق المطلق للجيش الإسرائيلي ، الذي ثبت بطلانه خلال الميدان في غزة .
الثانية: وحدة المجتمع الإسرائيلي، ايضا اظهرت التظاهرات في الكيان الزائل تفسخه بالنظر الى ازماته البنيوية وجدوى وادارة الحرب على غزة.
الثالثة: العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة. التي تمر بازمة كبيرة الان بسبب تبوأ قادة اليمين المتطرف قيادة اسرائيل ، الأمر الذي انعكس سلباً على السياسات الأميركية، التي تعمل على إدماج الكيان، ضمن المنظومة الإقليمية العربية ، والتي باتت مصالحها في الشرق الأوسط مهددة. واثر التظاهرات في امريكا على تماسك ادارة بايدن وشعبيته التي باتت في ادنى مستوياتها منذ انتخابه وخلافاته مع نتنياهو على ادارة الحرب على غزة.
ثمة إجماع دولي، بدء يتبلور بعد صمود الغزاويين وبطش المقاومين ، بشأن ترتيبات ما بعد الحرب على غزة، يتمحور حول “المبادئ الأربعة” التي أعلنت واشنطن وكررتها طوال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من الحرب: (1) لا احتلال إسرائيلي للقطاع … (2) لا اقتطاع من مساحة القطاع، تحت أي حجة أو ذريعة… (3) لا تهجير قسري للفلسطينيين إلى خارج القطاع … (4) لا عودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر في القطاع.
الهدنة التي تحققت امس هي الخطوة الأولى نحو الإقرار بالهزيمة ليس للكيان الاسرائيلي فقط، بل لكل الأطراف الغربية والعربية، التي راهنت على هزيمة المقاومة، لإبقاء منطقة غربي آسيا، ضمن صيغة ما بعد الحرب العالمية الثانية تحت هيمنة امريكا.وعلى عرب امريكا، ان يعيدوا النظر بسياساتهم الحالية، ويقرأوا متغيرات قوة المقاومة المتصاعدة ،بما أنجزته من انتصارات وضعت الكيان على طريق الزوال.
وعلى رغم الخسائر المدنية الهائلة، نتيجة الإجرام الصهيوني، المغطى أميركياً وأوروبياً وعربيا، فإن كل يوم يمرّ من ملحمة غزة البطولية ، هو بمثابة مزيد من الهزيمة للغرب بكيانه المصطنع، ويدفع المزيد من رفع مستوى المواجهة العسكرية على مستوى منطقة غربي آسيا، على نحو يعزز تسارع ولادة النظام الدولي متعدد الأقطاب، الذي استطاع أن يكبح الاجتياح الغربي في سوريا، وبعدها في أوكرانيا، ثم ليحقق الانتصار الأول في غزة فلسطين، الذي سيترك آثاره الجيوسياسية على مستوى المنطقة والعالم أجمع، وتسرّع ولادة نظام دولي جديد، محكوم بقواعد جديدة، تنعكس على منطقة غربي آسيا، بنظام إقليمي جديد، يفترض تغييرات بنيوية داخلية لدولها، تنسجم مع حاجات شعوبها، للعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى نحو ينسجم مع التنوع الكبير لعناصر نسيجها الاجتماعي.
25/11/2023 رياض عيد