المتابع لعمليات جيش العدو منذ السابع من تشرين الأول، مع انطلاق عملية طوفان الأقصى، يدرك مدى الكذب في حكاياته عن البطولات التي يسطرها هذا الجيش الفاشل، ويتبين مدى هذا الكذب من خلال كبر عدد قتلاه وجرحاه حتى اليوم، إضافة إلى خسائره الكبيرة سواء في دباباته وآلياته “المتطورة والمميزة”، أو في أجهزة التجسس والمراقبة وباقي التجهيزات، التي كانت تُعتبر من الأهم في العالم والأكثر تطوراً.
نشر المحلل “الإسرائيلي” ناحوم بارنياع مقالاً في صحيفة يديعوت أحرونوت، قال فيه أن “إسرائيل” تغلف نفسها بطبقات مبطنة لحماية نفسها من البحث الحقيقي عن الذات، رغم أنّ الحرب مشتعلة، وصوت المدافع والصواريخ لا يهدأ، وأكّد أنّ الجيش استبدل الصدمة الأولية بعدد كبير من الحكايات المزعومة عن البطولة والولادة الجديدة، إضافة إلى قصص الكوارث المرعبة التي لا تطاق، بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب، حيث لا تمر لحظة دون وجهٍ يبكي على شاشة التلفزيون، ولا صفحة صحيفة دون قصة بطولية، ويتابع التقرير أنّ كل جندي يُقتل هو “بطلٌ إسرائيلي” قام بعملٍ بطولي مذهل ومميز، والعروض المؤثرة والمثيرة للعمل التطوعي، مغطاة بشكل كبير، ويستسهل هذا الجيش إعطائنا صورة جميلة عن أنفسنا، ويقدم تقارير يقول أنها واردة من التيار الأمامي، تبشّر بنجاح كبير، وتفيد بأن النصر آت قريباً.
إنّ الإدمان على حكايات البطولة لدى جيش العدو، يهدف إلى إخفاء الواقع وطمسه، ففي الوقت الذي يغرق فيه هذا الجيش في كارثته، يحاول أن يدفع الشعب “الإسرائيلي” للشعور بالإعجاب والاندهاش من نفسه، ويتابع المحلل قائلاً: لاحظوا كيف أنّ الفشل الذريع المذهل في 7 تشرين الأول، يتلاشى ببطء في وعينا، يتحدث الناس أقل فأقل عن المفاجأة للمخابرات الإسرائيلية، وعندما يفعلون ذلك، فإنّهم يتجاهلون دور جهاز الأمن العام “الشاباك” الذي يعرف كل شيء وقادر على كل شيء، لم يعودوا يتحدثون بعد الآن عن عجز جيش قوي مجهز ولديه ميزانية كبيرة، وعن عدم قدرته على إنقاذ كيبوتس تمّ احتلاله لمدة 12 ساعة كاملة.
لن يستطيع العدو أن ينتصر بسفكه دماء آلاف الشهداء من النساء والأطفال في غزة، ولا على حساب أوجاع الجرحى، ولا من خلال تدميره لعشرات آلاف البيوت والأبنية، ولن يستطيع جيشه أن يجعل “الإسرائيليين” ينسون فشله، فهو لم يستطيع أن يقدم نفسه بصورة المنتصر، والمحقق للإنجازات، ويتابع بارنياع أن “الشعب الإسرائيلي” سيشعر بانتصار جيشه عندما يستطيع أن يقدم له رأس يحيى السنوار على طبقٍ من فضة، وعندما يستطيع أن يحرر الأسرى الموجودين لدى حركة حماس، فالانشغال بالانغماس في الحزن والتربيت على ظهرنا يهدف إلى تغطية الثقوب السوداء، ليس فقط حول ما حدث، ولكن حول ما يحدث وبشكل أساسي حول ما سيحدث، إنّ الثقب الأسود الأول هو ما يحدث الآن في غزة، الإسهاب الذي لا نهاية له في وسائل الإعلام “الإسرائيلية”، الذي يتجاهل حمام الدم المروع، ولا كلمة واحدة عن كارثة غزة، لا يعني ذلك أنّه مبرر أو غير مبرر، إنّه ببساطة غير موجود، التجاهل متعمد، لا توجد تقارير، لا توجد صور، ولا يوجد أيّ ذكر للصباح التالي، رزم من الكلمات، ولا أحد لم يقل بعد ما سيحدث بعد النصر العظيم.
الرأي العام “الإسرائيلي” يريد أن يعلم ما يجري بإسمه في غزة، لذا على قيادة العدو التعامل مع هذه الكارثة، ونشر الحقائق، وإيصال صورة عن الواقع كما هو، فلن يستطيع الحداد والبطولة أن يهيمنا على الخطاب العام لمدة شهر وما بعده، ولا يمكن لهما أن يفسحا المجال لأي أمور أخرى، ولم يعد ممكناً قتل عشرات الآلاف من الناس، بدافع التعطش للدماء ومشاعر الانتقام، وفي نفس الوقت لا يمكن إخفاؤه.
بعد مرور شهر على بداية الحرب، لم يستطع العدو أن يحقق أي انجاز عسكري أو أمني، لا في قطاع غزة، ولا على الحدود مع لبنان، فهو لا ينظر إلى الواقع بعينيه، ويبقى الآن الموضوع الأهم، كيف سيجد طريقة للخروج من المستنقع الذي دخله بمحض إرادته، وكيف سيكون سيناريو التراجع المذل، الأيام القليلة المقبلة كفيلة بإعطاء الإجابة.