حين تأسست الكلية الإنجيلية السورية في بيروت عام 1866 والتي تحوّل اسمها لاحقًا ليكون الجامعة الأميركية، تمكّنت منطقة رأس بيروت وشارع الحمرا والشوارع المتفرعة منه تحديدًا من مواكبة حالة التقدّم العلمي والثقافي داخل حرم الجامعة. نشأت المسارح والمقاهي ودور النشر والمكتبات وباتت المنطقة عاملًا جاذبًا للسكان وكذلك للسياحة. إثر ذلك وبنتيجة طبيعية لتحوّل المنطقة لمركز أساسي من مراكز العاصمة بيروت، افتتحت فيها أهم مستشفيات البلد، وجامعات أخرى، وباتت مركز ثقلٍ اقتصاديٍ كبير.
عام 2022 لا تزال الجامعات والمستشفيات والمؤسسات حاضرة، ولكن نُسفَ شارع الحمرا عن بكرةِ أبيه، ليضحي مركزًا للتسوّل والنشل والدعارة وتجارة المخدّرات. في شارع الحمرا لا يمكن لطالبة جامعية أن تمرّ سيرًا على أقدامها دون أن تتعرّض لخطر التحرّش لفظيًا أم جسديًا أم حتى لخطر اعتداء من أي نوع كان. في هذا الشارع، هناك من يوجّه فتيات الليل، الضحايا في مكان ما، نحو السيارات ونحو السوّاح الخارجين من فنادق الشارع. هذه العملية الحقيرة تتم على الأرصفة وبشكل علني، دون أي اختباء ولا حتى انتباه أن تكون الدولة وأجهزتها تتربّص بمروّجي الدعارة والمخدرات. وقاحة هؤلاء من وقاحة دولةٍ غابت وشرّعت الشذوذ الاجتماعي والتفلّت الأخلاقي هي العالمة بالشيء لا العاملة على مكافحته.
وبعيدًا عن الأجهزة الأمنية، التي تعمل في أماكن نفوذها كضابطةٍ عدليّة، هناك ما يفوق ال600 عنصر يشكّلون معًا جهازًا يُسمّى فوج حرس مدينة بيروت، ويتبعون قرار محافظ المدينة، الذي لو قرّر أن يحافظ عليها لأمَرَ بتسيير دوريات في شوارعها لحفظها من تفلّتٍ وقحٍ يُربكها ويدمّر حركتها التجارية.
من ينقذ الحمرا؟ سؤالٌ إجاباته سهلة ومنطقية وموجودة، ولكن في ظل انهيار الدولة بكافة أشكالها على أحد ما أن يتحمّل المسؤولية، والمسؤولية أمام ما يحصل مجتمعية لا تتجزأ..