الإعلام الصهيوني وتزوير الوقائع

الإعلام الصهيوني وتزوير الوقائع

إن علاقة بلادنا بالأكاذيب الصهيونية ليست وليدة اليوم بل هي  قديمة جداً، ولا تعود إلى خمسة وسبعين عاما وحسب، وهو عمر هذا الكيان، بل إلى المؤتمر الصهيوني الأول، برئاسة تيودور هرتزِل في بازل سويسرا العام 1897م حيث أعلن عن مشروعهم الصهيوني السياسي القائم على مجموعة أكاذيب دينياً أو سياسياً، تمهيداً لتكريس مطامع ومشاريع الدول الكبرى، الهادفة آنذاك إلى السيطرة على بلادنا … وصولاً إلى إعلان وعد بلفور وتقسيم بلادنا على أساس خريطة سايكس – بيكو، ثم الهجرات اليهودية الوافدة إلى فلسطين على البواخر البريطانية وتلاها بعد ذلك إنشاء الكيبوتزات الزراعية ثم إعلان دولة الكيان عام 1948، بعد حروب ومجازر في المدن والقرى، دفعت الناس في تهجير ممنهج بعنوان “مرحلة مؤقتة”، إلى مخيمات الدول المجاورة، وإلى الشتات العالمي لاحقاً، عندما فقدوا الأمل بالعودة.

إذاً، ترادفت الأكاذيب التوراتية الصهيونية مع تأسيس الكيان نفسه والمنظمة الصهيونية العالمية، التي اهتمت بتأطير المال والإعلام للهيمنة على الرأي العام العالمي ومواقع القرار في العالم.

هذا الكيان القائم على “الخرافة الدينية”، لم يكن غريباً عنه بعد عملية “طوفان الأقصى”، إتهام الفلسطينيين بجريمة لم تحدث، وهي قطع رؤوس الأطفال اليهود في المستوطنات، وطبعاً نعرف جميعاً كيف عممت الخبر إحدى إعلاميات قناة CNN، وتبناه الرئيس الأميركي بايدن ثم سرعان ما تم نفيه، عندما لم يتمكنوا من تقديم دليل ولكنهم استطاعوا من خلاله تحريك الرأي العام العالمي ودفعه إلى التضامن معهم.

ولا شك أنه تم الاستفادة من دعاية قطع الرؤوس للتعبئة ضد الإسلام السياسي من جديد وإتهام حماس بأنها داعش! علماً أن داعش هي صنيعة السياسة الغربية ونشأت تنفيذاً لمشروع شيطنة الدين الإسلامي، وهي تعمل وفق أجندة الغرب، إن في العراق أو شرقي الجمهورية السورية … وبأسماء مختلفة، لكنها داعش.

لم يكن قد مرّ أسبوع على عملية “طوفان الأقصى” عندما ارتكبت دولة الاحتلال مجزرة مستشفى المعمداني وهي من أعرق المراكز الدينية التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر وتأسس مركزها الطبي العام 1904، بعدما استهدفتها صواريخ إسرائيلية أميركية الصنع ، وأدت إلى إبادة كاملة لكل من كان في المستشفى، من مرضى وجهاز طبي وعائلات وأطفالهم، لأنهم اعتقدوا أن كيان الاحتلال لن يجرؤ على استهداف ما تكفل حمايته القوانين الدولية من مستشفيات ومراكز إسعاف ودفاع مدني، وأماكن عبادة.

لكنها الدولة المتفلتة من كل القوانين الدولية بررت لنفسها، وسرعان ما  برر لها الغرب الداعم أفعالها دون أن يرف جفن لأي من دول العالم المزعوم حرّاً، وبدل الإدانة لقتل الأطفال والمدنيين بحيث تجاوز العدد الثمانمئة، كانت زيارات التعاطف العالمي تتوالى وفي طليعتهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، في وقت كانت تقارير فرق الإسعاف، تؤكد أن تدمير المستشفى لم يترك أحداً حيّاً.

وهكذا بعد زيارة “المايسترو” تتالت زيارات قادة الغرب” للتضامن” مع الإرهاب الصهيوني الموصوف، رئيس وزراء بريطانيا، رئيس جمهورية فرنسا، المستشار الألماني، الكندي…إلخ وهنا حاولت دولة الاحتلال أن تكذب بوقاحة، فأعلمت بايدن أن الصاروخ أطلق  من جهة حماس!! لم يتبن هذه الكذبة  رئيس أميركا إلا لوقت قصير، ثم عاد وتخطاها وكأنه خطأ لغوي، وأيضاً، لأن معلومات موثقة أكدت أن قادة الاحتلال كانوا قد أنذروا المستشفى كما سواه من المستشفيات بالإخلاء. كما بينت المعلومات الصحفية اللاحقة أن الصاروخ أطلق من مستوطنة “ناحل عوز”

وطبعاً، استمرت سياسة التدمير الوحشي دون هوادة وإلى اليوم، محاولة من خلال ذلك حصد انتصار ولو بأشلاِء الجثث والضحايا الأبرياء، وهو ما لن يحصل .

وهذا ما حصل مع الكنيسة الأرثوذكسية  التي كان يحتمي في مبانيها، رعيتها وجيرانهم، وأدت إلى إفناء عائلات، في سياسة إبادة مشهودة، وكذلك في تدمير يقصد منه إزالة كل معالم الحياة الواحدة لكل الطوائف في غزة.

إشارة إلى أن كنيسة القديس  برفيريوس هي من أقدم ثلاثة كنائس في المشرق. وأيضاً لم يرف جفن العالم، الذي يزعم انه يحمي المسيحيين فلم يتحرك، لا بابا الفاتيكان ولا حتى بطاركة الكنيسة الإنطاكية ، ما عدا مطران  القدس عطالله حنا الذي رفع الصوت عالياً وحده.

دولة الاحتلال المنهزمة رغم الإصرار على نظرية التفوق إزاء مقولة اعتبارنا “حيوانات “، حسب مقولة وزير حرب  العدو ، تحاول من خلال تكبيل الرأي العام العالمي بسردية مظلومية إبادتها، فتستمر  في كم  أفواه المنظمات الدولية وأبلغ نموذج ما فعلته بأمين عام الأمم المتحدة غوتيريس، الذي ما ان نطق بأن ما فعلته حماس لم ينطلق من فراغ بل من ظلم يستمر منذ 75 عاماً، حتى بادره ممثل دولة الاحتلال، مطالباً إياه بالاستقالة!!

لا يعوز الحق القومي الذي يستشهد من أجله شعبنا، لا الشجاعة، ولا الثبات في أرضه، وهو ثابت  عنيد كما جذع زيتونه المنغرس منذ مئات السنين.

اليوم تعيد المقاومة وضع قضية فلسطين في وجدان الشعب، وفي أفئدة تلهج بها في شوارع وساحات العالم أجمع، رغم القمع وحتى القوانين المكبلة مثل مواجهة اللاسامية (الكذبة الكبرى) وهي تعد نفسها للانتصار، بقوة حقها ومقاومتها، وتوسيع أطر تحالفاتها مع قوى تؤمن بحق أمتنا بأرضها وتاريخها وهذا جهد لن يتوقف بعد الآن، وكما قال سعاده، القوة هي القول الفصل في إقرار الحق القومي أو إنكاره.