بعد مضي عقود على توقيع اتفاقيات أوسلو وما يسمى بالحل السياسي، وتخاذل أغلب قيادات حكومات العالم العربي وارتمائهم في احضان الكيان الصهيوني السرطاني، والتطبيع ومشاريعه التي يتم إعدادها مثل مشروع نيوم وغيره، والفتن الطائفية وإشعال الحرائق ببعض الدول العربية من خلال ما يسمى بالربيع العربي، ومحاولة حرف البوصلة نحو عدو آخر وهمي لنسيان العدو الوجودي، وتشكيل عقل جديد، وتزييف الوعي، وإنهاء حالة المقاومة مع العدو اليهودي.
مازالت المسألة الفلسطينية، بالرغم من كل الضغوطات والأساليب التي اتبعتها دول العالم العربي وبعض القيادات الفلسطينية والسياسات الدولية، في مقدمة أولويات واهتمامات شعوب المنطقة والدول والحركات والأحزاب التي اتخذت من المقاومة نهجاً لها، وأدركت حقيقة أن ليس لنا عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا إلا اليهود.
إن المسألة الفلسطينية هي مسألة الأمة، وإن الصراع بين أمتنا واليهود صراع تاريخي حقوقي وجودي وثقافي، وهذا الصراع ليس له حدود ولا ضوابط طالما أنّهم يحتلون أرضنا.
ورغم كل هذه السنوات من الهرولة وراء سراب التسويات والحل السياسي، ومحاولات دمج “اسرائيل” في المنطقة، و إعادة التشكيل النفسي لقبول السرطان اليهودي على أساس أنه جسم طبيعي في أمتنا؛ ولكن من غير الممكن تغيير طبيعة الصراع وحقيقته، فإسرائيل لا يمكن أن تكون جزءاً من منطقتنا مهما طال الزمن.
إن حل المسألة الفلسطينية الوحيد والأوحد هو في أيدي أهلها ليس الفلسطينيين وحسب، وإنما في كل الأمة، من خلال المقاومة حتى استرجاع كامل فلسطين، وكافة أراضينا المحتلة، وذاك المسار شرعيّ وواجب ومسؤولية.
ومن هذا الواقع وهذه الحقيقة المطلقة، كان لا بدّ للمقاومة الفلسطينية من ابتكار أساليب جديدة، إذ لم تنطفئ جذوة النفوس العظيمة، لا بل وأبدعت وقفات العز ساطعة، رغم تآمر بعض أعضاء سلطة أوسلو مع العدو، وإعطائه المعلومات عن المقاومين؛ وتقاعس السلطة لم يمنع المقاومين من القيام بعمليات بطولية ضد العدو.
فقد شهدت ساحة المقاومة ارتفاعاً ملحوظاً في أعمال المقاومة بجميع اشكالها، ففي الضفة المحتلة 833 عملاً ما بين طعن ودهس بالسيارات واطلاق نار وزرع للعبوات الناسفة.
وتتصاعد عمليات الاشتباك المسلح لتصل إلى 75 عملية إطلاق نار على أهداف تابعة لقوات العدو، منها 30 عملية في جنين، و 28 في نابلس، والعدد بازدياد كالعملية البطولية شفعاط. وأكدت هذه العمليات فشل الجهاز الأمني “الاسرائيلي” في حماية مستوطنيه، واسقاطاً تامّاً للعملية الأمنية التي تسمى دفن الرأس في الرمال، وعملية كسر الأمواج.
وتشهد الحركة الشعبية تصاعداً في نوع الفعل المقاوم وعدده، كما أن مسيرة المقاومة ومستقبلها في مسار تصاعدي، وسنكون أمام وضع نضالي متفوق سيفضي لبشائر الانتفاضة الجديدة.
وما يؤكد استمرار الصراع وقوة المقاومة هو التحاق أعداد كبيرة من الشباب بالمقاومة، وأجيال جديدة دخلت سلسلة العمليات من منطلقات وطنية هي أجيال ما بعد أوسلو التي أدركت، ورغم كل المحاولات الأدلجة عبر مناهج التعليم وفرض ثقافة التفريط والخيانة والهزائم والصراعات وكذبة الدولتين، أن الحق لا يموت،
وأن عدونا أوهن من بيت العنكبوت متى توفرت الإرادة والاستعداد للتضحية والقضاء على يهود الداخل.
إن حسم المعركة مع العدو لن يكون إلا بالتضحيات والاستشهاد، وبالمقاومة المسلحة التي يرسخها أبناء شعبنا للتاريخ، ويكتبها في سجلات المقاومة وتحرير الشعوب.
فالمقاومة وحدها القادرة على إفشال الاحتلال واقتلاعه من أرضنا، وأن مصير الكيان إلى الزوال، فالقوة هي الفصل في إثبات الحق القومي، ومرتكزاته نصب عيوننا وعيون أجيال لم تولد بعد. إننا أحوج ما نكون إلى تشكيل جبهة مقاومة واحدة تضم كافة المقاومين، وتفعيل شعار كل مواطن خفير ضد الصهيونية وثقافة الاستسلام، ومبدأ السلام مقابل السلام، ومشاريع التطبيع التي يراد بها إنهاء حالة المقاومة مع العدو ووأد الصراع.
عامر التّل