عملية طوفان الأقصى وحقوقنا القومية

عملية طوفان الأقصى وحقوقنا القومية

تحت أنظار العالم  تجري عملية تدمير غزة، وتحت مسامع العالم المزعوم “حراً”، تجري عملية إفناء البشر والحجر، بالأسلحة المحرمة دولياً.

غزة التي تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثمائة كلم مربع تعتبر من أكثر مناطق العالم ازدحاماً، نتيجة اكتظاظ غير مسبوق فرضته ظروف قطاع غزة بعد تهجير فلسطيني أراضي ال 1948 إليه  إلى مخيمات أقيمت بداخله، قبل أن تعود دولة الإحتلال الغاصب لاحتلاله عام 1967.

يبلغ أعداد سكان هذا القطاع نحو أكثر من مليون نسمة يعيشون في شريط ضيق يشكل المنطقة الجنوبية لفلسطين المحتلة، كما أنه  يخضع منذ عام 2007 إلى حصار حاد يشتمل على منع وتقنين دخول المحروقات، ومواد البناء وكثير من السلع الأساسية ومنع حرية الصيد في عمق البحر مما يتركهم يعيشون بالحد الأدنى من مستلزمات الحياة بعد ارتفاع كبير في مستوى البطالة والفقر وتردى الواقع الإقتصادي والحياتي.

وتحت وطأة الصمت العالمي تجري عملية تهجير أهل غزة في ترانسفير جديد، وتكثر التحليلات حوله أنه سيكون نحو سيناء وأيضا نحو دول عربية أخرى، في تواطئ اميركي – غربي واضح من خلال إرسال مندوبيها أبرزهم وزير خارجيتها بلينكن، الذي سارع إلى إعلان هويته الصهيونية كما تمثل في مسارعة الولايات المتحدة الاميركية إلى إرسال حاملة طائراتها لتعيد الاعتبار العسكري للإسرائيلي وتسمح لها بالتفوق مجدداً وبرد الاعتبار بعد عملية طوفان الأقصى التي زلرلت الكيان الإسرائيلي.

لقد تعودت دولة كيان الاغتصاب، أن تقتل وتدمر وتحاصر وعلى الفلسطيني أن يبقى صامتاً، كما يصمت الرأي العام المحكوم برؤوس الأموال الصهيونية المهيمنة على وسائل الإعلام الكبرى وعلى اللوبي الصهيوني في العالم.

اليوم اغتنمت المقاومة الفلسطينية من خلال عملية “طوفان الأقصى” توقيتاً مماثلاً لحرب تشرين التحريرية عام 1973، أي يوم سبت الغفران، وفي الذكرى الخمسين للحرب التي هزمت هذا الكيان سابقاً. وها هي تتمكن مجدداً من تسجيل نصر لم يسبق أنه حصل في تاريخ هذا الصراع، إن من خلال الإختراق الكبير لغلاف غزة نحو المستوطنات المجاورة، أو من خلال إقتحام الثكنات العسكرية وأسر الضباط والجنود وكذلك بعض سكان هذه المستوطنات لا سيما الشباب ممن كانوا يقيمون احتفالاتهم بعيد الغفران اليهودي.  في ساعة صفر بقيت  مجهولة على كل استخبارات العدو، وهذه واحدة من الإعجازات التي تضاف الى العملية البطولية الرائعة.

فقد قصدت المقاومة من عمليتها وضع نظم  معادلات جديدة للصراع بينها وبين دولة الإغتصاب، مما يكفل لها طرح موضوع تبادل الأسرى لديها، بالأسرى المعتقلين في سجون الإحتلال والذي يبلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف سجين ونيف، ويمكن الحديث مطولاً عن معاناتهم نساء، ورجال، وحتى فتية أحداث، يحاكمون ويحكم عليهم الإحتلال بقوانينه العنصرية البعيدة عن القوانين والنظم الدولية.

إن الشعب الفلسطيني الذي يعاني من إنحياز كبير لدول الغرب، إلى الكيان الصهيوني  الغاصب والمحتل والمهجر والسجان، بينما يعاني  الفلسطيني و بصمت يشبه صمت القبور من قبل المنظمات الدولية، هو في أبلغ صورة عن الصيف والشتاء على سطح واحد.

 ولا بد من الإشارة هنا أن هذا الكيان لا يزال الكيان الوحيد في العالم الذي لم يعلن حدوده الى الآن، ولكنه يعلنها على باب الكنيست الإسرائيلي، “حدودك يا اسرائيل من الفرات الي النيل” وهذا ما يؤكد مطامعه في كل بلادنا.

هو أيضاً الكيان الوحيد الذي لم  يلتزم بقرارات الأمم المتحدة إن مع دول الجوار أو داخله، مثل القرار رقم 446 الصادر عام 1979 عن مجلس الأمن، والذي أكد البطلان القانوني للمستوطنات، ولكن ذلك  لم يردعه عن استقطاب مئات الآلاف من اليهود في العالم، لإحلالهم محل أبناء فلسطين ونحت عنوانهم التوراتي “العودة إلى أرض الآباء والأجداد وأرض اللبن والعسل … إلخ.

نهج الدولة هذا لم يتبدل، رغم  رفعها عناوين السلام المزعوم  وتوقيعها “اتفاقيات الاستسلام ” من “كامب دافيد “الى “عربة “وإلى “اوسلو” حيث قمة الإستسلام من قبل السلطة الفلسطينية، ثم الإتفاقيات الإبراهيمية التي لا تزال مستمرة  كعنوان  لمسار “التطبيع” القائم اليوم مع المحيط العربي لفلسطين المحتلة.

كل هذا التمادي في تخطي المعايير الإنسانية والقوانين الدولية يدفع الفلسطيني إلى المقاومة  كخيار وحيد لتحرير أرضه وإثبات حقوقه بنفسه وبدعم حلفائه، حلفاء الخيار المقاوم لا غير.

لذلك تأتي هذه العملية “طوفان الأقصى” رداً على انتهاكات هذا العدو المستمرة منذ تأسيسه إلى اليوم وفي ظل غطاء سياسي وإيديولوجي ديني مزعوم لشعب مختار، في مخالفة صريحة وواضحة لطبيعة الأديان السماوية ومرتكزاتها الروحية بالرحمة والعدالة.

وهكذا أيضاً كشفت هذه العملية، النهج التلمودي لقادة هذا الكيان، من خلال التصريحات التي أدلى بها بعض هؤلاء، عندما دفعهم الغضب إلى  كلام يخفونه أحيانا. فقد قال وزير الحرب الإسرائيلي  المهزوم “نحن نقاتل حيوانات بشرية”. وتحت هذا العنوان برر قادة هذا الكيان لأنفسهم ولاستعادة الاعتبار لقوة كيانهم العسكري، تم استخدامهم الأسلحة الفوسفورية المحرمة دولياً، وقتل أطفال غزة ونساءها بدم بارد، كما قاموا بقطع المياه والكهرباء والغذاء ومنع إدخال المساعدات الطبية الى المستشفيات وكذلك قصفها .. في جريمة حرب معلنة بامتياز سمحت لممثلي دول مثل روسيا، لدى انعقاد مجلس الأمن، أن تعلن أن ما يجري هو جريمة حرب تشبه حصار مدينة ليننغراد في التاريخ المعاصر.

لقد فضحت هذه العملية مجدداً، بعد حرب تموز 2006 في جنوب لبنان، مدى ضعف هذا الكيان الذي ظن البعض أنه لا يقهر، كما كشفت أنه لا خيار إلا للمقاومة لهزيمته، رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه بلادنا كل يوم والى الآن. ولكنه خيار حاسم يستدعي وعياً كبيراً من أبناء شعبنا إلى حجم خطورة هذا العدو الوجودي على الآمة كلها.

لقد عرّف حزبنا صراعه مع هذا العدو أنه “صراع وجود لا صراع حدود،” مما يستدعي مواجهة قومية شاملة، فالمخاطر من هذا الكيان ليست على فلسطين وحدها بل على كل كيانات هذه الأمة متآمراً على وحدتها  بتفتيت النسيج الإجتماعي  بالمؤمرات ومانعاً سبل تجزئتها بالتعاون مع الدول الطامعة بمواردنا وثرواتنا وسط التنامي الحاصل للصراع الدولي على النفط والغاز في منطقتنا.

إن عملية تبادل الأدوار القائمة اليوم بين الولايات المتحدة الاميركية والكيان الغاصب تقتضي هذا القدر من الدعم الغربي الامبريالي، وبينما تهيمن الولايات المتحدة على ثروات الجزيرة العربية وقرار الحكام العرب على السواء فأنها تريد من دولة الإغتصاب أن تؤكد دورها من جديد بالهيمنة والسيطرة الإقتصادية والأمنية بمعاونة تركيا في الشمال، من أجل أطباق الكماشة الأطلسية الداعمة للهيمنة الاميركية.

ليس امام شعبنا وأمتنا اليوم مجتمعة إلا مواجهة سياسة تبادل الأدوار القائمة والتأكيد على المقاومة القومية الشاملة ووحدة الساحات كخيار وحيد للانتصار على عدو يريد إفناءنا وإلغاءنا …..نحن بعد عمليات قتلنا اليومي ما عاد يخيفنا شيء، بل إن قدرتنا على إبداع الانتصارات باتت أقوى، وكذلك العودة باتت أقرب.