طوفان الاقصى إلى أين ستنتهي

في السابع من أكتوبر الحالي قامت المقاومة الفلسطينية بعملية عسكرية واسعة ومفاجئة، اقتحمت خلالها كل منطقة غلاف غزة، والمقصود بها المستوطنات الاسرائيلية في تلك المنطقة، واستطاعت تحقيق انتصار استراتيجيّ غير مسبوق وألحقت بالكيان الصهيوني هزيمة ساحقة أصابته بالجنون ودفعته للتفكير في مستقبل الكيان نفسه.

وصلت منطقة الشرق الأوسط كلها في العقد الأخير إلى انسداد الأفق السياسي والديموقراطي والاقتصادي والاجتماعي أمام الأنظمة وشعوب المنطقه نتيجة الضغوط الهائلة للغرب عليها،
بالعدوان المباشر أو الحصار أو الضغوط السياسية والاقتصادية الهائلة، والهدف الرئيسي إعادة ترتيب المنطقه وتهدئتها وحل الصراع العربي الإسرائيلي لمصلحة إسرائيل، بما يضمن ريادة الكيان وسيطرته تحت شعار شرق أوسط جديد .
الهدف الأميركي والغربي من ذلك كله هو حاجة أميركا والغرب إلى هدوء المنطقة وانظباطها استعدادًا للمعركة الفاصلة مع الصين، والتي سوف تبدأها أميركا في عام ٢٠٢٧ كما تتحدث عنها أميركا نفسها علانية.
فوجئ الغرب بعملية طوفان الأقصى ونتائجها الكارثية على إسرائيل، رغم أنّ الحديث السياسي في الغرب والمنطقة كان عن أنّ المخرج الوحيد للانسداد الشامل في المنطقة والضغوط الهائلة على حلف المقاومة هو حرب شاملة تعيد ترتيب المنطقه في الضد من الاستراتيجية الشاملة للانجلو ساكسون، مما سيترتب عليه تأخير المخطط الغربي لحربه السياسية والاقتصادية والحربية مع الصين.
من هنا نفهم سرعة الغرب في تحركه العسكري والسياسي إلى المنطقة وقدوم البوارج والأساطيل الأميركيه والبريطانية إلى المنطقة، فهدفها الوحيد ليس الدخول في حرب، وإنما سعيًا إلى منع باقي حلف المقاومة، وبالأخص حزب الله، من الاشتراك في الحرب مما سيقود المنطقة كلها إلى حرب كبيرة ينتظرها الحلف وإنهاء الدور الاسرائيلي في المنطقة، مما يعني أن أمريكا لا تريد حربًا في المنطقة تطيح بمخططات الانجلو ساكسون في إعادة ترتيب العالم للقرن القادم تحفظ فيها سيطرته العالمية وريادته
على البشرية.
في الرد على طوفان القدس تركت أميركا إسرائيل للرد بحرب إبادة على الفلسطينيين في غزة، تحت شعار الحرب على الإرهاب الكاذب والذي تم تدمير دولًا كثيرة في العالم من كل من يشكل خطرًا على مصالح الانجلو ساكسون من ضمنها بالمناسبة أوروبا الغربية، بدفعها إلى المستنقع الاوكراني وتدمير اقتصادها وتشجيع انتقال رأس المال الأوروبي إلى أميركا، في ظل التراجع الاقتصادي في أوروبا كلها الذي كان قائمًا على الطاقة الرخيصة والمواد الأوّلية الروسية، والتي أجبرت أوروبا الغربيو على فرض حصار اقتصادي شامل ومخيف على العلاقة الاقتصادية والتجارية مع روسيا، اودت بأوروبا إلى وضع اقتصادي غير مسبوق يخرجها رويدًا رويدًا من المنافسة الدولية، ويفقدها قدرتها على التأثير في السياسة الدولية، ويبقيها تابعًا مبتذلا لسطوه الانجلو ساكسون.
ايا كانت نتائج حرب غزة، إيجابية أو سلبية، فقد كتبت بداية النهاية لإسرائيل والتي لن تطول، وذلك بسبب نازية وعنجهية إسرائيل المستندة إلى تفوقها ودعم الغرب لها، وهنا لا بد من التفكير في موقف الغرب نفسه من الكيان.
أميركا أطلقت يد إسرائيل بالفتك بغزة بشكل بربري ووحشي وتعمل على تغطيتها سياسيًا ودوليًا وتساعدها على تهجير سكان غزة إلى مصر، والتي تقاوم لحد الآن ضغوط عالمية لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزو ومن ثم توطينهم فيها.
يجب أن نفهم أن الضغوط على مصر الشقيقة هائلة قد تؤدي بمصر، اذا استمرت بمقاومتها، إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد مما يعني تشكل مخاطر أخرى جدية بحرب إقليمية أخرى، وخاصة أنّ مصر تدرك أنها قوة إقليمية كبرى لا تستطيع أن تنكفئ في وقت يجري فيه صراع إقليمي كبير على ريادة الإقليم بين أربع دول إقليمية كبرى هي مصر وايران وتركيا والسعودية، على هذه الريادة والمؤهل الطبيعي لذلك إيران ومصر، وهذا يفرض التزامًا سياسيًا وقوميًا عليها، لا تستطيع التخلي عنه والا حلّت تركيا الطامحة والمشبّعة بأحلام طورانية تاريخية في ريادة الإقليم مع ايران.
يبقى التفكير في مدى دعم الانجلو ساكسون الكيان في حربه على غزة، وفي الحدود التي ستجبر فيها إسرائيل على التوقف بسبب عجزها أو إمكانية الانجرار إلى حرب كبيرة تلف المنطقة كلها لا تريدها أميركا وتهدد خطتها في إعاده ترتيب العالم، والتي تحتاج فيها إلى سكون المنطقة وهدوئها وضمان تبعيتها بالضغط والتهديد. وعليه أعتقد أنّ أميركا والتجربة التاريخية في الصراع قد حددت وقتًا زمنيًا لإسرائيل لإنجاز عمليتها العسكرية في غزة، ولكنه لا يمكن أن يتجاوز الشهر، وهنا ندرك أهمية صمود المقاومة في غزة لوحدها من دون اشتراك حلف المقاومة الفعلي في الحرب، وبعدها ستفرض وقائع جديدة ترعب الغرب وحلفاءه، وتجعل معركة الغرب مع الصين معقدة، وتشكل عالمًا جديدًا فيه هيمنة الغرب سوف تتأخر عن موعد الاشتباكات الفعلية مع الصين التي حددتها أمريكا في ٢٠٢٧ كما قلنا.
وسوف تظهر هنا مشكلة جديدة للغرب، وهي مدى حاجته لإسرائيل، وقد يستغرب الكثيرون مثل هذا التفكير، ولكن التاريخ يثبت ان أميركا لها تاريخ مخز في التخلي عن حلفائها وتركهم لمصيرهم المشوؤم ما دامت انتهت مصلحتها معهم.
قد يظن البعض أن هذا كلام خياليّ، وأنّ إسرائيل صنيعة الامبريالية، وبقاءها مصلحة استراتيجية للغرب، وهذا صحيح إلى الحد الذي إن كان بقاؤها يهدد مصالح الغرب في المنطقه ولا يفيدها
ووجهة نظر أخرى تقول أن إسرائيل صناعة الامبريالية والتي يحكمها ويسيرها الرأسمال اليهودي وهذا صحيح، الا أن الرأسمال اليهودي أيضًا براغماتي يبحث عن مصالحه، وضمانها وهو يجده مع الانجلو ساكسون اساسًا، والعقيدة البروتستانتية صاحبة القناعو الدينية التلمودية، وهذا كافٍ لضمان مصالح الرأسمالية اليهودية، والتخلص من فكرة إنقاذ إسرائيل ما دامت تهدد مصالح الامبريالية الانجلو ساكسونية. ولا ننسى أن هذا السيناريو سلكه رأس المال اليهودي طوال تاريخه وخاصة مع الغرب منذ القرن الخامس عشر بعد طرد العرب واليهود منها وحتى مع هتلر فقد ساعدته ومدته بالاموال وسمحت له بإبادة اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين في نفس الوقت.

كل هذا يؤشر على أن طوفان الاقصى هي إحدى المعارك الفاصلة في التاريخ ونتائجها ستفرض تاريخًا جديدًا على المنطقه وتغييرات مهمة على مسار شعوبها ودولها، رغم هول ما يجري من دمار ودم والألم يتحمله الشعب الفلسطيني الباسل ومقاومته، إلا انه يقترب بخطى ثابتة نحو قدره الموعود بالنصر ونيل حقه المشروع في الحرية، ونيل حقوقه في وطنه وعلى تراب وطنه الذي غمسه بالدم والتضحية والايثار.