الحرب المفاجئة

الحرب المفاجئة

يصعب من حيث المبدأ ، التكهن بمجريات المعركة القائمة في الجنوب المحتل وتحديدا في شريط غلاف غزة . لا من جهة الاهداف غير المعلنة حتى اللحظة ، ولا من جهة الافق المرسوم لها . ولا يمكن التوقع بعمليات اخرى وفي ساحات اخرى قبل وضوح الصورة الحالية وتلمس الاغراض المتاحة في المرحلة الاولى ومدى ارتباطها ببقية الساحات المقاومة وحدود التنسيق دعما وتعزيزا وربما انخراطا كليا في العمليات العسكرية .

ولكن يمكن الاضاءة على بعض النتائج الاولية التي ستؤثر حكما على المسار النهائي لهذه العمليات او على عمليات لاحقة من حيث التخطيط التكتيكي والعملياتي لجميع قوى المقاومة وحتى على التخطيط العملياتي للدولة الزائلة .
لقد حققت هذه العملية حتى الان ثلاث مفاجاءات مهمة في بدايتها لم تحقق سابقا وبشكل مجتمع منذ حرب اوكتوبر 1973 ، وبالطبع شكلت صدمة كبيرة للقيادة الميدانية والسياسية للعدو . والمفاجأة بالعلم العسكري هي مفتاح الانتصار .
اولا : المبادرة الى القتال والتضليل قبل بدء الهجوم . لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية ان تخفي عن العدو ، التوقيت ، تموضع القوى ، حجم القوى ، القدرة الصاروخية الهائلة بامكانية اطلاق خمسة الاف صاروخ خلال عشرون دقيقة فقط. والعملية البحرية التي سبقت العملية كاطار تضليلي .
ثانيا : المفاجأة التقنية : الوسائل المستخدمة في الاختراق الاولي ، كالطائرات الشراعية ، والباراشوتات ، ووسائل القفز الفردية فوق الحواجز والطائرات المسيرة باشكالها كافة ومهامها الاستطلاعية والتفجيرية والربط الرادوي واللاسلكي .
ثالثا : المفاجأة التكتية . وهي الدخول للمرة الاولى الى المستعمرات والسيطرة عليها بشكل كامل واخذ اسرى بهذا العدد بالاضافة الى قتلى وجرحى بالعشرات . وبالتالي نقل المعركة البرية الى داخل الاراضي المحتلة . علما ان العدو كان يتوقع سيناريو هجوم الى منطقة الجليل من الجنوب اللبناني ولم يأخذ بحسبانه ما تم فعلا من القطاع .
ان ملاحظة تلك المفاجأءات لا تعني الوقوف عندها فقط وانما ستظهر في سياق العملية بعضها الاخر التي لم يستخدم ، او لم يحن الوقت لاظهارة او امكانية استخدامه . من الناحيتين التقنية و التكتية .
لا شك ان العمليات الحالية كانت محضرة ومخططة باتقان ، والتنفيذ من القوى والوحدات المشتبكة على مستوى عالي من الحرفية .وهو ما افقد العدو ميزته الاساسية باختيار الزمان والمكان المناسبين ، والرد الفوري القوي والعميق والمتفوق عددا وعدة .ولقد ظهر جليا في تلاشي ما يسمى بفرقة غزة وغياب قدرتها على الدفاع وتحريك احطياطها لا في الخطوط الامامية ولا في العمق التكتي / العملاني .وبناء عليه تكون فقدان المبادرة لدى العدو هي باكورة الثمرات النتائج لهذه الحرب او الحروب القادمة .
من الطبيعي والمتوقع حكما قيام العدو بالساعات المقبلة بعملية هجوم معاكس كبير وواسع لاستعادة المبادرة . لكن هذا الهجوم سيبقى محكوما بمروحة من الضوابط والمعطيات السياسية والامنية والعسكرية والمعنوية . منها تدخل الجبهات الاخرى واستطرادا تحول العملية الحالية الى حرب اقليمية واسعة النطاق . ومنها وجود اسرى للعدو في عمق قطاع غزة . ومنها ايضا الشلل الجزئي لسلاح الطيران الذراع الاقوى للعدو نتيجة الحراك الداخلي بخصوص الاصلاحات المتعلقة بالمحكمة العليا . بالاضافة الى التأثير المعنوي لهذه العملية على ارادة القتال للجيش المنكفيء . ومنها انفلات ما يسمى بالجبهة الداخلية وتصعيد العمليات في الضفة الغربية ، واستخدام الصواريخ البعيدة الدى لاحداث قلق في مناطق النزوح المعتبرة امنة انيا . ربما هذه المسألة الاخيرة ستكون الثمرة الثانية لنتائج الهجوم ونلخصها بانعدام المناطق الامنة ، مما سيؤدي بالتأكيد الى الهجرة المعاكسة .
نعود لنأكد ان هذه قراءة اولية ، قد تسمح لنا متابعة مجريات الحرب دراستها بكليتها وبعمق ان نستخلص الدروس المستفادة منها .الا ان شيئا مؤكدا اصبح واقعا : الاحتلال الى زوال .

رئيس المؤتمر القومي وليد زيتوني