جوزيه مورينيو: عظيمٌ… ولكن

هو واحد من أكثر الشّخصيّات الرياضيّة إثارة للجدل، وقد شغل عالم كرة القدم بإنجازاته كما بإخفاقاته، وأكثر بتصريحاته. كيف لا يكون ذلك وهو الّذي أطلق على نفسه -بنفسه- لقب “السبيشال وان”، وهو الذي يخطف أضواء الكاميرات ببعض التصرفات الغريبة، وهو الذي يمدح نفسه بنفسه أيضًا، بتصريحات تنشغل الصحافة وينشغل المتابعون بها، وينسون النتائج والأداء، خاصّة في حال التعثّر.
ولكن هل ما زال مورينيو المدرّب المميّز، وهل ما زال من الممكن تصنيفه بين “الأفضل”؟
بدايات مورينيو في عالم التدريب كانت كقصص الخيال، مسيرته الناجحة مع بورتو خلّدت اسمه في التاريخ، ففي موسمين ونصف حقّق لقب الدّوري المحلّي مرّتين، والإنجاز الأكبر كان دوري أبطال أوروبّا مع بورتو موسم 2003 – 2004، وهو اللّقب الأهمّ للأندية الأوروبيّة، دون أن ننسى تحقيقه للقب الكأس والسوبر البرتغالي وكأس الاتحاد الأوروبي.
بعد هذا النّجاح، أصبح مورينيو مطلوبًا من أكبر الأنديّة في أوروبا، فحطّ الرحال في تشيلسي وقادهم لتحقيق لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في موسمين متتاليين، إضافة إلى كأس الاتحاد وكأس الرابطة ودرع الاتحاد. لكن، ولأنّه مورينيو، فقد دخل في خلافات مع رئيس النادي آنذاك أبراموفيتش، وتطوّرت حدّتها بسبب بعض التعيينات الّتي قام بها الرئيس رغم معارضة المدرّب، وبعد انطلاقة متعثّرة في موسم 2007 – 2008، رحل مورينيو عن النّادي اللندني، وقد قيل أنّه قد تمّ إنهاء العقد بالتراضي، لكن يُعتقد أنّ القرار اتخذته الإدارة. رحل جوزيه عن تشيلسي بصفته أنجح مدرّب في تاريخ النّادي، محقّقًا ستّة ألقاب في ثلاث سنوات.
في صيف 2008، عُيِّن جوزيه مورينيو مدرّبًا لإنتر ميلان الإيطالي، وفي جنّة كرة القدم عاش المدرب البرتغالي أفضل أيّامه، إذ حقّق لقبَي دوري محلّي، ولقب كأس ولقب سوبر إيطالي، وتوّج مسيرته مع الإنتر بفوزه بلقب دوري أبطال أوروبا 2009 – 2010، لينهي أيّامه هناك بإنجاز تاريخي جعل من الإنتر بطلًا للثلاثيّة كأوّل نادٍ إيطالي يحقّق ذلك، ورحل إلى ريال مدريد.
وصل مورينيو إلى مدريد والمنافس برشلونة يعيش أفضل فترة في تاريخه، لذلك كان المطلوب منه كسر هيمنة الكتلان، وتحقيق النتائج الإيجابيّة في دوري الأبطال، وقد نجح في المهمّة الأولى إلى حدّ ما، فحقّق لقب كأس الملك عام 2011 بعد تغلّبه على برشلونة في النهائي، وأعاد إلى خزانة الرّيال بطولة كانت غائبة منذ 18 عامًا. وفي الموسم التّالي فاز بلقب الدوري المحلّي برصيد 100 نقطة و 121 هدفًا و 32 فوزًا. لكن في الموسم الثالث، وبعد الفشل مجدّدًا في دوري الأبطال والخلافات الكثيرة بينه وبين لاعبي فريقه وعلى رأسهم سيرجيو راموس، واستبعاده لكاسياس، وانتقاده العلني لكريستيانو رونالدو، أّعلن عن رحيل مورينيو. وعاد بعدها إلى تشيلسي، وفي موسمه الثاني حقّق لقب الدوري، واختير كأفضل مدرّب، لكن بعد بدايته السيّئة في موسمه الثالث وخسارة 9 من 16 مباراة تمّت إقالته، ليختار بعدها تدريب الغريم مانشستر يونايتد الذّي كان ما زال يبحث عن تعويض مدرّبه الأسطوري، السير أليكس، فحقّق مورينيو لليونايتد لقب درع الاتحاد الإنجليزي بداية الموسم ولقب الدوري الأوروبي في نهايته كما وكأس رابطة الأندية الإنجليزيّة المحترفة، في موسمه الثاني في مانشستر لم يحقّق أي لقب وحلّ في المركز الثاني خلف مانشستر سيتي في الدوري، وبفارق كبير وصل إلى 19 نقطة. في الموسم الثالث، وقعت الكارثة وحقّق اليونايتد 7 انتصارات فقط في أوّل 17 مباراة، ليُقال السبيشال وان مجدّدًا.
بعد اليونايتد، اختار مورينيو ناديًا إنجليزيًّا آخر وهو توتنهام هوتسبور، لكنّه لم يحقّق أي لقب، وأنهى موسم 2019 – 2020 في المركز السادس، لكن في الموسم التالي تمّت إقالته، ليرحل عن نادٍ للمرّة الأولى دون أي لقب.
في الموسم التالي أصبح مورينيو مدرّبًا لروما الإيطالي، وقاده إلى تحقيق دوري المؤتمرات الأوروبي وبالتالي يكون قد حقّق البطولات القاريّة الثلاث التي شارك فيها، وفي موسميه الأوّل والثاني حلّ روما في المركز السادس في ترتيب الدوري المحلّي، لكن في الموسم الحالي يحتلّ نادي العاصمة المركز السادس عشر بأسوأ بداية موسم في تاريخ النادي، إخفاقٌ حين سُئِل عنه مورينيو قلّل من أهمّيته، وتباهى أنّ معه هو فقط لعب روما نهائيين أوروبيين متتاليين.
لا شكّ أنّ مورينيو مدرّب عبقري، وكان لقب “السبيشال وان” يليق به لفترة طويلة من مسيرته، لكن لا يُمكن إنكار واقع أنّه ومنذ مواسم عدّة يشهد تراجعًا كبيرًا في فكره التّدريبي، ينجح بإخفائه عبر التّذكير بإنجازاته السابقة.
يعيب البعض على مورينيو أنّه لا يلعب كرة قدم جميلة، وأنّه يبالغ بالدفاع، هذا الأمر كان مبرّرًا حين كان يحقّق الانتصارات والألقاب، ولكن غياب الكرة الجميلة وغياب النتائج معًا خطيئة لا تغتفر في عالم كرة القدم، كما سبق له أن دخل في خلافات مع لاعبي عدّة أندية درّبها، وحتّى أنّها كانت تخرج إلى العلن، وتتحوّل في بعض الحالات إلى خلافات شخصيّة لم يبدُ أنّه كان يحاول حلّها داخليًّا، وفتح حروبًا مع الصحافة في عدّة بلدان، وألقى باللوم عدّة مرات على اللاعبين في حال الخسارة، حتّى قال عنه اللاعب أدريان موتو الّذي لعب لفترة تحت قيادته في تشيلسي أنّه لا يحسن التّواصل مع اللاعبين ولا يمكنهم الحديث معه وأنّه يعمد إلى إغضابهم. ولم يكتفِ بذلك فقط بل حتّى أنّه أثار غضب المشجّعين مرّات عديدة عبر تقليله من قيمة الأندية الّتي كان يدرّبها بهدف التعظيم من نفسه، كما حصل مع مشجعي اليونايتد أو في تصريحاته الأخيرة عن روما.
إنّ مستوى مورينيو قد تراجع كثيرًا في المواسم الأخيرة، وهو الّذي لم يغادر أغلب الأندية الّتي درّبها إلّا بالإقالة إمّا بسبب سوء النتائج أو بسبب الخلافات أو للسببين معًا، هو مدرّب نجح في الوصول إلى القمّة لكنّه لم ينجح بالبقاء هناك، فهل سيسعى للصعود إليها مجدّدًا أم أنّ غروره سيوقعه مرّة جديدة؟