بعد ان اعتقد العدو الصهيوني أنه حقق أهدافه الإجرامية في لبنان إثر عدوان 1982، ممثلة بإنهاء خطاب المقاومة وثقافتها مقدمة لإطلاق وتمرير طبعة جديدة من كامب ديفيد، تكون محفزا لطبعات مماثلة مع الأردن والقيادة الفلسطينية وغيرهما، كان الشهيد البطل خالد علوان ورفاقه من الحزب السوري القومي الاجتماعي، على موعد مع التاريخ في عملية الويمبي ضد وحدة صهيونية في قلب بيروت، وهي العملية التي دشنت انطلاقة المقاومة، الخيار الوحيد لهزيمة هذا العدو الذي لا يعرف إلا لغة النار.
بالإضافة لثقافة وتقاليد أبناء ورفاق سعاده في الاشتباك والقتال حيثما يتجلى التناقض التناحري مع العدو، فإن الروح الجمعية للأمة زاخرة بهذه التقاليد في وجه العدو الصهيوني تحديدا منذ الشهيد البطل القائد سعيد العاص وحتى يومنا هذا.
ذلك ما أدركه هذا العدو ومعه المستعمر البريطاني ووريثه الأمريكي والحركة الصهيونية والرجعية العربية، وكانت خشيتهم كبيرة من ميلاد رافعة تاريخية تطلق ثورة حقيقية تدمج الصراع ضد وعد بلفور وتجلياته في سايكس بيكو بالصراع الاجتماعي – الثقافي ضد الاستعمار القديم – الجديد، والحدود والهويات القاتلة، وكل مساحة اقتطعت من لحم الأمة وجرى تفصيل حدود ومساحات وهويات مزعومة لها باسم هذا الكيان أو ذاك.
وقد ترافقت هذه الخشية في كل مرة مع حاجة المحور الامبريالي – الصهيوني – الرجعي بأشكال من التهدئة كلما تنامت روح المقاومة وتراكمت على طريق التحرير والوحدة القومية.
كانت المحطة الأولى في فلسطين نفسها في ثلاثينيات القرن الماضي عندما تدفق أبناء سوريا التاريخية من سعيد العاص إلى القسام وغيرهما، وتحولت الثورة هناك إلى رافعة شعبية ضد وعد بلفور وسايكس بيكو معا، فالتقى المستعمرون مع الإقطاع والرجعية العربية وكلفوا زعامات العرب الرسمية آنذاك بإطلاق نداء لوقف الثورة (ونبذ العنف) والثقة بالحلفاء الدوليين (الصديقة بريطانيا خصوصا) وانتظار حلول مشرفة وعادلة!، باسم ما عرف بالكتاب الأبيض.
وظل زعماء الأنظمة العربية التابعة في طبعاتهم الجديدة ومعهم طبعة فلسطينية مماثلة يكررون اللعبة نفسها بعد كل مقاومة جذرية، وبالمقابل وكما لم تتوقف اللعبة المذكورة ومبادراتها ومؤتمراتها وأكاذيبها ومنابرها، لم تتوقف إرادة المقاومة الحقيقية مكتسبة في كل مرة وعيا متزايدا للتناقض والصراع التناحري، يلفظ أوهام التسوية وحل الدولة والدولتين، ويربط بين يهود الداخل والخارج، بين العدو الصهيوني في دولة بلفور وبين قوى التبعية الفاسدة الذليلة في دولة سايكس بيكو.
فأرض سوريا التاريخية وخاصة فلسطين، ليست مجرد ميدان أو ساحة لتكتيكات برسم السمسرة بل بوابة للنهوض القومي برمته وهزيمة العدو الصهيوني وقوى التبعية في الوقت ذاته، وليست هرولة هذه القوى نحو التطبيع والإبراهيمية السياسية، بعيدة عن إدراك هذه القوى بأن تصاعد المقاومة وهزيمة الصهيونية هي هزيمة لها ولأسيادها الإمبرياليين، وها هي مواكب الشهداء والجرحى والأسرى على أرض فلسطين ومن أجلها وفي لبنان وسوريا، تمضي واقفة كالأشجار، فيما أبت سياسات الخنوع أن تفارق أصحابها من المحيط إلى الخليج:
قوى التبعية ومغارات اللصوص الأربعين والفساد وفلسفة السوق وجماعات البنك وصندوق النقد الدوليين.
القاتل التكفيري الجوال يشحنه الأمريكي بمقتضى الحاجة هنا وهناك.
العقل الكسول خارج الزمان.
المتلاعبون بالعقول في حرب الإعلام.
الثورات البرتقالية وهي تختطف أوجاع الناس وتحولها إلى شيكات في أرصدتهم ومخالب وأنياب في خدمة الأمريكان.
نظام التفاهة في دوائر التبعية من الأدوات الحكومية، السياسية والإعلامية إلى الذائقة المنحطة ثقافيا.
ما تركه المستعمرون في الحروب القبلية والطائفية القديمة – الجديدة، ومن ذلك الظهير البربري في لعبة المخابرات الفرنسية ضد الجزائر، والطائفية في لعبة المخابرات البريطانية من شركة الهند الشرقية مع الوهابية إلى شركة قناة السويس إلى المرشد العام، إلى شركات النفط والإسلام الأمريكي.
الثلاثون من فضة يهوذا وهي ترن في مسامع فضائيات الأكاذيب والثورات المضادة والمنابر والمواقع الالكترونية السوداء والمهزومين من عهد عاد.
موائد الشيطان وأمسيات القناصل في لبنان وغيره تمهيدا لحرب أهلية بعد أن فشل الرهان على صناديق الاقتراع.
أكاذيب حقوق الإنسان الغربية، من ديموقراطية القنابل الذرية الأمريكية على المدن اليابانية إلى السائل البرتقالي على القرى الفيتنامية إلى اليورانيوم المنضّب على المدن العراقية، إلى الخوذ البيضاء (السوداء) في سوريا قبل أن يهربهم الموساد عن طريق الوحدات الإسرائيلية في الجولان المحتل.
لكن رائحة الشهداء، كما الصبا البارد الخفيف من مارون الراس إلى الشام ومخيم جنين، ومن برتقال يافا إلى طرطوس وبوابات الأقصى وكنيسة القيامة، من دم سعاده وسناء محيدلي وعماد مغنية وعباس الموسوي وأبطال الجيش السوري وشهداء فلسطين، تهب على فقراء الأمة وأحرارها، يخرجون بين الماء والماء ومن كل فج عميق، راجعين بقوة السلاح كما رجع الصباح بعد ليلة مظلمة.