بين المنتخبات والأندية والخيارات الصعبة

بين المنتخبات والأندية والخيارات الصعبة

تنطلق البطولات الأوروبيّة ويزدحم معها جدول الأندية بالمباريات، ما بين الدوريّات المحليّة والبطولات القاريّة ومنافسات الكؤوس، وتضاف إليها المباريات الدّوليّة للمنتخبات، وهذه الأخيرة لطالما اختلفت الآراء حولها، بين من يعتبرها ضروريّة للتحضير لبطولات المنتخبات، ومن يراها مسبّبة للإرهاق والإصابات.
لا شكّ أنّ لفترة التوقّف الدّولي حسنات عدّة على الأندية واللّاعبين، كما لها أيضًا سلبيّات، فما الّذي تقدّمه مباريات المنتخبات من منافع وأين تكمن سلبياتها؟
فترة التوقّف الدّولي الأولى هذا الموسم كانت كالعادة في أيلول، ثمّ ستليها أخرى في تشرين الأوّل ثمّ تشرين الثاني وثمّ آذار. ومن حسنات هذا التّوقّف خاصّة في بداية الموسم، أنّه يمنح المدرّبين فرصةً لترتيب أوراقهم، ومراقبة البعض من لاعبيهم في مراكز وأدوار غير تلك المطلوبة منهم في النادي، فيكوّنون فكرة أفضل عن قدرات ومهارات كلّ لاعب، لتوظيفه بشكل أفضل في النادي، وقد يكون ما حصل مع نادي برشلونة في مباراته ضد ريال بيتيس، واعتماد تشافي على فيران توريس وغافي في أدوار مشابهة لما يقدّمانه في المنتخب خير دليل على ذلك. إضافةً إلى ذلك، قد تشكّل الرغبة في الاستدعاء إلى المنتخب دفعة كبيرة للّاعب لتقديم أفضل ما لديه، خاصّة أنّ نهاية موسم البطولات هذا ستعقبها بطولة اليورو 2024. والعكس صحيح، إذ قد تكون الرغبة في حجز مكانٍ دائمٍ في تشكيلة النادي سببًا في تقديم مستوى جيّد مع المنتخب، وبالتالي قد تشكّل المباريات الدوليّة سببًا لتحسّن وتطوّر مستوى اللاعبين، الأمر الّذي يشكّل نقطة إيجابيّة لأنديتهم.
وفي حين أنّ الكثير من اللاعبين يغادرون أنديتهم مؤقّتًا للانضمام إلى المنتخبات الوطنيّة، إلّا أنّ هناك القليل ممّن لا يتمّ اختيارهم لتمثيل بلدانهم، وينتهي بهم الأمر بالبقاء في مراكز التدريب وبالتالي يحصل هؤلاء اللاعبون والشبّان على فرصة لمواصلة التدريب، تحت إشراف مدربيهم، وربّما يقدّمون أداءً يلفت نظر هؤلاء فيقرّرون منحهم فرصة أكبر، كما أنّهم يحصلون على فرصة للتأقلم مع أسلوب لعب ناديهم وأيضًا يبنون لياقتهم البدنيّة لتزويد مدرّبيهم بخيار إضافي إذا ما تعرّض أحد اللاعبين الأساسيّين لإصابة.
في المقابل تشكّل المباريات الدّوليّة تحدّيًا صعبًا للأندية التي تمرّ في فترة جيّدة، فتأتي فترة التّوقّف لتقطع سلسة انتصارات لهذه الأندية، أو حتّى للتّأثير على تطوّر الفريق وتحسنّ الأداء. فغالبًا ما يتمّ التأكيد على أنه عندما يفوز الفريق، يجب عليه تحقيق أقصى استفادة من هذا الشكل لمواصلة البناء على الزخم الإيجابي من خلال لعب نوع كرة القدم الذي يحقّق الكثير من النجاح بشكل واضح، لكنّ التوقف الدولي يهدّد بوقف كلّ ذلك. فبالعادة يعود اللاعبون قبل يومين من عودة مباريات الدوريات المحليّة، ممّا يترك للمدرّبين وقتًا أقلّ للعمل مع لاعبيهم العائدين من منتخبات مختلفة، تلعب بخط وتكتيكات متباينة ومختلفة بدورها عن رؤية مدرّب النادي، وبالتّالي قد يحتاج بعض المدرّبين لوقت أكثر لإعادة إرساء الانسجام في فرقهم. وهذا الأمر تحدّث عنه مدرّب ليفربول يورغن كلوب، إذ كانت مباراة فريقه السبت ظهرًا خارج الديار، وحين طالب بتأجيلها خاصّة أنّ هناك لاعبين التحقوا بالنادي قبل الحصّة التدريبيّة الأخيرة فقط، تمّ تجاهل طلبه.
تشكّل الإصابات الّتي قد يتعرّض لها اللاعبون خلال المباريات الدّولية تحدّيًا آخر أمام الأندية، فبعد فترة التوقّف الأخيرة، على سبيل المثال، كان هناك 103 لاعبين مصابين في نوادي الدوري الإنجليزي الممتاز قبل انطلاق الجولة الخامسة نهاية الأسبوع المنصرم، فمباريات المنتخبات تلعب في فترة زمنيّة قصيرة جدًّا ويسبقها ويليها مباريات الأندية، الأمر الذي يزيد من احتمال تعرّض اللاعبين للإصابة، أو في أحسن الحالات معاناتهم من الإرهاق. لكن هذه الإصابات وهذا الإرهاق لا يكون سببه فقط المباريات مع المنتخبات، فبطولات الأنديّة تستغرق عشرة أشهر، وقد يلعب نادٍ واحد ثلاث مباريات في ظرف أسبوع بين الدوري المحلي والبطولة القاريّة أو بطولة الكأس، وفي إنجلترا مثلًا تشارك الأندية في بطولتي كأس لا واحد كما معظم الدوريات الأخرى، هذا الأمر يزيد من الضغط على اللاعبين ويضاعف من احتماليّة تعرّضهم للإصابة، ومن يكون منهم محظوظًا وينجو من الإصابة فسيعاني حتمًا من الإرهاق، الأمر الذّي يشكّل تحدّيًا مصيريًّا أمام المدرّبين، خاصّة هؤلاء الّذين لا يمتلكون دكّة بدلاء بجودة الأساسيّين.
ليس من الصعب إذًا معرفة سبب عدم شعبية فترات التوقف الدولية، خاصة بين الأندية الكبرى، لأنّه عادة ما تعاني تلك الأندية أكثر من غيرها أنّها تملك أكبر عدد من اللاعبين الذين يتم استدعاؤهم للواجب الدولي، ولكن من المستحيل إلغائها، ومن حقّ المنتخبات أن تجهّز لاعبيها للاستحقاقات الكبرى كما تفعل الأندية، ويبقى الحلّ في محاولة تقسيم المباريات بشكل يخفّف من الضغط على اللاعبين ومدرّبيهم، ومحاولة التنسيق بين مدرّبي الأندية والمنتخبات لناحية استدعاء بعض اللاعبين وإراحة بعضهم بما لا يتعارض مع مصلحة أيّ طرف من الأطراف، ودون حرمان المشجّعين من المتعة التي ينتظرونها كلّ موسم.