عندما تسأل العامة عما كان يطمح اليه أنطون سعاده، أي غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي، يأتيك جوابهم من غير اعادة للتفكير: ”يسعى الحزب القومي الى أن تحكم سورية لبنان”. تمكن مغرضين كثيرين في تشويه النتاج الفكري الذي صنعه هذا الانسان غير الاعتيادي. وهذا المأخذ الخطأ، الذي أضحى مرسخًا عند العوام، هو نتيجة محاولة اسقاط فكرة سعاده المتقدمة بعامل الفكر الرجعي المتخلف، الذي تنتهجه بعض الأحزاب في لبنان. يأخذ العوام الفكر من الناحية الطائفية القبلية التي تسود بلادنا، حيث تعتقد الاحزاب الطائفية وخاصة المارونية منها أن سعاده كان يطمح، بسبب كره دفين ما، الى الغاء الامتيازات التي حصلت عليها الطائفة المارونية في لبنان وإعطاء المسيحيين الأرثوذكس السلطة الأكبر على باقي الطوائف المسيحية نتيجة لذوبان باقي الطوائف المسيحية مع العدد الكبير من الأرثوذكس في المنطقة، بينما كان سعاده ولا يزال عاليا عن أن يحصر بطائفة أو جماعة ما، كان ثائرا للنهضة التي تسعى للتخلص من هذا الفكر الرجعي.
عندما نقرأ سعاده جيدا يتضح لنا أنه لم يكن يحارب طائفة بالنيابة عن أخرى، ولم يكن يسعى لإلغاء الكيان اللبناني من الوجود، أو حتى “ضم” لبنان لأي “دولة” أخرى، بل كان يحارب للإنقاذ اللبنانيين. بينما كان أغلب المفكرين في المنطقة يرضخون لإرادة الأجنبي في تقسيم المنطقة سياسيا كان المفكر أنطون سعاده يقول لا، لا لفرض إرادة الأجنبي على شعوب المنطقة، ونعم لتقرير شعوب المنطقة مصيرها وحدها.
كان سعاده يدرك أن التقسيم “الإداري” الذي فرضته اتفاقية سايكس-بيكو كان تقسيما سياسيا واجتماعيا محض، ومن خلال ذلك عملت الدول المستعمرة على استثمار العامل النفسي، عبر تسعير الخلاف ما بين أبناء الأمة الواحدة لإقناع شعوب “الدول” بجدوى “استقلالها”، واستثارة الحس الاثني خطأ خاصة في ذهنية أبناء الطائفة المارونية عبر تثبيت مقولة أنهم “فينيقيون” وليسوا سريانا سوريين وتفريقهم عن محيطهم وعزلهم عن بيئتهم السورية، وبالتالي انعزالهم عن محيطهم العربي. عارض سعاده هذا الدور “الأبوي” الذي لعبته فرنسا وبريطانيا في المنطقة، وكان يطالب هذه الدول بالاعتراف بالقوة الكامنة في نفوس البنانين وارادتهم الحرة من خلال اجراء استفتاء يحدد هوية لبنان ودوره في المنطقة، الأمر الذي رفضه قطعا مندوبي الاستعمار.
استطاع الاستعمار لاحقا ايهام اللبنانيين أن إرادة الشعب هي من صنعت لبنان، بينما ابتدعته المصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط. ثم تفرغت لتأسيس النظام اللبناني المبني على “الديموقراطية التوافقية” أي الحكم القبلي الطائفي. لم يوفر سعاده جهدا في مواجهة هذا النظام الطائفي الفاسد، مدركا خطورته على مستقل البلاد وما ستنحدر اليه من درك وتفكك، لذا ثار في وجه الذين كانوا يعتقدون بوجود “لبنانيين صرف ولبنانيين غير صرف” وما يرمز اليه هذا الفكر من مشروع تقسيم محتمل اضحى جليا اليوم يفرق بين أبناء لبنان على أساسٍ طائفيٍ. لاحظ سعادة مسبقا الميول الصهيونية التي زرعها الاستعمار في بعض اللبنانيين، ووقف في وجه رجال الدين الداعيين بأن “اسرائيل الملجأ الوحيد ضد الاستعمار السوري” وأنه “لن يكون تفاهم أبدا بين المسيحيين والمسلمين”. كان يؤكد، كلما أتاحت له الفرصة، على ضرورة فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية والقضائية على حد سواء.
لم يكن سعاده من الذين يرفضون من أجل الرفض فقط. فرغم نقده القوي للنظام القديم الرجعي، قام أيضا بطرح نظامه البديل المتكامل في “المنهاج النيابي للحزب القومي الاجتماعي” الذي شرح فيه رؤيته لوضع لبنان على السكة الصحيحة، وإيصاله الى النور وجعل هذا النور يمتد ليشمل باقي المنطقة.
جاء اغتيال سعاده من قبل النظام اللبناني محاولا إلغاء مشروعه ومستقبل لبنان واللبنانيين. فاغتاله الهادفون الى ابقاء الشعب اللبناني في الظلمة طمعا بالمصالح الفردية على حساب مصلحة الشعب، ولازالت مطالب سعاده تذكر على لسان اغلب اللبنانيين، من قبل الذين جهلوا مشروعه قبل أولئك المؤمنين به، رغم سعي الكثيرين لتشويه صورته والباس حركته لبوس الغول.
ناموس مديرية الجامعة اللبنانية المستقلة
الرفيق هشام كشلي