ليونيل ميسي، اسم يختصر عظمة كرة القدم

إن عدت بالزمن بضعة شهور وقلت لأحد مشجعي كرة القدم أنّ ليونيل ميسي سينتقل للّعب في الدوري الأميركي، لسخر من الفكرة، وسألك لماذا “سيدفن” أفضل لاعب في العالم نفسه في دوري مغمور، لكنّ ميسي فعلها، وأصبح لاعبًا لإنتر ميامي، ولم يدفن نفسه، بل بعث الحياة في عالم رياضة كانت شبه مغمورة في بلاد العم سام.

في أوروبّا، وفي العالم، حقّق ميسي كلّ ما يحلم به لاعب كرة القدم، من بطولات جماعيّة وفرديّة، مرورًا بالثّروة الهائلة، وصولًا إلى احتلال قلوب ملايين العشّاق حول العالم.
هو لاعب في جعبته بطولة كأس عالم، بطولة كوبا أميركا، بطولة فيناليسميا، الأولمبياد، كأس العالم للشباب، عشرة ألقاب في الدوري الإسباني واثنين في الدوري الفرنسي، سبع مرّات تُوّج بطلًا لكأس ملك إسبانيا، وثماني مرّات للسوبر الإسباني، حقّق السوبر الفرنسي مرّة وكأس الدّوريّات الأميركيّة مرّة، أربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا حملها الأرجنتيني، وثلاثة ألقاب في السوبر الأوروبي ومثلها في كأس العالم للأنديّة، لتكون الحصيلة أربعًا وأربعين لقبًا جماعيًّا.
أمّا على الصعيد الفردي فقد حصد ميسي أكثر من خمسين لقبًا، أبرزها الكرة الذّهبيّة في سبع مناسبات، وجائزة الأفضل من الفيفا وهدّاف الدّوري الإسباني وأفضل لاعب في كأس العالم وهدّاف دوري أبطال أوروبا وغيرها من الألقاب في أكثر من مناسبة.
عظمة ميسي لا تختصرها الألقاب، ميسي لاعب متكامل في الشقّ الهجومي من الملعب، لاعب كان مزيجًا من الموهبة والمثابرة، فجمع بين تسجيل الأهداف وصناعتها، وبين دقّة التمرير والمراوغة. هو الذي يستطيع إسكان الكرة في الشباك بعد تلقّيه تمريرة من زميل، كما يستطيع إحراز الأهداف بعد مجهود فرديّ عظيم، بالقدم اليمنى كما اليسرى أو حتّى بالرأس، وقلّما يخطئ من نقطة الجزاء أو من ضربة حرّة، حتّى لم يترك أيّ حارس مرمى في العالم ينجو من تسديداته. لكنّ قدرته على التسجيل من أيّ نقطة في الملعب لم تجعل منه لاعبًا أنانيًّا، بل يُعرف ميسي أيضًا بقدرته العظيمة على خلق الفرص وتمرير الكرات الحاسمة لزملائه بطرق فنيّة تُقارن بلوحات أشهر الرسّامين.
هذه الرّوعة في الأداء جعلت من الكثيرين من عشّاق كرة القدّم ينصّبون ميسي على عرش “الأفضل في التاريخ”، وهو لقب يمكن القول أنّه مستحقّ، والدّليل على ذلك المحبّة والاحترام اللّذان يتلقّاهما أينما حلّ، طبعًا مع بعض الاستثناءات، مثلما حصل في العاصمة الفرنسيّة باريس، حيث تلقّى بعص الانتقادات من جماهير المنتخب الذي كان ضحيّة للأرجنتين وميسي في نهائي كأس العالم 2022، وبحجّة أنّ “البرغوث” الأرجنتيني لم ينجح بتحقيق لقب دور أبطال أوروبا مع نادي باريس سان جيرمان.
عظمة ميسي ظهرت جليًّا بعد انتقاله إلى إنتر ميامي، فقد جذب هذا الانتقال أنظار العالم أجمع إلى دوري كرة القدم للمحترفين، والذي كان دوريًّا شبه مغمور، على الرغم من أنّ بعض أشهر اللاعبين لعبوا فيه خلال مسيرتهم، كديفيد بيكهام، زلاتان ابراهيموفيتش، واين روني، ديدييه دروغبا، أندريا بيرلو، ديفيد فيا، تيري هنري، باستيان شفاينشتايغر، فرانك لامبارد، كاكا وغيرهم. لكنّ كلّ هؤلاء لم يستطيعوا جذب الاهتمام لكرة القدم في أميركا كما فعل ميسي، فمنذ وصوله أصبحت بطاقات مباريات إنتر ميامي تباع بسرعة قياسيّة، وتمتلئ مدرّجات الملاعب بالكامل، مع ظهور كبار المشاهير من عالم الغناء والتمثيل والرّياضات الأخرى في الملاعب.
تواجد ميسي في الدّوري الأميركي دفعة معنويّة لكرة القدم في البلاد، ففي الولايات المتّحدة ينصبّ الاهتمام الأكبر على كرة القدم الأميركيّة وكرة السّلّة والبيسبول، وتأتي كرة القدم في المركز السادس من حيث الشهرة. ولكن، والولايات المتّحدة تستعدّ لاستقبال فعاليات بطولة كأس العالم 2026، رفقة كندا والمكسيك، فقد نجحت من جعل نفسها قبلة أنظار عشّاق ومشجّعي كرة القدم قبل الحدث المنتظر بثلاث سنوات، وكلّ ذلك بفضل لاعب واحد هو ليونيل ميسي، ونجحت باستقطاب اهتمام الصحافة العالميّة، وتكاد الأخبار المنشورة عن الدوري الأميركي توازي تلك المنشورة عن الدّوريّات الأوروبيّة الكبرى في أهمّ المواقع والصّحف الرياضيّة العالميّة، وألقى الاهتمام بأخبار كرة القدم في أميركا بظلاله على باقي اللاعبين المغمورين هناك، وبدأت أسماؤهم وأخبارهم تنتشر فقط لأنّهم زملاء أو خصوم ميسي.
لا شكّ أنّه في عالم كرة القدم، ما قبل ليونيل ميسي ليس كما بعده، ويكاد تاريخ السادس عشر من شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام ألفين وستة، تاريخ أوّل ظهور لميسي في الملاعب بقميص برشلونة وهو بعد في السادسة عشرة من عمره، يصلح ليكون العام صفر في تقويم كرة القدم، لأنّ ميسي نجح، وبكلّ بساطة، في إعادة كتابة تاريخ كرة القدم.