لم يكن طلال سلمان صحافيًا عاديًا يمرّ بحياة الأوطان. هو من طينة أولئك الذين يؤرّخون الحقبات، ويجدون لها التسميات، ويضعون لأيّامنا العناوين. كل مانشيت وضعه “أبو أحمد” أرّخ فيه حكاية شعبٍ، حكاية أناس واجهوا ووقفوا، انتصروا مرّات ونُكبوا مرّات، وربّما أرخت الهموم بثقلها على وطنهم، ولكنّهم بمرآة طلال سلمان لم تحوّلهم النكبات من أشخاصٍ أقوياء إلى أشخاصٍ جبناء.
هؤلاء الناس يشبههم طلال سلمان، وكأنّه شقيقهم التوأم. نعم طلال سلمان كان توأم شعوب بلادنا. انتصر مرّات، وأسّس لصحيفة حاكت مسائل الأمّة كما تحيك الأمّ ثوب ابنتها في ليلة عرسها. حرص على أن يعكس مرارة الواقع دون أن يكسر القرّاء. واجه حين أرادوا إسكاته، ونُكِب حين أغلق السفير وخفت صوت الذين لا صوت لهم. ولكن طلال سلمان بقي القوي، الذي ينطق بالحق ما بقي، ولم تحوّله النكبات إلى مستسلم.
مات طلال سلمان، وهذا أمر طبيعي أن يموت كل رجلٍ استثنائي، ولكن في الحقيقة ترك الرجل وراءه الكثير. ترك لنا أصعب ما يفتقده مجتمعنا. ففي مجتمعنا هذا هناك الصحافيون وهناك الكتّاب وهناك المحرّرون ولكن قد جفّ من وسطنا الأساتذة. أساتذة تحتاجهم الصحافة المقاومة كي تؤهّل كتّابها وصحافييها ومحرّريها ومن يملكون النيّة في المواجهة بسلاح الكلمة والحقيقة. أساتذة يصنعون الرأي العام، في زمنٍ بتنا نربح فيه على الأرض ونخسر فيه على الشاشات. أساتذة كطلال سلمان يعلّمون جيشًا كاملًا من الصحافيين أن يقول “الجنوب يحرّر الوطن” لا أن يستبدل الراء بقاف.
أساتذة يصنعون صمودًا في مجتمع بأكمله، يصنعون ثقافة حياة لا استسلام، وثقافة صراع الوجود لا صراع حدود. ترك طلال سلمان مسيرة طويلة، يمكن لأي راغبٍ في السير على الصراط المستقيم أن يدخل إلى أرشيف السفير ويدرس كيف حوّل طلال سلمان، على مدى عشرات الأعوام، كل شارٍ لصحيفته من قارئ إلى مقاومٍ.
عميد الاعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي ماهر الدنا