عمامة ميكافيلي

للموت هيبة واحترام، وهو نهاية كل حي. وقد علمتنا مدارس مكارم الأخلاق أن الشماتة، من سوء الخلق خاصة في الموت. فالموتى اصبحوا في عهدة أخرى وخارج دوائر المحبة أو البغض، إلا أن بعض ممن يرحلون عنا والذين لعبوا أدوارا في الشأن العام لا ينطبق عليهم ما تقدم. فآراؤهم و أعمالهم قد كان لها تأثيرا عموميا وفي حالات عدّة لا يزال تأثير أفعالهم متواصلا، وبالتالي فإن تقييمهم وانتقادهم سلباً أو إيجاباً هو حق للجميع، و من هؤلاء الراحل الشيخ يوسف القرضاوي المصري الأصل القطري الجنسية والولاء.
أسّس القرضاوي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وترأسه لفترة طويلة، عرفناه مع انطلاق عهد القنوات الفضائية حيث كان ضيفا دائما على قناة الجزيرة. أُعجبنا بشخصيته الهادئة وملامحه البشوشة التي تنم عن طيبته، والأهم أعجبنا باعتداله وانحيازه للمقاومة. لكن مع اندلاع الحرب الكونية على الشام وما اطلق عليها زورا اسم الربيع العربي انكشف غطاؤه ليتبيّن أنه شيخ ماكر، يؤمن بنظرية التمكين، التي تمثل النسخة الإسلامية لانتهازية ميكافيلي، وهي نظرية تتطابق مع المثل الشعبي “تمسكن حتى تمكن”. فانكشف زيفه وظهر على حقيقته كبوم ناعق وعقل دموي غرائزي متوحش لا يتورع عن التحريض على قتل المخالف في الرأي حتى ولو كان رجل دين بأهمية ومكانة الراحل سعيد رمضان البوطي. ثم وفي خطبة جمعة بثّتها قناة الجزيرة، طالب القرضاوي الرئيس الأميركي يأن يقف وقفة حق ويدمر بلادا عربية وإسلامية منها سوريا وليبيا في وقت كان لا يزال يرأس الاتحاد العالمي المذكور.
القرضاوي هو الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها ومنها حركة حماس التي احتضنتها دمشق لسنوات، رعتها الدولة السورية كما لم ترعَ أي حليف لدرجة أنها نافست حزب البعث الحاكم، ومثلها مثل أبيها الروحي انقلبت على راعيها وحاميها مع انطلاق ريح السموم وأعلنت الحرب على سوريا. رعتها ايران ودعمتها في حين احتفل أنصارها بتوزيع الحلوى في قطاع غزة فرحا وابتهاجا عندما اعلن عن استشهاد الفريق قاسم سليماني باعتباره شيعيا رافضيا. ومن هذه التفرعات الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني التي أرسلت شبابا من الجليل والمثلث لتركيا ثم إلى سوريا للقتال في صفوف الإرهابيين باعتبار النظام في دمشق هو العدو لا من يحتل مدنهم وقراهم. ومنظّر هذه الحركة الشيخ كمال الخطيب المحاضر في جامعه تل أبيب، له تصريحات تؤيدها حركة الإخوان المسلمين ومستمدة من الفكر القرضاوي ترى انه يفضل بقاء الدولة اليهودية على تحرير فلسطين بيد الشيعة.
مات الشيخ القرضاوي لكن سمومه الفكرية لا تزال حية، اللهم لا شماتة.

سعادة مصطفى ارشيد