يتكشّف كل يوم المزيد من تفاصيل الأزمة التي يعانيها جيش العدو، وتتصاعد المخاوف من تفكك كبير يصيب هذا الجيش، فقد كان لخطة التغييرات القضائية التي قادتها حكومة بنيامين نتياهو، والتي أدت إلى اشتعال الشارع “الإسرائيلي” ضد هذه الحكومة، كان لها الأثر الكبير في هذا الموضوع، حيث يزداد يوماً بعد يوم عدد أفراد قوات الاحتياط من جميع الأقسام، الذين يرفضون الخدمة العسكرية، ورغم كل محاولات تحييد الجيش عن هذه الأزمة، والعمل على إبقائه خارج الخطاب السياسي، إلّا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، فهذا الجيش موجود في قلب الحدث.
ويؤكد جنرال سابق أن سر قوة الجيش، ليس الطاعة العمياء، بل روح التطوع والمبادرة المنتشرة في كل عناصر قوته المميزة، من اليمين ومن اليسار، من المركز ومن بلدات المحيط، متدينين وعلمانيين، هي التي تجعل الجيش “الإسرائيلي” جيش الشعب، وروح التطوع هذه هي في خطر وجودي، بدونها الجيش “الإسرائيلي” الذي نعرفه سيتفكك، كل ما سيتبقى هو جيش عادي، عديم البريق المميز وسر ردعنا، وعلى المستوى العملي، بدون منظومة احتياط، التي تكاد تقوم تماماً على أساس التطوع، وبالتالي فإن “إسرائيل” تقف أمام أيام دراماتيكية، ونموذج الجيش، مثل كل الأمور المسلم بها، حين تختفي يبدو نقصها وهشاشتها.
وأكدّت وسائل إعلام “إسرائيلية”، أنّ الضرر يكمن بخروج عدد كبير من أفراد الجيش، عن واجب التحفظ، والتعبير علناً عن آرائهم ومواقفهم السياسية، بما يتماهى مع حالة عصيان الأوامر، إضافةً إلى التأثيرات الغير واضحة حتى الآن، على الخدمة الدائمة في ظل حالة الاستقطاب والتنازع الشديد بين شارعين متباينين، إلى حد التناقض في أشياء كثيرة، وقد قدم كبار المسؤولين في الجيش رسائل مقلقة إلى المستوى السياسي بشأن استمرار تماسك الجيش، وما يصيب كفاءته القتالية من ضرر بالغ في المستقبل.
وكان أكثر من عشرة آلاف عسكري احتياطي، قد هددوا بالامتناع عن الخدمة العسكرية احتجاجا على التعديلات القضائية، وأبلغ حوالي 700 طيار احتياط، قادتهم برفضهم مواصلة التطوع في الخدمة، وأيدهم رؤساء سابقون لهيئة أركان الجيش “الإسرائيلي” وجهازي الموساد والشاباك، الذين كانوا قد حذروا من أن ما تقوم به الحكومة خطير للغاية على النسيج الاجتماعي في “إسرائيل”، ومن شأنه شق صف الجيش والشعب على نحو لا يمكن توقع تداعياته السلبية وإتاحة المجال لاستبداد يميني عقائدي متطرف، وفي المقابل فإنّ عدداً كبيراً من الذين امتثلوا لأوامر الاستدعاء، قالوا أنّهم امتثلوا تجنباً لخرق القانون، وأنّهم سيطلبون أن تسند إليهم مهام ثانوية في الصفوف الخلفية، وسيحاولون التهرب من القتال والمهام الأمنية الروتينية.
وفي مقال تحليلي في صحيفة هآرتس، يقول الكاتب الصحفي “الإسرائيلي” يوسي ميلمان، إنه ما من يوم يمر دون أن يتلقى رئيس أركان الجيش وضباط الأركان العامة والقادة الميدانيون في الجيش، حالات لجنود احتياط يعلنون أنهم لن يستجيبوا إذا ما استدعوا للخدمة العسكرية، أو أنهم يفكرون في اتخاذ هذا الخيار، وأكّد أن الأمر الذي قد يقلق رئيس أركان الجيش، هو أن الضباط الشباب من ملازمين ونقباء، ممن عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيجددون عقودهم لمواصلة الخدمة في الجيش يرفضون بشكل متزايد مطالب قادتهم للقيام بذلك، وقال إن وحدة العلوم السلوكية في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن الجانبين النفسي والاجتماعي لأفراد الجيش تجد صعوبة في تحفيز الضباط الشباب على الالتزام بالخدمة العسكرية رغم استدعائها مفاهيم مثل الصهيونية وخدمة الدولة، وأرجع السبب في ذلك إلى سياسات الحكومة اليمينية الجديدة التي قال إنها تعمل على تقسيم المجتمع وتمزيق نسيجه الهش.
إلى جانب أزمة التعديلات القضائية، يبرز سبب آخر يساهم في تقويض ركائز الجيش، هو ما يتعلق ببند في اتفاق ائتلاف الحكومة الحالية، الذي يعفي اليهود المتدينين المتشددين المعروفين بـ”الحريديم” من الخدمة العسكرية، وهو ما يوسع الشرخ داخل هذا الجيش، ويسرّع في انهياره.