400 سنة من الرعب العثماني … يرويها المفكر العربي الدكتور موفق محادين

كلما بحثت في المرحلة العثمانية احس أننا نبحث في مرحلة لعينة أصبنا فيها باللعنة العثمانية التي كانت بحق أقسى ضربة تعرضت لها الحضارات المشرقية الأصيلة .. فالحالة التركية كانت دخيلة على الثقافة المشرقية وعلى الاسلام نفسه لأن الأتراك لايحق لهم قيادة الاسلام أصلا وهم دخلاء عليه فهم قبائل رعي مهاجرة من أسيا الوسطى وتحولت الى قوة للايجار وتصدير المرتزقة .. دخلت اللعبة السياسية والمقامرات بين المتصارعين الى ان تمكنت من الانفراد بالسلطة .. ولم تكن لها اسهامات لا حضارية ولا جهادية ولا في توسيع الاسلام كفكر .. بل انها حولته الى وعاء تجمع فيها مسروقاتها وترمي فيه قاذوراتها السبخية لأنها صارت مالكة للأناء بحكم السيف .. والغريب ان هذه القوة الدخيلة على الشرق صادرت حق الخلافة من العرب الذين هم أساس الاسلام وهم صناع خلافاته الأربع .. الراشدية والاموية والعباسية والفاطمية .. لا بل ان الاستشراق حدث في جله في المرحلة العثمانية حيث أسواق العبيد والنساء وحفلات قطع الرؤوس التي دونها المستشرقون .. والتي أعاد انتاجها في داعش .. كانت نسخة عن المرحلة العثمانية التي دونها المستشرقون وترجمها الغرب والاتراك في الربيع العربي ..


أحس ان الاضاءة على هذ المرحلة شابها القصور والتقصير .. وهذا ماجعل عملية تغلغل المشروع التركي سهلة لأن الأخر لم يتحصن بتدريس أبنائه في المدرسة مادة اسمها الفترة العثمانية .. فنحن ندرس المرحلة الاموية والعباسية والاندلس بالتفصيل ولكن 400 سنة كاملة من الغياب والسبات الحضاري لانعرف عنها الا النزر اليسير وفي بضع صفحات .. رغم انها كانت 400 سنة من الرعب الحقيقي والموت الحقيقي .. ويكفي الاطلاع على الوضع الاجتماعي – لا السياسي العربي – في سنوات الرعب حتى نعرف ماذا جنينا من تجاهل تعليم هذه المرحلة التي يجب ان تكون مقررا منفصلا في المناهج التدريسية كي لايعود الينا الاخوان المسلمون لاغوائنا بالعثمانية والأحلام الطورانية الحقيرة …


طبعا منذ ان قررت اميريكا اطلاق الحلم الطوراني في تركيا من سجنه لاحلاله محل الحلم العربي والاتراك يعملون بنشاط منقطع النظير للعودة لتتريك المنطقة العربية وخاصة سورية والعراق ومصر ..


ويبدو ان هناك عقدا للتخادم بين الأتراك والاميركييين والاسرائيليين يدرك فيه الاتراك حدودهم لكنهم يلعبون لعبة الوقت والمقامرة .. فمن الواضح ان رغبة الغرب واميريكا في اطلاق يد تركيا في الشرق الأوسط كانت لغاية محدودة فقط ولفترة محدودة وهي تحجيم الدور الايراني واسقاط الكيان العربي الاخير في سورية واكمال صراع الهلال الشيعي المزعوم مع الهلال السني الذي خلق في الربيع العربي .. مع منع استعادة الدولة العثمانية حتما ..

والاتراك ادركوا ذلك مؤخرا وبأنهم اداة في يد الاميريكيين ولن يسمح لهم باعادة الاستيلاء على المشرق لأن الدولة العثمانية لايراد لها ان تعود باي شكل .. ولكن الاتراك في هذا الوقت الضائع بتابعون غزوا ثقافيا للمشرق العربي .. فهم ينتجون الافلام والاعمال الدرامية التي تمجد المرحلة العثمانية .. ويوزعون صورا السلاطين وبنات السلاطين ويثيرون الحنين الى تلك الايام .. عن ارطغرل وعن حريم السلطان ووو … ويبيعون مسلسلاتهم للعرب ليدبلجوها ويقدموها للجمهور العربي .. بل ان احدى الشخصيات الفنية المصرية اعترفت انها لم تكن تعلم انها تشاهد دراما تركية الا في الحلقة السابعة لأن العمل مموه جدا ومغطى بأصوات عربية … وهي عملية ينخرط فيها السوريون بشكل ملفت للنظر وكأنهم لايدركون خطر عملية تتريك الذائقة والثقافة .. التي ستسهل مضغ الثقافة التركية وجعلها قريبة منهم .. أي عملية تطبيع او تتريك خفي … فهم في الشمال السوري يعملون بشكل حثيث على تتريك المنطقة واشاعة اللغة والتعليم التركيين والعملة التركية .. وينشرون مؤسساتهم الخدمية ..


وهم يتصرفون مع الشعوب التي لاتخضع لهم كما يفعل الاسرائيليون عبر عملية تطبيع وتهويد في نفس الوقت .. والتطبيع بين اي ثقافتين يعني ان تندمحا بسبب اختفاء حواجز الفصل النفسية ونسيان الماضي لأن الماضي فيه حقائق مرعبة تمنع الاندماج .. وهذا التطبيع يكون في كل المناسبات الاجتماعية والدينية وفي الشوارع واللقاءات الرياضية والحفلات .. والمؤتمرات .. ولكنهم في فلسطين يقومون بعملية تهويد للأرض والجغرافيا والتاريخ .. وقد استسخ الاتراك هذه العملية المزدوجة فهم يطبعون مع العرب على ان ينسى العرب مظلمة 400 سنة بل ويحنوا اليها عبر برنامج خداع يتولاه الاسلاميون .. فيما تجري عملية تتريك ونهب ثقافي لكل المناطق التي يتواجد فيها جيش تركي .. وعملية محو سريعة للعروبة والعرب .


للأسف الحكومة السورية وهي المعنية الاكبر بايقاف التتريك الجماهيري والثقافي .. ولاتقوم باي اجراءات لمنع التداخل الشعبي او منع البضائع التركية ومعاملتها على انها اسرائيلية ..و لاتزال الموسسات الثقافية والفنية والاعلامية السورية لاتعير اهتماما للخطر الثقافي التركي الذي يروج له بشكل خبيث ومندس .. وهي تتتصرف بلامبالاة على ان الدراما التركية ليست خطرا .. والاندماج العربي التركي في المناطق المحتلة ليس خطرا .. والتطبيع الثقافي والدرامي ليس خطرا .. ولذلك فان هناك جيلا كبيرا سينشأ لايعرف من هي تركيا الا انها الأم الحنون في اللاوعي ..


ولذلك وجدت ان من الملائم ان يطلع من يهمه المستقبل على هذا الفيلم من الرعب .. 400 سنة من الرعب .. يفصلها لنا المفكر العربي الكبيرالدكتور موفق محادين .. ويحكي لنا عن طريقة اذلال العرب وسحقهم في الدولة العثمانية ويحكي لنا عن أبشع عملية تجنيد في التاريخ عبر ضريبة هي ضريبة الاولاد .. حيث كل عائلة مسيحية مشرقية مفروض عليها ان تقدم احد ابنائها ضريبة للسلطان .. وتتخلى عنه .. او تهديه للسلطان ليأخذه الدرك الى معسكرات التدريب ليكون مقاتلا انكشاريا .. يتغير اسمه وينفصل عن عائلته الى الابد .. وبذلك تشكل اكبر جيش انكشاري في التاريخ بسبب هذه الضريبة .. وكانت المعارك العثمانية تخاض بأبناء الانكشاريين ودمهم .. ومن ابناء بلادنا .. وهو عينه البرنامج الذي طبقته داعش فيما سمته أشبال الخلافة .. وهو نسخة عن ضريبة الاولاد ..
هناك تفاصيل للرعب والاضطهاد ستعيشها في هذا الفيديو عن الاقليات والعلويين والسنة العرب .. وعن ضريبة العزوبية .. وضريبة الزواج .. وكل شيء ضرائب كي يتمتع العثمانيون الاتراك بالرفاهية والخدمة ..


قراءة التاريخ يجب ان تكون مثل كتاب الصلاة والصيام .. والا فان رعب التاريخ سيعود بأشكال جديدة عبثية حمقاء