الصدق القومي الاجتماعي هو قيمة مجتمعية سامية، قيمة نفسية أخلاقية، يتحلى بها أبناء الحياة المؤمنون الأوفياء والعاملون بإخلاص وعزيمة صادقة وتفانٍ لا حدود له من أجل إصلاح المجتمع من آفاته وبناء الحياة القومية الجميلة، الراقية، حياة العز والرقي والفلاح.
الصدق القومي الاجتماعي الكامن في صلب التعاليم القومية الاجتماعية وفي قَسَم يمين الانتماء هو نهج ومقياس للعاملين المصارعين لتحقيق نهضة مجتمعهم وسعادة أبنائه. وهو عقلية مناقبية جديدة راقية ترتكز عليها الحياة القومية الناهضة التي لا تتحقق إلا بالبطولات والآلام والتضحيات وبالنفوس العظيمة المؤمنة والممتلئة نوراً ومعرفة وحكمة وعزيمة والطافحة بالحب والإيمان والإخلاص وبالمطامح الراقية والمقاصد النبيلة.. هذه العقلية المناقبية من الضروري فهمها لأنها، برأي سعاده، «شيء أساسي جداً»[1]. لذلك فهو يقول:”العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسّسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدّمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها ولأعمالها ولاتجاهها.”[2]
والصدق القومي الاجتماعي هو فضيلة مجتمعية جميلة تُغني النفس الإنسانية وتُنزِّهُهَا عن المساوئ والشرور وترتقي بها إلى أعالي القيم الإنسانية، لأنها تعتمد الصراحة القومية والشفافية والموضوعية وتصارع الباطل لينتصر الحق القومي وكلّ القيم المجتمعية من مساواة وعدل وخير وسلام وجمال. فلنقرأ ما يقول الزعيم الخالد في تعليمه المناقبي:
أما السياسة، سياسة الثعلبة، سياسة الغايات الخصوصية، سياسة النفاق والزندقة، سياسة تجويع الشعب… هي سياسة رفضتها، ولستُ سياسياً من هذا النوع! إنّ سياسة الاستهزاء بأماني الشعب وآماله، واحتقار آلامه، ودوْس يقينه ورجائه، والمرور عليهما إلى الغايات الشخصية والمرامي الخصوصية، هي سياسة احتقرها.[3]
إنّ السياسة الواحدة الوحيدة التي أعرفها هي سياسة الحق والصراحة لهذا الشعب، وهي سياسة تعليمه وإفهامه حقيقة وضعه، حقيقة داخليته، وحقيقة القوى الكامنة في نفسه، ليرتقي إلى المجد الذي يستحق الوصول إليه.[4]
والصدق القومي الاجتماعي هو أسلوب جديد لحياة راقية وقاعدة مناقبية يلتزم بها أبناء الحياة الصادقون الذين يسيرون على طريق الحق واليقين ويتوسَّلون الصراحة والمنطق والجلاء والوضوح في مفاهيمهم وفي إعلانهم الحقيقة ودفاعهم عنها ويعتمدون الجرأة في مواجهتهم للفساد والمفسدين ويتسلحون بالبطولة الواعية في قتالهم للأعداء لأنّ غايتهم السامية هي بناء الحياة العزيزة لشعبهم، الحياة المشّعة خيراً وعدلاً وجمالاً وتألقاً. هذه هي سياسة الصدق التي تعلمها القوميون الاجتماعيون من زعيمهم الخالد:
السياسة، أيها القوميون الاجتماعيون، تختلف في عرفنا عنها في عرف الآخرين. نحن لا نتاجر بالمبادئ، ولا بالصداقات، ولا نخلف الوعد، ولا نستهزئ بأماني الشعب، ولا نحتقر حاجاته ورغباته. نحن نؤمن بحقيقة الشعب، ونعمل لحقيقة الشعب. نحن نقدّس آلام الشعب ونبذل نفوسنا فداءً للشعب. نحن لا نستهزئ، ولا ندوس أماني الشعب بأقدامنا، بل نرفعها على هامنا ونبذل دماءنا ونفوسنا في تحقيق أماني الشعب.[5]
والصدق القومي الاجتماعي بالنسبة لأبناء الحياة الصادقين هو تعبير عن عظمة نفسيتهم الجميلة ووجدانهم الاجتماعي ومحبتهم لأبناء قومهم وتمسكهم بالفضائل النبيلة وطموحهم إلى تحقيق وجود سامٍ خالٍ من الكذب والدجل والنفاق والخداع والغش والغدر والحقد والتعصب وكلّ المثالب الاجتماعية والآفات الأخلاقية. هذه هي الأخلاق الجديدة التي يتربّى عليها القوميون الاجتماعيون الصادقون ويتشربونها من تعاليم الزعيم الخالد الذي يقول:
إننا لا نطلب شيئاً لأشخاصنا. لو كنتُ أطلب شيئاً لنفسي، لكنتُ سياسياً لبقاً كما يريد الذين يدوسون الشعب بأقدامهم ويعطونه من ألسنتهم حلاوة. لو كنتُ أطلب شيئاً لنفسي لكنت سلكت غير هذا السبيل.[6]
الصدق القومي الاجتماعي هو الإحساس النبيل النابع من القلوب المؤمنة، من إنسانية الإنسان المجتمع الجديد.. وهو السلوك الحسن المعبّر أجمل تعبير عن حقيقة المجتمع الأصيلة ومثله العليا وعن نفسيته الجميلة وتوقها للخير والتفوّق والإبداع. هو حب الإنسان والوطن وهو الوفاء للشعب والدفاع عن حقوقه ومصالحه. هو الفعل النبيل النابع من الإيمان الجديد، من الوجدان الاجتماعي الحي، النقي، والمشّع بأنواره على المجتمع القومي بأكمله. وهو مفهوم جديد للنزاهة والأمانة والصفاء والإخلاص للغايات السامية وللهدف القومي الأخير.
والصدق القومي الاجتماعي هو فعل إرادة وبطولة وكرامة والتزام، وهو سموّ وتضحية وواجب ووفاء ومحبة صافية غايتها الإخاء القومي والتسامح القومي والتعاضد والتكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد وتحقيق خيرهم ومطامحهم في النهوض والتقدّم والسعادة. ونتائج الصدق القومي هي واضحة:
الإخاء القومي الاجتماعي قد أصبح حقيقة راهنة، وقد تحمّلنا في سبيل إيجاد هذا الإخاء الحقيقي، كلّ الاضطهادات والآلام، وانتصرنا حتى الآن، بالاضطهادات والآلام، ولكننا نعلن أنّ عهد الاضطهادات والآلام قد انتهى، وأنّ انتصار هذه الأمة سيكون حتماً ليس فقط بتحمّل الاضطهادات والآلام، بل بكلّ الطرق المؤدّية إلى النصر.[7]
والصدق القومي الاجتماعي هو نقيض الكذب والدجل والنفاق والمراوغة والرياء والحقد والحسد. وغايته القضاء على الفوضى والفساد وسحق المساوئ والمثالب وانتصار الحق وراحة الوجدان وتحقيق استقلال الأمة وكرامتها وإقامة الحياة المثلى الجميلة، حياة العزّ والشرف والكرامة. أما الكذب والنفاق فهما يخفيان الحقيقة ويوهمان الآخرين بالنقاء. إنهما طلاء وحجاب يستعملهما ذو الوجهين المجبول على قلة الأدب والسرقة ونسج الأكاذيب.
والكذب والنفاق ينبعان من اللؤم والحقد والبغض والضغينة والأنانية والكيدية وغايتهما الكسب والمنفعة الخصوصية والتباهي وتحقيق الشهرة وإشباع رغبات خصوصية وشهوات أنانية حقيرة، أما أساليبهما فأهمّها التحريض والتضليل والتحايل والخداع والتزوير وإثارة الغرائز والعواطف وتشويه سمعة العاملين المخلصين وزرع الشكوك والدسائس وإحداث بلبلات وفوضى وتشويش ونشر المفاسد والمساوئ والشرور وتشجيع الشذوذ والانحراف والخروج على النظام واعتماد البلبلة والتخريب والهدم والتدمير ليطلّ اليأس برأسه فيتقهقر المجموع إلى درك التفكك والانحطاط والظلمات عبوراً إلى الاضمحلال والاندثار..
أبناء الحياة الأنقياء يشهد العالم لصدقهم ومعدنهم. فهم لا ينطقون بالأكاذيب والأضاليل بل يتحدثون بحقيقتهم العظيمة، حقيقة قضيتهم المقدسة، «الحقيقة التي تضع أساساً جديداً لحياة جديدة لمجتمعنا وللمجتمع الإنساني عموماً»[8]. وهم لا يتصرّفون إلا بمسلكية أخلاقية جديدة نابعة من العقيدة الصادقة الصحيحة وهي مسلكية الجرأة واليقين والوضوح والصدق بأقوالهم وأفعالهم. وسعاده العظيم يؤكد التالي:
أثبتنا للشعب انه ليس بالاحتيال ولا بما يسمّونه دهاء ولا بالمكر ولا بالخديعة تنهض الأمم وتقوم قضايا الأمم، بل أثبتنا انه بالأخلاق الصحيحة والصراحة الكلية وبالإرادة الصراعية، بهذه الأمور تقوم الأمم وتنهض القوميات… أثبتنا ذلك بالقول وحققناه بالفعل وكان فعلنا دائماً أسبق من قولنا إنّ وجودنا برهان قاطع على ما أقول.[9]
أبناء الحياة الواعون يعرفون طريقهم الطويل وهي طريق الثبات والعزم والإرادة والبناء، طريق الصراع والبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة، طريق الحياة الجديدة المشّرِّفة.. وهم يسيرون إلى تحقيق غايتهم السامية بالإيمان القومي الإجتماعي العارم في أفئدتهم وبالنور المعرفي الفائض في عقولهم.
أبناء الحياة المخلصون الأوفياء سيدوسُونَ على مساوئ المجتمع وعلله وسيقضون على سفالة الأنانيات الفردية ومفاسدها وعلى انتهازية الكاذبين والمنافقين والدّجالين الذين يفلسفون الباطل ويخرِّبون المجتمع بريائهم ومكرهم ورذائلهم وأحقادهم..
أبناء الحياة الواعون الصادقون سينتصرون على المتاجرين بالإنسان والوطن وأعداء الأمة الطامعين وسيكون انتصارهم أكيداً لأنها مشيئة القضاء والقدر. وكما يقول سعاده العظيم: “أننا لو شئنا أن نفرّ من النجاح لما وجدنا منه مفراً..”
[1] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 178.
[2] المرجع ذاته.
[3] خطاب الزعيم في بيت مري، 15/10/1947، الشمس، بيروت، العدد 299، 26/10/1947
[4] المرجع ذاته.
[5] المرجع ذاته.
[6] المرجع ذاته.
[7] المرجع ذاته.
[8] خطاب الزعيم في جل الديب، النشرة الرسمية للحركة القومية الإجتماعية، بيرووت، المجلد 1، العدد 7، 30/3/1948
[9] خطاب الزعيم في الكورة ضيف 1937.
د. ادمون ملحم