تضخّم جنوني يشهده عالم كرة القدم، خاصّة في أسعار بعض اللاعبين، دون أن ننسى الرواتب، فأصبحت مبالغ كمئة وخمسين أو مئتي مليون يورو تُعتبر أمرًا طبيعيًّا جدًّا. وللتمكّن من الاستمرار بالمنافسة، اضطرت الأندية الكبرى للسير مع موجة التضخّم هذه، والتنافس فيما بينها على عقد الصفقات بالمبالغ الخياليّة، ومؤخرًا لم تعد الأمور محصورة بين الأندية في أوروبا، إذ دخلت بعض الدوريات الآسيويّة على الخط، والدوري السعودي كما الأميركي، فضرب ما يشبه الجنون عالم كرة القدم عامّةً وسوق الانتقالات بشكل خاصّ.
ولكن هل تعكس الأسعار الخياليّة للاعبين مستواهم الحقيقي؟ وهل هي دليل على نجاحهم؟ وهل الأندية التي تدفع أكثر تنجح أكثر؟
هي أسئلة قد تبدو بسيطة، لكنّ أي محاولة للإجابة عليها بشكل حاسم ستبدو شبه مستحيلة، وكلّ محاولة لشرح انعكاس صرف الأموال على الأندية ونتائجها ستعقّد الأمور أكثر وأكثر.
من المؤكّد أنّ صرف الأموال وعقد الصفقات أصبح ضرورة ملحّة لأي نادٍ يرغب بفرض اسمه كمنافس جاد في أي بطولة على المدى الطويل، وبقدر ما يبدو الأمر مزعجًا بالنسبة للمشجعين وللأندية “المتواضعة” إلّا أنّه واقع لا يمكن تخطّيه. ولكن أن تكون ناديًا غنيًّا صرف الملايين على الصفقات لا يعني أنّك حتمًا ستحقًق البطولات والأمجاد. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، وبعد أن صرف نادي تشيلسي الإنجليزي أكثر من ٦٠٠ مليون يورو الموسم الماضي، أنهى حملته في المركز الثاني عشر في الدوري الممتاز. وفي إنجلترا أيضًا، في العقد الأخير صرف مانشستر يونايتد مبالغ تفوق ما صرفه مانشستر سيتي ولكن ذلك لم يمنع السيتي من التطوّر والوصول إلى قمّة كرة القدم محليًّا وأوروبيًا في ظلّ تراجع ملحوظ لليونايتد. وأيضًا فإنّ الملايين التي صرفها باريس سان جيرمان لم تضمن له أي إنجازٍ أوروبي على الرغم من مواجهته لأندية لم تصرف بقدره.
كما أنّ أسعار اللاعبين ليست بالضرورة دليل على نجاحهم المؤكد، فعلى سبيل المثال أيضًا، فإنّ أغلى لاعب في تاريخ برشلونة هو البرازيلي فيليب كوتينيو، اللاعب كلّف خزينة النادي ما مجموعه ١٦٠ مليون يورو بين صفقة انتقال ومتغيّرات، لكنّه لم يستطع أن يجد مكانًا له في النادي، وانتهى به الأمر معارًا لبايرن ميونخ ثمّ أستون فيلا، قبل أن يشتريه الأخير بما يقارب العشرين مليون يورو فقط! وليتحوّل بسرعة من واحد من أكثر اللاعبين تأثيرًا حين كان في ليفربول إلى لاعب شبه منسيّ.
كان لغريم برشلونة اللدود، ريال مدريد نصيبه أيضًا من خيبات الأمل، أوّلها مع ايدين هازارد الذي كلّف البيت المدريدي الأبيض حوالي ١٤٠ مليون يورو لكنّه أمضى سنواته في النادي مصابًا ولم يقدّم أي إضافة، والأمر لا يختلف كثيرًا عند الحديث عن غاريث بايل.
وحتّى يمكن طرح سؤال مشروع وهو: “هل كان نيمار يستحق مبلغ ٢٢٢ مليون يورو الذي دفعه باريس سان جيرمان لأجله مقابل ما قدّمه للنادي؟”، والسؤال هنا ليس انتقاصًا من مستوى نيمار بل هو للمقارنة بين ما دفعه النادي من أجله وبين ما قدّمه هو في المقابل.
امثلة كثيرة، لا تعدّ ولا تحصى، لو أردنا أن نذكرها كلّها لضاقت بنا الصفحات، تثبت أنّ الأموال ليست الوسيلة الوحيدة لبناء نادي كرة قدم ناجح، فريال مدريد أقلّ الأندية صرفًا للأموال في العقد الأخير، لكنّه أنجحها وخاصّة في دوري أبطال أوروبا، أغلى بطولات الأنديّة.
طبعًا لا يمكن في الفترة الحاليّة لأي نادٍ أن ينجح دون المال والصفقات الرنّانة، فمانشستر سيتي ما كان ليحقّق الثلاثيّة التاريخيّة لولا ترسانة اللاعبين التي يملك والتي كلّفت النادي الملايين، ولكن لو كان الأمر محصورًا بالمال لكنّا رأينا مانشستر يونايتد وتشيلسي وبرشلونة وباريس سان جيرمان وأرسنال في القمّة أوروبيًّا أيضًا، ولما كنّا رأينا بايرن ميونخ وريال مدريد يحققون ما حققوه من نجاحات في العقد الأخير، ولكن إضافة إلى المال، فإنّ كل نادٍ يطمح لكتابة اسمه في سجلّات تاربخ كرة القدم عليه أن يدخل سوق الانتقالات مدجّجًا بالذكاء قبل المال، عليه أن يدرك “من” وليس “كم” يشتري، عليه أن يبني منظومة جيدة ولا يكتفي بالبحث عن لاعبين بأسماء رنّانة، وعليه أن يمتلك مدرّب يستطيع توظيف اللاعبين جيّدًا وزرع الشغف فيهم ليركضوا خلف الكرة من أجل الشعار لا من أجل المال.
وفي النهاية يبقى أصدق ما قيل عن الأمر هو قول ليوهان كرويف يشرح فيه أنّ المنظومة الجيّدة هي التي تفوز لك بالألقاب، إذ قال: “اختر افضل لاعب في كل مركز، ولن ينتهي بك الأمر مع تشكيلة قوية، بل مع ١١ لاعباً قوياً”.