الاصلاح القضائي في “إسرائيل” وأسباب معارضته

الاصلاح القضائي في “إسرائيل” وأسباب معارضته

أجرت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، تعديلات أساسية على النظام القضائي، وهذا ما أدى إلى اندلاع موجات من الغضب والرفض لهذه التعديلات في الشارع “الإسرائيلي”، موجات انطلقت ولم تستطع تلك الحكومة إيقافها أو حتى استيعابها، وتعتبر الحكومة الائتلافية، أن هذه التعديلات تهدف إلى تصحيح حالة من عدم التوازن بين السلطة القضائية وأعضاء البرلمان المُنتَخبين.

وتُعتبر القوانين الأساسية “لإسرائيل” العنصر الأساسي في القانون الدستوري “الإسرائيلي”، وتتعامل هذه القوانين مع تشكيل دور مؤسسات الدولة الرئيسية، وتنظم العلاقات بين السلطات في الدولة، ورغم أنّ هذه القوانين هي في الأساس، مسودة للدستور، إلا أنه تمّ استخدامها من قبل المحاكم كدستور رسمي، ولا يوجد دستور حالي “لدولة إسرائيل”، التي تعمل وفقاً لدستور غير مدون، يتألف من مواد القانون الدستوري، المبنية على القضايا والسوابق، وأحكام هذه اللوائح الرسمية، ومع ذلك فهذه القوانين الأساسية لا تغطي جميع القضايا الدستورية، وليس هناك من موعد نهائي محدد لإتمام عملية دمج هذه القوانين الأساسية في دستور واحد وشامل، ولا توجد قاعدة واضحة لتحديد أسبقية القواعد الأساسية على التشريعات العادية، وفي حالات كثيرة يتم ترك تفسير هذه المسألة للنظام القضائي.

ويَعتبر اليمينيون أن المحكمة العليا متحيزة دائماً لليساريين، وبأنها تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية، وتقدم حقوق الأقليات على المصالح الوطنية، وأنها أساءت تفسير القوانين الأساسية “لإسرائيل” المعمول بها بدلاً من الدستور، وأنها أيضاً أساءت استخدام صلاحياتها عبر إبطال قوانين، ومن هنا أتت هذه التعديلات للحد من سلطة تلك المحكمة في إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، ومن جهة أخرى لمنح الحكومة نفوذ أكبر، لأن تلك التعديلات تساهم في تغيير الواقع الموجود، وهو أن تعيين القضاة يستوجب موافقة المسؤولين السياسيين والقضاة أعضاء اللجنة المعنية.

وأبرز تلك التعديلات التي تريد الحكومة “الإسرائيلية” أن تمررها، هي السماح للكنيست بإعادة سن أو إبطال قوانين المحكمة العليا، فيصبح الكنيست قادراً على إعادة سن القوانين التي تم سنها سابقاً، حتى لو تم إبطالها بالإجماع من قبل المحكمة العليا، والمحكمة لن تكون قادرة على مناقشة القوانين الأساسية، ولن يكون سحب الأهلية للقوانين ممكناً إلا في المحكمة العليا، بتكوين كامل من 15 قاضياً، وبأغلبية 80٪، وتحديد مدة المناقشة حول عدم الأهلية للقانون، إضافة إلى تقليص إمكانية إعتبار رئيس الحكومة عاجز عن تأدية وظيفته.

ويَعتبر الكثير من منتقدي التعديلات القضائية، أنّ هذه التعديلات إذا أُقرّت، فإنها ستضعف المحاكم والنظام القضائي ككل، وتقدم للحكومة السلطة المطلقة على كل شيء، وهذا سيعرّض “الحريات المدنية” للخطر، كما سيؤثر سلباً على الاقتصاد “الإسرائيلي”، ويهز العلاقات مع حلفاء “إسرائيل” الغربيين، إضافة إلى ذلك، فإنّ النظر إلى القضاء باعتباره غير مستقل، سيجرّد “إسرائيل” من أحد خطوط دفاعها الرئيسية في القضايا القانونية الدولية، ومن ناحية ثانية يخشى هؤلاء من أن يسعى بنيامين نتنياهو لاستغلال الضغط على القضاء من أجل تجميد أو إلغاء محاكمته، بينما تقول المعارضة أنهم يريدون إضعاف المحكمة العليا، لإقامة المزيد من المستوطنات على أراضٍ يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم فيها، وتريد الأحزاب اليهودية المتشددة في الائتلاف الحكومي، إقرار قانون يعفي طائفتهم من الخدمة في الجيش، ويخشون أن تفسد المحكمة هذا الأمر إذا لم يتم تقليص صلاحياتها.

ومنذ بداية هذا العام، بدأت تخرج مظاهرات مناهضة لخطة الإصلاح هذه، بدءاً من “تل أبيب”، شارك فيها بضعة آلاف، تم توسعت هذه المظاهرات لتمتد إلى باقي المدن، وليشارك فيها عشرات الآلاف، ولتضم شرائح جديدة من “المجتمع الإسرائيلي”، حيث أعلن بعض مسؤولي التكنولوجيا الفائقة عزمهم على سحب أموال الشركة من البنوك في “إسرائيل”، والدخول في إضراب، وقد استمرت هذه التظاهرات لتصبح أسبوعية، وامتدت إلى مدن أخرى، وتظاهر عشرات الآلاف في “تل أبيب وحيفا والقدس وإيلات وهرتزليا وبئر السبع وريشون لتسيون” وغيرها، مظاهرات عنيفة لم تشهدها “إسرائيل” من قبل حيث شملت اغلاق شوارع رئيسية بالدولة ، وشارك بالإضرابات اتحاد النقابات “الإسرائيلية” والأحزاب السياسية المعارضة، ونقابة الأطباء، ونقابات العمال، كما تم غلق معبر الكرامة الحدودي بين الأردن والضفة الغربية وتسبب الإغلاق بشل الحركة التجارية بين فلسطين والأردن، وكذلك أمام حركة المسافرين من وإلى الضفة.