شرق وغرب

يذكرنا كتاب المفكر الروسي، ألكسندر دوغين، الجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة الذي أعاد فيه إضاءة الجوانب المنسية من صراع الشرق مع الغرب على الجبهة الثقافية بخطابين شديدي الأهمية لشخصيتين من الهند، هما نهرو وفيجاي براشاد، نعيدهما من باب التأكيد على أهمية هذا الموضوع والتسلح به ضد كل أشكال الرهان على الخطاب الليبرالي وفريقه.
نهرو
قبل خمسة وستين عاماً، ألقى جواهر لآل نهرو، رئيس وزراء الهند، آنذاك، كلمة طويلة أمام مؤتمر باندونغ 1955، نعيد نشر هذه الفقرات منها، كما لو أنه يتحدث هذه الأيام:
تشغلون أنفسكم باللحظة التي مضت وليس باللحظة القادمة: تطلبون الاستقلال، حسناً تطلبون الحرية، حسناً أيضاً سوف يعطونكم ما تطلبون، وسوف يوقعون معكم على قصاصات ورق، لم يعد في ذلك شك لأسباب كثيرة، أولها، أنه لم يعد بمقدورهم أن يسيطروا عليكم بقوة السلاح، ولسبب ثان/ هو أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بقوة السلاح.
سوف تتولون المسؤولية، وسوف تجدون أنفسكم رؤساء لشعوبكم، لديكم قصور رئاسية، ولديكم حرس وناس، ولديكم سيارات رئاسة وربما طائرات. ليس هذا هو المهم، هل تجدون لديكم سلطة رئاسات؟ لست متأكداً من ذلك.
رعاياكم سوف يطلبون منكم “جوائز” الاستقلال، ومن حقهم أن يتوقعوا تحسين أحوالهم بعد الاستقلال… فهل لديكم ما تعطونه لهم؟ أشك كثيراً بذلك.
لماذا؟ لأنكم جميعاً منهوبون، مواردكم نهبت فعلاً أو هي مرتبطة بنظم دولية تواصل عملية نهبها. وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سلطتكم على رعاياكم، وإذا كان هؤلاء الرعايا سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود، فماذا سوف تفعلون؟ تغيرون اتجاه سلاحكم من أعدائكم القدامى إلى توجيهه لأعداء جدد، سوف ترونهم داخل بلادكم؟
ماذا ستفعلون؟ سوف تجدون في بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم، لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم، وفي ظله وحماه، كوّنوا ثروات ورتبوا مصالح. فإلى من سوف تنحازون؟ إلى القلة القوية أم إلى الأغلبية المقهورة؟
إن مستعمريكم السابقين، رتبوا أنفسهم مسبقاً، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي قروضاً. فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي؟ إنهم نفس جلاديكم السابقين.
أخشى أن أقول لكم، بأنكم تذهبون إلى الأسياد القدامى، طالبين منهم أن يساعدوكم على مسؤولية الاستقلال. فأي وضع هذا الذي تستنجد فيه الضحية بالجاني، حتى يساعده على تلافي آثار جريمته. جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه إنما سوف تزيدها سوءاً.
جماعات كثيرة داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوق في الداخل، سكتت عليها، لأنها اختارت أن لا تكسر الوحدة الوطنية في ظروف المطالبة بالاستقلال، لكنها بعد توقيع قصاصة الورق، سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب بها أقليات عرقية وعنصرية ودينية. سوف تطالب بترتيبات خاصة: نوع من الحكم الذاتي، نوع من تحقيق الهوية الذاتية. وربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة، فقد تعلمت بتجربتها أن تتعامل مع الأقليات من كل نوع.
سمعت بعضكم يتحدث عن عضوية الأمم المتحدة، وكأنها ملكوت الله. تطلبون فتجابون. هل هذا صحيح؟ الأمم المتحدة بلا فاعلية. ربما يقول لي بعضكم، أن دخول عدد كبير من الدول حديثة الاستقلال إليها، سوف يحقنها بالفاعلية. أخشى أن العكس سيحدث. وبصراحة شديدة، فالقوة الحقيقية في العالم، لا يمكن أن تتحقق بعملية حساب، تجمع أو تطرح فيها الأصوات.
وإذن، سوف يتركون لكم الأمم المتحدة، تتكلمون فيها على هواكم، ثم تكتشفون أنها أصبحت مجرد ناد أو مقهى، يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاي ويلعبون. وبدل أن يلعبوا بالورق، سوف يلعبون بالكلام.
إن السيطرة الجديدة، لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم. التقدم هو وسيلة السيطرة الجيدة. أنتم متقدمون، إذن فأنتم سادة. أنتم متخلفون، إذن فأنتم مقهورون، مهما وقعتم من قصاصات ورق ومهما رفعتم من قصاصات قماش سميتموها أعلاماً.
فيجاي براشاد
مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021
أشكركم على إرغامي للحضور إلى غلاسكو، عندما أمشي في شوارع مدينة مثل هذه كانت ثاني أهم مدينة في المملكة المتحدة. مبان جميلة، شوارع جميلة، مدينة رائعة عندما أرى مدنا كهذه أفكر أيضا في الجانب الآخر منها.
هناك عبارة لـ ولتر بنيامين تقول: كل نصب تذكاري حضاري هو أيضا نسب للبربرية.
أفكر في المجاعات في البنغال، عمال الغوت وهم يرسلون إلى ميناء غلاسكو، أفكر في مخلوقات بشرية من أفريقيا تم استبعادهم وجلبهم من غانا إلى العالم الجديد وجميع هذه الأرباح يتم امتصاصها في مدن مثل لندن وغلاسكو.
بين 1856 – 1938 سرقت الجزر البريطانية 45 تريليون جنيه إسترليني من الهند، لم تتقاضى أجرا مقابل ذلك، وعندما غادر البريطانيون الهند، أي عندما طردناهم كانت نسبة التعليم لدينا 13% فقط بعد مئات السنين من تلك الحضارة المزعومة. في غضون ذلك تم تدمير أراضينا الطبيعية، استخراج الفحم في الهند فرض علينا وأرغمتمونا على ذلك، أنتم جعلتمونا نعتمد على الفحم ثم غادرتم والآن تجرؤون على احتقارنا.
عندما أستمع إلى جونسون، وبايدن، ماكرون، كل ما يمكنني التفكير فيه هو كيف وكم أنتم متغطرسون، وأنتم اليوم تحتقروننا، أنتم لا تعرفون سوى الاحتقار لأنه بالنسب لكم الاستعمار ليس حدثا من الماضي فحسب، ونحن قد هزمناكم، ليس الأمر كذلك بالنسبة لكم، فالاستعمار حالة دائمة، وتحدث بطريقتين:
الحالة الدائمة للعقلية الاستعمارية، تريدون أن تلقوا محاضرة علينا وتقولون إننا مسؤولون عن جميع المشاكل ومنها تلوث البيئة، فأنتم لن تعترفوا بأنكم المسؤولون من الأساس. وقعتم على الصيغة الحقيقية سنة 1992 على المسؤوليات المشتركة والمتباينة، تحبون الجزء المشترك والقول إننا جميعا في هذا معا..
نحن لسنا في هذا معا والولايات المتحدة تمثل أقل من 5% من سكان العالم وتستهلك أكثر من ربع موارد العالم.
تتعهدون إنتاجكم إلى الصين ثم تتهمون الصين بأنها الملوث الكربوني، الصين هي التي تنتج دولاراتكم، براغيكم، هواتفكم، جربوا الإنتاج في بلادكم وسترون نسب انبعاث الكربون ترتفع عندكم.
تحبون تلقيننا دروسا لأنكم تمتلكون عقلية استعمارية ثم هناك الهياكل والمؤسسات الاستعمارية، فأنتم حين تقرضوننا المال فهي أموالنا أصلا، وفي كل مرة يأتي صندوق النقد الدولي إلى مجتمعاتنا يقولون لنا تفضلوا هذا المال، بل نحن الذين نعطيكم لأنها أموالنا التي تعيدونها ديونا ثم تحاضرون كيف يجب أن نعيش.
إنه لأمر فارق، ليس عقلية استعمارية فحسب، بل هياكل ومؤسسات ومنظومات استعمارية تتكاثر سنة بعد سنة، ودعوني أخبركم شيئا، حركة عدالة المناخ ليست مدركة لما تدعيه، وعندما تقول أننا قلقون بشأن مستقبلنا، فعن أي مستقبل تتحدثون، الأطفال في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ليس لديهم مستقبل، بل ليس لديهم حاضر أصلا، ليسوا قلقين بشأن مستقبلهم بل بشأن حاضرهم.
شعاركم، نحن قلقون على المستقبل، هذا شعار برجوازي غربي ولمن يتنمون إلى الطبقة الوسطى عليهم أن يقلقوا الآن.
أكثر من ملياري أنسان لا يمكنهم تناول الطعام وأنتم تدعون الناس للتقليل من الاستهلاك، فكيف يبدوا هذا لطفل لم يأكل منذ أيام، هل لديكم فكرة عن ذلك..

الدكتور موفّق محادين