المركزية الدستورية عند سعاده هي نظرية تركيبية صرف، تدل على أن الصلاحية القانونية الأساسية هي للمرجع الأعلى، وهذا يعني أن جميع المقررات تتخذ حصراً في المرجع الأعلى. حيث أن المرجع الأعلى هو دائماً في وضع يمكنه فيه توجيه الإدارات الفرعية وإبطال مقرراتها عند الضرورة. بينما تكون الصلاحية القانونية الأصلية في النظام اللامركزي هي في المراجع الإدارية الدنيا، وليس للمراجع العليا الحق في إلغاء مقرراتها.
في النظام المركزي لا تجمّد السلطة في مكان واحد من التسلسلية الإدارية، إذ الصلاحية القانونية موجودة حسب الرتب والوظائف، وصاحب السلطة القانونية يمكنه أن يفوض سلطته، والتفويض هنا، لا يعني انتقال السلطة من صاحب الصلاحية، بل هذا يعني حقه في استرجاعها ساعة يشاء.
يجب التمييز بين تفويض السلطة في النظام المركزي إلى المراجع التابعة، وبين انتقالها إليها. ففي الحالة الأولى تبقى الصلاحية القانونية الأصلية في المركز، وفي الحالة الثانية تنتقل هذه الصلاحية بانتقال السلطة، وينقلب النظام من مركزي إلى لا مركزي.
ولقد حدد سعاده المركزية في الكثير من تعاليمه. ففي رسالته إلى غسان تويني عام 1946يقول:” فكون مجلس العمد مؤسسة صادرة عن سلطة تشريعية عامة لتحقيق أغراض معينة. فمرجعه هذه السلطة وهذه الأغراض والتعاليم المقيد بها والمسئول تجاهها في كل ما يخطط وينهج، ويجب عليه أن لا يتعدى هذه الحدود إلا إذا أراد تعريض النظام الدستوري كله للانهيار.
في النظام المركزي التسلسلي تجد كل وظيفة في المؤسسة مكانها الملائم في التسلسلية ، وهي تعطى تسمية خاصة، ويملك صاحبها سلطة إعطاء الأوامر للمرؤوسين ويتحملون مسؤولية تلقي وإطاعة الأوامر ممن هم أعلى رتبة منهم. فالمسؤوليات في المؤسسة المركزية هي في ترتيب تسلسلي وصاحب المسؤولية يملك سلطة إدارية مهما كان شأنها، وعليه مسؤولية، والمسؤولية حسب قول سعاده تكون على مستوى كبر المسؤولية. يقول سعاده في رسالته المؤرخة في 9 ديسمبر 1941،” إن النظام الإداري القومي لا يخوّل الأعضاء أو المسئولين بدرجة أدنى الحكم أو التدخل في مسؤولية بدرجة أعلى أو معارضة أعمالهم الإدارية والتدابير التي يتخذونها لمصلحة العمل القومي، فرجال الإدارة مسئولون تجاه رؤسائهم فقط وليس تجاه المرؤسين”.
فالسلطة والمسؤولية في سيرها في ممر التسلسلية تؤدي الوظائف التالية:
- “تكون قناة الامر.
- تكون قناة الاتصال من أعلى إلى أدنى، وبالعكس،
- تجعل المواضيع المقررة في تسلسل لديه قدرة تجاوز إغلاق المراجع الدنيا في حالة احتقانها وانسداد قتاتها الادارية.
- تكون خطاً للمراجعة يساعد أصحاب الشأن في مراجهة الادارة.
- تكون القناة الداخلية للضبط الاداري والتفتيش.
- تساعد على إيضاح المسؤوليات وتعريف العلاقات الادارية وتضبط خط المسؤولية.
( راجع دراسة د. واصف عبوش. المركزية في النظام القومي الاجتماعي 1959.
مجلة صباح الخير العدد 633 تاريخ 28-5- 1988.)
بقلم: الأمين الدكتور أسامة سمعان.