لماذا يخاطر راكبو الزوارق بأرواحهم؟

لماذا يخاطر راكبو الزوارق بأرواحهم؟

الهجرة عبر الزوارق مخاطرةٌ غير محسوبة النتائج.
فنرى المسافرين من أبناء شعبنا يستخدمون جميع مصادرهم ومدخراتهم وقد يقترضون الأموال لتغطية تكاليف رحلة ليست بمضمونة النتيجة، وقد يخاطرون لا بأموالهم فقط بل بعوائلهم حين يرافقونهم بتلك الرحلة. فكيف ينظر علم النفس إليهم؟

بدايةً لا بدّ من طرح سؤال يقول؛ لماذا وبالرغم من هذا الخطر المهيمن على طريق الرحلة وبالرغم من الحوادث التي حصلت مع المسافرين السابقين بنفس الطريقة، ما زالوا يحاولون ويسافرون؟؟

كاختصاصيين نفسيين نطلق على هذا الموقف/الفعل غريزة البقاء والحياة. هذه الغريزة تقود الإنسان، وعندما يستشعر خطر يهدّد بقاءه أو حياته بطريقة أو بأخرى فإنّ هذه الغريزة البشرية تخفف من وطأة التفكير الهادئ والعقلاني بما يتضمن التفكير بمخاطر السفر واستخدام المراكب المعرضة للخطر كوسيلة نقل وعبور نحو الأمل بحياة أفضل.

وعادةً ما يحدث أنه من أجل اغتنام الفرص لا بدّ من مواجهة المخاطر. فحين المقارنة بمخاطر الواقع المعاش الكثيرة والمحتّمة، من حصول أمراض وعوز وعدم القدرة على تأمين القوت اليومي وعدم القدرة على تعليم الأولاد في ظل ظروف اقتصادية خانقة، يرى الفرد أنه في رحلة السعي لتحسين المصير هناك فرصٌ يقابلها مخاطرة وحيدة تتجسّد بالطريق، فإمّا يصل أو لت يصل.

ومن الأسباب المؤدية للمخاطرة أو المجازفة، ليس فقط محاولة الحصول على فرصةٍ وحياةٍ أفضل، بل التعرّض للإهانة والمسّ بكرامة الرجل وتأثيره السلبي خاصة بوجود الأفكار والمبادئ الموروثة والشرقية عن الرجولة وعدم العوز والحاجة من الآخرين ومقابلة الطلب بالرفض.
ما يزيد من مآزم الفرد النفسيّة ويمسّ (برجولته) تبعًا لما تربّى عليه من معتقداتٍ وقيم اجتماعية.

كذلك فهو يهرب من واقع اجتماعي واقتصادي يسبب له الشعور بالعجز والدونية مما يسبب مشاعر الغضب والرفض بقبول هذا الواقع، والسعي للابتعاد عنه على أمل تبديله بواقع يؤمّن له التوازن النفسي كفردٍ (رجل) له قيمة بنظر نفسه والآخرين وخاصةً عائلته.

يُضاف إلى ذلك نسبة القلقِ المرتفعة لدى هؤلاء الأفراد وخاصةً القلق من المستقبل، وهذا القلق يولّد حالة من عدم التفكير العقلاني والتسرّع في اتخاذ القرارات خاصةً إذا انطوى هذا القرار على أملٍ بتحصيل مستقبلٍ آمن ومريح، وبذلك تُغلق الطريق أمام عملية التفكير بالخطر ونسبته الدقيقة واحتمالية حدوثه.

هذا ويأتي عامل الدافع والأمل كنقطة تحفيزية اضافية نتيجة وصول أخبار من سبقهم إلى الهجرة، وحصل على فرصةٍ أفضل ونجح بتحسين وضعه المادي والاجتماعي مما يشكّل حافزًا يدفعهم لسلوك الطريق ذاته.

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة