بعد العقوبات التي فرضها الغرب الانغلوساكسوني على روسيا نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية واخراج روسيا من نظام السويفت العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الامريكية، ونظرا لاهمية روسيا في الامن الطاقوي والغذائي العالمي كونها اكبر منتج للغاز والبترول والقمح والاسمدة الزراعية والخامات في العالم، وبعد رفض معظم دول اوراسيا،كالصين والهند وايران وتركيا وباكستان ودول وسط اسيا والجنوب العالمي، الالتزام بالعقوبات الغربية على روسيا وابقاء التبادل السلعي معها بالعملات المحلية واليوان الصيني، وعبر «نظام الدفع الخاص بين الدول الروسي SPFS »، وايضا عبر «نظام الدفع الخاص عبر بين الدول الصيني CIPS» والذي سمحت الصين بموجبه للبنوك الروسية بالانضمام الى نظامCIPS «نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الصيني الخاص بها، ، جنباً إلى جنب مع المؤسسات الائتمانية الأخرى من 110 دول حول العالم. والآن، مصارف البلدين تعمل على فتح حسابات للشركات الروسية في الصين والشركات الصينية في روسيا. يجري تنفيذ المعاملات بنجاح في العملات الوطنية بين البلدين مقابل توريد الغاز، والنفط، والمنتجات النفطية والفحم، مما يعزز وضع الروبل واليوان كعملات احتياطية عالمية على حساب الدولار الامريكي ،والذي اعتبره كبار الاقتصاديين الاستراتيجيين بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد الامريكي المتداعي.
اتت الضربة الثانية من افريقيا حيث دعا الرئيس الكيني، وليام روتو، نظرائه الأفارقة إلى الابتعاد عن استخدام الدولار الأمريكي في المدفوعات المحلية. وفال روتو“نحن جميعًا نكافح لتسديد مدفوعات السلع والخدمات من بلد إلى آخر بسبب الاختلافات في العملات. وفي وسط كل هذا، نحن جميعًا خاضعون للدولار.”
وحث الرئيس الكيني، نظراءه في القارة على حشد البنوك المركزية والتجارية للانضمام إلى نظام المدفوعات والتسويات الافريقي الخاص . وهو عبارة عن شبكة دفع وتسوية مركزية للتجارة بين البلدان الأفريقية بالعملات المحلية ، وقال الدكتور تومي سينوكين، الأستاذ بجامعة جنوب إفريقيا، أن تكوين عملة واحدة لكل إفريقيا ‘ليس مهمة مستحلة واضاف :“الفكرة وراء التخلي عن الدولار الأمريكي تنبع من الخلفية التي تقول إن إفريقيا تريد الاعتماد على عملتها في شراء وتبادل السلع وأيضًا في إنشاء احتياطيات لأفريقيا كقارة . والفكرة هي إيجاد عملة مشتركة واحدة لإفريقيا في هذا الصدد، والتي ستستخدمها البنوك المركزية في أفريقيا“ .
وكان الدكتور بنديكت أوراما رئيس بنك التصدير والاستيراد الأفريقي “أفريكسيم بنك”، قال في كلمته في الاجتماعات السنوية للبنك التي انعقدت في أكرا عاصمة غانا إن نظام الدفع عبر منصة التسويات والمقاصة من شأنه أن يسمح للدول الأفريقية بالتداول فيما بينها باستخدام الية سعر صرف من شانها ان تسمح لعملاتها المحلية البالغة 42 عملة قابلة للتحويل فيما بينها ،ويوفر للقارة ما يقرب من 5 مليارات دولار سنويًا، وهو مقدار تكاليف تحويل العملات لإفريقيا عبر نظام السويفت العالمي. وكان بنديكت أوراما رئيس أفريكسيم بنك قال في وقت سابق، إن البنك ضخ تمويلات للدول الأفريقية منذ 2020 و2022 بنحو 45 مليار دولار بهدف مواجهة التبعات السلبية لفيروس وأزمة أوكرانيا بما ساعد العديد من الحكومات والبنوك المركزية والتجارية والشركات الصغيرة والمتوسطة على التغلب على الآثار المجمعة لهذه الأزمات.
وكشفت كريستيان أبو لحاف، مسؤولة التعاون الدولي في البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد “أفريكسيم بنك”، عن وجود محادثات حاليا بين أفريكسيم بنك والبنوك المركزية الافريقية وبعض البنوك التجارية لبدء تفعيل انضمام مصر خلال إحدى المنصات التابعة لأفريكسيم بنك والتي تم الإطلاق الرسمي في يناير النصف الثاني من العام 2022الجاري لمنصة الدفع والتسوية الأفريقي المعروفة باسم PAPSS
وأشارت إلى أن التبعات السلبية للنزاع الروسي الأوكراني على سلاسل الإمداد عالميا (من السلع والمواد الخام) دفع أفريكسيم بنك إلى فتح آفاق جديدة بين الدول الأفريقية لتعزيز المصالح المشتركة تحسبا من وجود توترات عالمية جديدة وتفادي تبعاتها على القارة الأفريقية.
يضم “أفريكسيم بنك” في عضويته 51 دولة إفريقيّة من اصل 54 دولة، إلى جانب الدول الشريكة ويخطط خلال العام الجاري لضم الثلاثة دول الباقية وهم ليبيا والجزائر والصومال.
يعمل بنك الاستيراد والتصدير إلى جانب بنك التنمية كمنصّة يمكن من خلالها إنجاز الصفقات الاستثماريّة وتسهيل التبادل بين شركاء التجارة والتنمية الإفريقيّة، علاوةً على توفير رأس المال وتطوير المشاريع لتصبح قابلة للتمويل. ويعد البنك منصّة متعدّدة الأطراف يمكن من خلالها تعزيز الشراكة والمشروعات بين القطاعين الخاص والعام، إذ يساهم البنك في تمويل المشروعات التنموية بالدول الإفريقيّة
محاولة لإنهاء هيمنة الدولار
يعتبر هذا الاجراء الذي اقدمت علية الدول الافريقية خطوة جريئة لإنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد الافريقي والعالمي،في ظل تصاعد الدعوات للاعتماد على العملات المحليّة، بعد أن ارتفعت قيمته أمام العملات الأخرى بقوة خلال العام الجاري.
الدعوات جاءت في ظل استياء بعض الدول من استخدام العملة الخضراء كسلاح سياسي، بدلًا من كونها عملة تجاريّة عالميّة، وخوفها ان يصيبها ما اصاب روسيا بعد مصادرة ودائعها في المصارف الغربية والمقدرة قيمتها ب 300 مليار دولار، خاصة ان الدولة الافريقية تقيم شراكات اقتصادية ضخمة مع الصين وروسيا على حساب شراكاتها الاقتصادية التاريخية مع الغرب. ولذلك يرى مراقبون أن عمل البنك على تطوير آليّة لسعر الصرف موحّدة للدول الإفريقيّة يعد خطوة واعدة نحو التحرّر من هيمنة الدولار في القارة الإفريقيّة.
بعد هذه الخطوة الجريئة من الدول الافريقية للتنبه لمصالحها القومية، ومغادرة القارب الامريكي الآيل الى الغرق اقتصاديا بعد سقوط نظام الاحادية القطبية ، بالتخلي عن الدوىر ونظام السويفت العالمي ، هل تجرؤ الدول العربية التي باتت الشريك الاقتصادي الاول للصين، للسير بخطوة مماثلة للخطوة الافريقية، خاصة بعد التموقع السعودي الجديد باتجاه الشرق بعد الاتفاق السعودي الايراني برعاية صينية؟.
في 7-7-2023 رياض عيد