على خطى سعادة الكسندر  دوغين يسأل : من نحن ؟

ربما لم تهتز مشاعر الكسندر دوغين حين اغتيلت ابنته “داريا ” اكثر مما اهتزت لحظة نجاح الهجوم المعاكس الاوكراني المدعوم من الحلف الاطلسي والولايات المتحدة في منطقة خاركوف . معتبرا ان العملية الخاصة المحدودة باوكرانيا قد انتهت ، لان الغرب قد بدأ هجوما شاملا يطاول الارض الروسية والسيادة الروسية والمجتمع الروسي . وبالتالي يتوجب وضع مقدرات البلاد البشرية والاقتصادية والعلمية بتصرف الجبهة . وهو ما يفسر بالعلم العسكري الانتقال الى الحرب الشاملة ورفعها من المستوى العملياتي الى المستوى الاستراتيجي .

واذا كان دوغين يعتبر “العقل المدبر” لفلاديمير بوتين ، فالاخير لم يكذب خبرا بنقل رؤية دوغين الى الواقع العملي عبر اعلان التعبئة الجزئية في روسيا واخذ الاجراءات اللازمة لنقل المجتمع الروسي من حالة الارتخاء  السلمي الى حالة مجتمع الحرب .

في مقالتيه الاخيرتين  في 15 و17 ايلول التي نشرتهما مجلة “كنعان ” الفصلية وعربهما د. زياد الزبيدي بعنوانين ” في تطورات حرب الدفاع الروسية ” و” شروط النصر ” . يعتبر دوغين اننا على شفا حرب عالمية ثالثة يدفع اليها الغرب هادفا الى تفتيت روسيا كامبراطورية عظيمة .

ربما لم يذق دوغين ولا اي روسي اخر طعم بلاده الممزقة ، رغم الحروب التي سعت الى تحطيم الامبراطورية من نابليون الى هتلر . وانتصرت روسيا في جميع هذه الحروب باستثناء الحرب الباردة التي فككت الاتحاد السوفياتي ومع ذلك حافظت على مساحة الاتحاد الروسي التي تتجاوز 17 مليون كلم مربع . ومع ذلك ارتفع صوت دوغين متسائلا : “من نحن ؟ من هو عدونا ؟ مصدر هذا الصراع ؟ ما هي تقاليدنا ومثلنا وقيمنا التي من اجلها تسفك الدماء ؟ من هم هؤلاء ؟ من اين تأتي كراهيتهم ؟ لماذا قرروا تدميرنا ؟ ” ليخلص الى القول ” اي نوع من العالم يريدون بنائه ؟ “

الم يتماهى مع اسئلة انطون سعادة الفلسفية ؟ في معرض رسالته للجالية السورية في البرازيل بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لوفاة والده العلامة خليل سعادة حيث تسائل بنفس الكلمات : من نحن ؟ هل نحن امة حية ؟ هل نحن امة تستحق الحياة ؟ الى ان يخلص ايضا الى السؤال الكبير : ما الذي جلب على شعبي هذا الويل ؟ الم يحدد سعادة القيم السورية والمثل السورية العليا تماما كما حدد دوغين مثل الامة الروسية ؟

يعتبر دوغين ان الخط الاحمر بالنسبة للغرب هو وجود دولة روسيا ذات سيادة حتى داخل حدود الاتحاد الروسي ، ونظرا للتراخي في الدفاع عن الاراضي الواقعة تحت السيطرة في خاركوف فبامكان الغرب الحاق هزائم اكثر بروسيا .الم يقل سعادة ان التراخي في الدفاع عن فلسطين سيفتح الشهية للعصابات الصهيونية بالتمدد على كامل الاراضي السورية ؟ وان الشأن الفلسطيني لا يخص الفلسطينيين وحدهم بل هو شان لبناني بالصميم وشامي بالصميم واردني بالصميم وعراقي بالصميم .وانه لا يحق لاي شخص فردا كان اوشخصا معنويا التفريط بحقوق الامة . الم يضع سعادة المبادئ الاساسية تأكيدا على استقلال الامة وسيادتها ؟ بحيث وجب على كل سوري ان يضع هذه المبادئ ويحفظها على لوح صدره .

في مقالتي دوغين كما في كتاباته الاخرى قد تطول لائحة نقاط الالتقاء مع انطون سعادة ، وقد يكون هناك نقاط لا تنسجم مع فكرنا وعقيدتنا وذلك لان كل من سعادة ودوغين يتكلمان عن قوميتين مختلفتين ، لكل منها واقعها وموقعها ودورها في مجرى التاريخ . فالامة السورية تتعرض منذ فجر التاريخ لمثل هذه الخروقات التي تتعرض لها روسيا الان . وعليه وعى سعادة لهذه المسألة منذ قرابة المئة عام وعمل جاهدا ومستشهدا من اجلها . ان الغرب يلتهم العالم وهذا ما دفع دوغين الى القول انه ضد نظام العولمة الاحادي القطب وبالتالي على روسيا والصين والدول المتحالفة معهما ان تقف سدا منيعا بمواجهة الحكومة العالمية التي ان فشلت ستحاول تدمير البشرية .