الفلسفة = محبة الحكمة
وهي تتناول مختلف العلوم وكأنها شيء واحد منسجم ، وتلقى عليها نظرة واحدة محيطة وهذا التحديد اتفق عليه منذ أن اعترف العلماء بأن علم النفس هو علم تعييني ثابت لأنه منذ القديم وحتى أواخر القرن الماضي كان علم النفس هو من اختصاص العلم الميتافيزيقي .
إن الفلسفة لا تعنى بالجزئيات من المعرفة بقدر ما تعنى بالكليات أو المبادئ والأصول الأساسية للأشياء ، بينما العلوم على اختلافها هي التي تعنى بالجزئيات وكل علم حسب اختصاصه ، لذلك نرى أن الكيميائي يبحث بالكيمياء على حدة وكذلك الفلكي والرياضي والنفساني والمؤرخ … إلخ ، كل منهم يبحث ويكتشف ويصنف ويخوض في الجزئيات المختصة بعلمه فقط إلى درجة الذوبان فيها .
غير أن الفيلسوف يأخذ خلاصات جميع هذه العلوم والأبحاث ويحاول أن يصوغها في قالب واحد ويلقي نظرة واحدة شاملة محيطة لينظمها كلها في سلك واحد ويستخلص حقيقة واحدة كبيرة . وقد يخطئ هذا الفيلسوف أو يصيب في محاولته لهذه الصياغة تبعاً لاستعداده الفكري ودرجة عبقريته وقوة استيعابه لمختلف الخلاصات من تلك العلوم ، وبالنظر لهذا التفاوت العقلي والتفاوت العلمي أحياناً بين مختلف الفلاسفة نشأت المدارس الفلسفية المختلفة القديمة والمتوسطة والحديثة . ولم يكن الفرق بين العلم والفلسفة والعلاقة بينهما أشد وضوحاً عند أحد ، بينما كان واضحاً لدى ” أنطون سعاده ” حيث قال في مقدمة كتابه ” نشوء الأمم ” :
” إن نشوء الأمم كتاب اجتماعي علمي بحت تجنبت فيه التأويلات والاستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة ، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً “
” أنطون سعاده ” لا يخلط بين العلم والفلسفة كما يفعل عدد من العلماء خصوصاً في علم الاجتماع الدقيق .
ولكن كمال العلم في ” نشوء الأمم ” هو ما جعل ” أنطون سعاده ” يتوج الحقائق العلمية التي أثبتها وحللها أدق تحليل بنظرات فلسفية عميقة تناولت قضايا كونية أساسية . وكانت نصيحته لفايز صايغ قبل طرده وقبل ظهور تمرده وخيانته :
” إذا كنت تريد التعمق في الفلسفة والوصول إلى فَهم حقيقي للوجود يُمَكّنك من تكوين رأي فلسفي فعليك بدرس علوم أساسية كعلم النفس وعلم الحياة وعلم الإنسان وغيرهما من علوم الاجتماع ” .
وكل فلسفة لا تكون مرتكزة على خلاصات صحيحة لمختلف أجزاء المعرفة تكون فلسفة ناقصة ، معرضة في كل وقت للانهيار تحت مطارق البحث والانتقاد .
الفلسفة الروحية والفلسفة المادية
الفلسفة الروحية
على اختلاف مذاهبها تقول بالخالق غير المنظور ، الموجود وراء مظاهر هذا الكون المتعددة يحركها بكلمة قدرته ، وإن روح الإنسان هي نسمة من روح الله حلّت في الجسم المادي الزائل . وبأن هذا الكون المادي المحيط بنا زائل ، والثابت الأبدي هو الكون الروحي الذي هو الأمثل .
ويمكننا أن نقول أن الفلسفة الروحية على اختلاف فروعها ما هي إلا مرافعات جريئة فذة وجذابة غايتها الدفاع عن العقائد الدينية القديمة ، وهي تعتمد في الأكثر على جهل الإنسان للكثير من الحقائق العلمية كي تبرهن قصور العلم وبالتالي الإنسان عن استيعاب الحقائق الأزلية المركزة في الكائن الأوحد ، والتي عَرفها الإنسان فقط بواسطة الوحي أو التنزيل أو الكشف .
الفلسفة المادية
فهي لا تعترف بشيء من هذا الأصل الروحي غير المنظور فهي تأخذ المادة المنظورة أساساً لبحثها وهي ترى أن الفكر في الإنسان ما هو إلا مظهر من مظاهر المادة المتطورة ، وأن التفاعل بين مختلف العناصر هو أساس تنوّع الأشياء ووجودها ، وأن الحياة هي نتيجة للتفاعل الكيماوي العضوي وكذلك الإنسان وتفكيره وشعوره ولذلك فهي تنكر أي وجود للروح ( من حيث هي كائن مستقل حسب تعليل الفلسفة الروحية ) في هذا الكون المنظور المادي .
وتعتبر هذا المنظور هو بداية ونهاية كل الأشياء ، وتعتمد على الحقائق العلمية المكتشفة وعلى قوة عقل الإنسان وتفكيره في الكشف عن بقية حقائق الطبيعة ولذلك فهي تشكل هجوماً عنيفاً هداماً لكل النظريات والمعتقدات الدينية مرتكزة في الدرجة الأولى على التجربة والاختبار ، ومعتمدة على التسلسل المنطقي في البحث عن الأمور وأسبابها .
” الفلسفة المدرحية “
في وسط هذا الخضم المتلاطم من التفكير الإنساني ، مابين روحي ومادي يبرز على الشاطئ السوري تفكير فذ من نوع جديد ، تفكير يجمع ما بين الروحية المغرقة والمادية المتطرفة ، تفكير ينسجم مع الحقائق العلمية العديدة ، تفكير هو مزيج بين المادة والروح ، تفكير ” مدرحي ” سيكون له أثره الفعال في التفكير الإنساني والتراث العالمي وسيثبت طويلاً ، وطويلاً جداً تحت مطارق البحث والانتقاد .
مرتكزات الفلسفة المدرحية :
أولاً : أنها لا تبحث في منشأ الكون بل في الإنسان . والقيم الإنسانية حيث تتخذ ” الإنسان – المجتمع ” أساساً لها وليس الإنسان الفرد الذي ليس له وجود حقيقي ، وتعتبر أن القيم الإنسانية هي قيم اجتماعية ، متحدية ، لا فردية .
ونرى هنا أن سعاده قد اختط خطة فذة علمية عملية ، فهو لم يبحث في منشأ الكون ولا في المتفرعات المعقدة المتناقضة في هذه القضية ، ولو فعل ذلك لكان مثل غيره من الفلاسفة الروحيين الذين لا يخرجون عن كونهم أحد اثنين ، إما مدافع عن قضايا الوحي والتنزيل والخالق والخليقة مدافعة صريحة ترتكز إلى معتقدات تلك الأديان ، وإما اختط طريقة الحدس والتخمين والافتراض مجبولة بالمنطق المتسلسل الذي قد يبدو حقيقياً في بعض الأحيان ، تلك الطريقة التي تنتج فلسفة ترتكز إلى اللامنظور وتتعاطى باللامحسوس من الأمور التي تفترضها وتعتمد على اللاشعور في سبيل ترسيخ حقائق الوجود ، فيكون بذلك قد خاض ” معركة فكر غيبية ” ليحصل على حقائق مفترضة ليست من المجتمع الإنساني في شيء .
بل نرى أن سعاده يأخذ الإنسان والمجتمع الإنساني كالواقع الأساسي ويبحث ويحلل ويقارن ، فيما صدر ويصدر عن الإنسان من خير وحق وجمال ، من تفكير وشعور وإحساس وأعمال ، ليرى أمامه هذه الحقيقة الكبرى وهي :
” إن الخير والحق والجمال والحقيقة هي قيم اجتماعية ، متحدية ، لا قيم فردية . لا الكثرة ولا القلة تقرر الحق وتفرضه فرضاً . وإذا لم تكن الكثرة ولا القلة أساس تقرير الحق ، فبالأولى أن لا يكون الفرد أساس تقرير الحق وذا السلطان لفرضه . إن مسألة الحق ليست مسألة عددية ، بل مسألة إنسانية اجتماعية . الحق قد يبتدئ بفرد ، أو بعدد قليل ، وقد يبتدئ بعدد كثير ، ولكن شرط الحق في الإنسانية ليكون حقاً أن لا يعلن نفسه ساعة ويختفي ، وأن لا يختزنه العدد الفردي أو المجموعي في نطاقه الخاص فيفنى فيه . أن لا يكون حقاً عددياً بل اجتماعياً لا ينفرد فيه الفرد ولا يستقل به العدد بل يمتد في المجتمع بلا حدود في المتحد نفسه في تعاقب أجياله . الحق ليس فردياً ولا عددياً فهو لا يموت مع الفرد ولا يفنى مع العدد ، إن الحق اجتماعي يظل قائماً ما ظل المتحد قائماً ” .
وما يصدق عن الحق يصدق عن الخير والجمال وجميع القيم الإنسانية الأخرى فهي ملك المجتمع وإن كانت قد صدرت عن أفراد ، ولا وجود لها خارج المجتمع الإنساني إلا على سبيل الافتراض ، ويجب أن نلاحظ أن هذه القيم لا تزداد قدراً إذا افترضنا أنها حقائق مجردة مطلقة موجودة في عالم غير منظور يسعى الإنسان إلى اكتشافها ومحاكاتها كما يفعل الروحيون ، كما أنها لا تنقص قدراً إذا افترضنا أنها نتيجة للتفاعل الكيماوي العضوي في خلايا دماغ الإنسان كما يعتقد الماديون ، غير أن هنالك حقيقة واحدة في كلتا النظريتين وهي أن كلا الحلّين هما مجرد حلول ” افتراضية ” قد تكون مخطئة أو مصيبة ولا سبيل جازم لإثباتها أو نفيها ولكن الواقع العلمي والحل الصوابي هو أن نقرر أن هذه القيم بقطع النظر عن منشئها هي قيم اجتماعية متحدية تمتد في المجتمع بلا حدود في تعاقب أجياله ، يشترك فيها الإنسان في معركة إنسانية ، سلاحه العقل وساحة نضاله المجتمع . وعلى أساس هذا المفهوم العلمي الحقيقي الصوابي يمكن لهذه القيم أن تمتد وتنتشر وتتفاعل ليس في نفس ” الإنسان الفرد ” بل في نفس ” الإنسان المجتمع ” .
ثانياً : إنها ترتكز على شريعة العقل الذي لا يجوز أن تعطله شريعة أخرى ولذلك تعتبر أن الحقيقة هي قيمة فكرية تحصل في العقل بواسطة المعرفة فقط ولا تعتمد على الحدس والتخمين الذي يجعل افتراض المجهول قاعدة للحكم وإن الحق ليس شكلاً أو قيمة مادية بل هو انتصار على الباطل في معركة إنسانية وليس في معركة غيبية أو إلهية تجري وراء هذا العالم ولا يشترك فيها الإنسان ، المجتمع الإنساني .
هنا نرى ما للعقل من أهمية في هذه الفلسفة ولكن العقل المقصود هنا ليس عقل الإنسان الفرد بل عقل ” الإنسان المجتمع ” العقل المتفاعل في المجتمع الذي يستمر في تفاعله إلى أن يهتدي إلى الصواب وسط الخضم المتلاطم المؤلف من أفراد كل واحد منهم ، هو إنسان اجتماعي وليس إنساناً فرداً وبهذا الصدد يقول سعاده :
” إذا غلط امرؤ في استنتاج أو تأويل أو في حسٍ ما فيصلح غلطه باستنتاج امرئ آخر أو تأويله أو حسه الصحيح ” .
أما الأفراد الخارقون الذين يخلقون ويشرعون ويقيمون النظم ويصبحون هواه للمجتمع فهم أفراد ” كأن نفس الواحد منهم مؤلفة من كل النفوس ” .
والمعرفة المبنية على العقل من بعد الاختبار والدرس والتمحيص والمقابلة والمقارنة في سياق التفاعل الاجتماعي الطويل تكون أصوب من الاستنتاج المبني على الحدس والتخمين بعد افتراض المجهول . والحق المنتصر على الباطل في معركة إنسانية مرتكزة على المعرفة العقلية ، هو الحق الأصوب ، إذ أن حقاً يحصل في معركة غيبية أو إلهية تجري وراء هذا العالم ولا يشترك فيها المجتمع الإنساني لا يخرج عن كونه حق مفترض حصوله وحق من هذا النوع لا يمكن أن يكون الحق المطلق ، بل الحق المطلق والقيم الفكرية المطلقة هي التي تحصل في العقل ضمن المجتمع الإنساني بواسطة المعرفة .
ثالثاً : إنها تعتمد على تفاعل الروح والمادة ، على التفاعل الموحد الجامع للقوى الإنسانية ، فالقوى الإنسانية المؤلفة من روح ومادة كانت لا تزال تفعل في الكون والمجتمع منذ وجود الإنسان على وجه الأرض إلى هذا اليوم ، والفكر الفاعل هو الذي يكيف المادة المنفعلة فينتج العلم والثقافة والحضارة والعمران . وعلى هذا التفاعل الموحد الذي يرتكز إلى الحقائق الحاصلة في العقل بواسطة المعرفة نشأت المجتمعات الإنسانية وتطورت وتستمر بتطورها إلى بلوغ الغاية القصوى .
رابعاً : إنها تعتبر أن المجتمع هو الوجود الإنساني الكامل والحقيقة الإنسانية الكلية ولكنها تقول في الوقت نفسه أن المجتمع الإنساني ليس الإنسانية مجتمعة بل هو ” واقع مجتمعات ، واقع أمم تتصادم وتتنازع موارد الحياة ” .
ندرك خطورة هذه النظرة من وجهة معالجة المشاكل القومية والمشاكل العالمية في وقت واحد ، إذ على إدراك حقيقة هذه النظرة ذات الشقين : الأول : المجتمع هو الحقيقة الإنسانية الكلية .
الثاني : هو في الوقت نفسه واقع أمم تتصادم وتتنازع موارد الحياة .
فعلى إدراك هذه الحقيقة الثنائية يتم حل جميع المشاكل التي ما تزال البشرية تتخبط فيها وتنتقل من حرب إلى أخرى ، ولأن إدراك مغزى هذين الشقين لهذه النظرة الذين يبدوان مناقضين لأصحاب الفكرة السطحية ويعطي الأساس الصوابي لوضع الحلول العملية الموفقة التي تقضي على الشر وتنتج الخير لهذا المجتمع الإنساني .
خامساً : إنها تهدف من وراء كل شيء إلى إقامة نظام جديد من النوع الذي تتطلبه حياة إنسانية اجتماعية مرتقية .
وهذا ماهو إلا تعبير موجز لمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وتعاليمه وعقيدته ، هذه المبادئ التي هي في الواقع تطبيق عملي شامل لجميع المرتكزات الفلسفية التي تتألف منها فلسفة سعاده .
المبادئ هي التطبيق العملي للفلسفة القومية الاجتماعية
نلقي الآن نظرة شاملة على هذه المبادئ لنرى كيف أنها تمثل التحقيق العملي للفلسفة القومية الاجتماعية .
سعاده في الدرجة الأولى يأخذ الأمة السورية باعتبارها إحدى المجتمعات التي يتألف منها واقع المجتمع الإنساني ويظهر ماهيتها بأنها أمة تامة أي مجتمعاً كاملاً وهي الخطوة الأولى الواجبة والضرورية التي بواسطتها يدخل المجتمع السوري إلى حلبة الصراع بين بقية المجتمعات التي تتألف منها الإنسانية ويحددها بأنها اجتماعية واحدة .
الشيء الذي يعني بأنها مؤلفة من أناس ، أفراد ، اجتماعيين يتم بينهم التفاعل الاجتماعي الذي به يدركون حقيقة كيانهم ، ومن ثم ينتقل إلى الجزء المادي من الأمة وهو الأرض ، الجزء المنفعل والفاعل بنفس الوقت ، المنفعل بصفة تحوله إلى غذاء وكساء وبناء وعمران ، والفاعل بصفة كونه مؤثراً أساسياً في رفع الخاصية السورية على مختلف الأفراد الاجتماعيين الذين يؤلفون بمجموعهم وتفاعلهم الاجتماعي الأمة السورية ، ويُظهر أهمية الأرض ( الوطن ) كشيء أساسي لنشوء الأمة .
ويدلل على أهمية التفاعل الاجتماعي عندما يقول :
” الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة ، تستمد النهضة روحها من تاريخ الأمة السياسي والقومي “.
ويضرب بالفردية الأنانية عرض الحائط عندما يعلن بأن ” مصلحة سوريا فوق كل مصلحة ” وهو بعد أن يضع هذه التحديدات الأساسية للأمة والوطن ويظهر أهمية التفاعل الاجتماعي يعود ليعالج الناحية الروحية من الأمة معالجة أساسية تنسجم مع المرتكز الفلسفي الثاني القائل بأن الحقيقة هي قيمة فكرية تحصل في العقل ، العقل الذي لا يجوز أن تعطله شريعة أخرى .
فنراه يقول بفصل الدين عن الدولة ومنع رجاله من التدخل في شؤون السياسة والقضاء وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب وهو يرمي بذلك إلى إقامة دولة العقل المنفتح على الحقائق لا على التعصب البغيض الذي يعطل بجموده عملية التفاعل الاجتماعي وبالتالي يعطل الحياة من أصولها .
وقد جاء في المحاضرة الثانية في الندوة الثقافية :
” إن نظامنا يرمي إلى صهر التقاليد المنافية لوحدة الأمة . والتقاليد كما أوضحت في ( نشوء الأمم ) ، ليست شكلية ، سطحية ، بل لها مساس بالاقتناعات العميقة في نفس الإنسان ، وهي تختلف عن العادات ، فالعادات هي التي يمكن أن تتغير بسهولة لأنها تتعلق بسطحيات الحياة ، أما التقاليد فلها علاقة بالاقتناعات النفسية العميقة . فالتقاليد التي تمثل إما مبادئ ، أو استمرار مبادئ ليست لأجل حياة الأمة وارتقائها يجب أن تصهر لأجل الحياة ، وليس لأجل أن تكون الحياة لها . إن التقاليد هي ، في عرفنا كالمبادئ ، للحياة ، وليست الحياة للتقاليد ” .
وهذا يوجهنا وبوضوح لأهمية النظرة العقلية القائمة على المعرفة الحقيقية . هذه النظرة التي تطلب دوماً وأبداً كل ما هو خير وحق للمجتمع البشري ، وترفض كل ما يعرقل سير الحق القائم في المجتمع الحق الذي :
” هو انتصار على الباطل في معركة إنسانية وليست في معركة غيبية أو إلهية تجري وراء هذا العالم “
وهذه النظرة تتطلب من معتنقيها إعادة دراستهم لدينهم ليكتشفوا الحقيقة الصوابية لدينهم ، ذلك الدين الذي مصدره الله ، الله الذي هو نفسه مصدر العقل في الإنسان .
وعندما تتم هذه المعالجة الروحية في الأفراد تكون قد نمت في الأمة بأجمعها التي تصبح فيما بعد موحدة الاتجاه عظيمة الفاعلية في تحقيق جميع القيم الإنسانية وبالنظر لأهمية هذه النظرة الخطيرة فقد خصص سعاده ثلاثة من المبادئ الخمس الإصلاحية لمعالجة هذه القضية .
ثم بعد أن ينتهي من وضع الأساسات العميقة للإصلاح الروحي أو الفكري ، ينتقل إلى الإصلاح الاقتصادي ، المادي ، الشيء الذي ينتج عنه قوام الفكر والروح فيعالج هذه الناحية بمبدأ واحد جامع شامل لأعمق أساسات الاقتصاد فيقول بإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وصيانة مصلحة الأمة والدولة وبذلك يميز بين مصلحة الأمة المؤلفة من أفراد هم أساس المعالجة وبين مصلحة الدولة التي ما هي إلا أداة لتأمين مصالح الأمة الأساسية . وهو بذلك يرمي إلى إقامة التفاعل الموحد الجامع للقوى الإنسانية .
وأخيراً يرى أن الأمة التامة الموحدة والوطن المحدد الواضح والتفاعل الاجتماعي المستمر والتفكير الإنساني الراقي المصلح ، والاقتصاد القومي الضامن للرخاء والرفاهية ، يرى كل هذه الأشياء الجميلة الخيرة قد تذهب هباءً منثوراً إن لم يكن لها من قوة مادية تحميها عندما ” تتصادم الأمم وتتنازع موارد الحياة ” وتحركها لتنمو وتتمكن من الاستمرار في حياتها وتقدمها لتصل إلى الشكل ” الذي تتطلبه حياة إنسانية اجتماعية مرتقية ” ولذلك جاء بالمبدأ الأخير القائل بإنشاء جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن .
الأمة التي هي بحد ذاتها :
” المجتمع الذي هو الكيان المادي الصالح لتنشئة جميع هذه الامكانيات والذي بدونه لا استمرار لها ولا تطور ولا تفاعل . لأنه يعتبر أن القوة المادية هي دليل على القوة النفسية الراقية ” .
هذه لمحة موجزة عن الفلسفة القومية الاجتماعية التي وجدت لتعبر عن نهضة ، ولتحقق تلك النهضة ، النهضة التي لها مدلول واضح عندنا وهو :
” خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة تشعر أنها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية إلى نظرة جلية قوية إلى الحياة والعالم ” .
دمشق 25/6/2023
الأمين عبد الله راشد