الاستحقاق الرئاسي على حدَّي الخيارات الخطأ والنتائج المرة

وكأنّنا اليوم نستحضر الأمس بأطيافه وجماعاته حول حقيقة أنّ لبنان كيان اصطنعه الاستعمار الغربي بعد سايكس بيكو، وكلّ دعوات الصهر والدمج بين خصوصيات ثقافية في جماعات تعيش استقلالها في كيانات اجتماعية قائمة بذاتها لذاتها ينقض في الشكل والجوهر فكرة أنّه يمكن أن يكون أمة وأن يكون شعبًا،
خاصة في ظلّ عدم قدرة مفهوم المجتمع المدني على تقديم إطار مرجعي لتفسير وتحليل نظامنا السياسي وتركيبته التعددية.
وهنا يبرز مفهوم التوافق الذي لا يستند الى الدستور وحده بل الى الأعراف المتفق عليها بين اللبنانيين، بمعنى أنّ التوافقية صنو الديمقراطية اللبنانية التي حددت إطارها المبدئي تركيبة لبنان الاجتماعية الطائفية.
راهنًا يبدو أنّ اسقاط منهج التسوية والتوافق على الاستحقاق الرئاسي غير متوفّر ليأخذ الاصطفاف حول هوية الرئيس العتيد بعدًا طائفيًا بين مكونين أساسيين وغياب ثالث.
إزاء هذا الانقسام يبدو الفراغ طويل الأمد، وأحيا معه نتيجة التوليفة التصادمية في الخيارات حقبة التطاحن بين 8 و14 آذار وإفرازاتها في ذروة الاحتدام السياسي فيما مضى من السنوات السابقة، فالثلاثي التيار، القوات والكتائب تخندقوا معًا ضد سليمان فرنجية كونه من وجهة نظرهم أحد أعمدة “المنظومة” المتسربلة بالفساد و… والخ. هذا التوصيف الفضفاض الملتبس في بلد العلل والملل يستحيل الفرز بين الأطهار الأخيار والمرتكبين الأشرار. بالمقابل تتبدى شروط الثنائي الوطني وحلفائه من القوى الوطنية والقومية الذي يرى اختيار الوزير جهاد أزعور من حيث المقاسات الوصفية المعتمدة غير مطابق لشعار الفيتو المفروض على فرنجية كون الوزير أزعور شغل موقع وزير المال في حكومة الرئيس السنيورة مع ما شاب تلك الحقبة من مآخذ تتعلق بالشفافية وسؤ إدارة الأموال العامة وصعود نجم الإبراء المستحيل الذي خبا نوره لاحقًا، إضافة للتسليم بأنّ فرنجية يطابق شعار عدم طعن المقاومة في الظهر كحليف استراتيجي موثوق.
أكثر من ذلك، إنّ عزوف الثنائي الوطني وحلفائه عن دعم الوزير فرنجية يعني إلغاءً طوعيًا للذات السياسية في الحكم، جراء حتمية أن تكون الحكومة بشخص رئيسها من حصة مناخ سياسي مغاير، ويتأتى ذلك في حال حدوثه في ظل تحولات هائلة في الإقليم تصب في خانة الثنائي وحلفائه، إذ ليس منطقيًا تقديم التنازلات لهذه الدرجة والانسحاق في عز ظهيرة الانتصارات.
والحال، يبدو أنّ الثنائي الوطني وحلفاءه من القوى والشخصيات الوطنية والقومية غادر غرفة التخطيط الى ميدان الضغط بالوقت وتكتيكات مستجدة لكنها موجعة، بدأت بتوجيه لكمة واضحة التأثير عبر الافراج عن ترقيات ضباط دورة ال94 والايحاء بأنها تمريرة ماهرة لقائد الجيش العماد جوزيف عون وهذا من شأنه إثارة قلق البرتقالي وإراحة القوات والكتائب ومعه منظومة إقليمية ودولية، طالما يشاع أنّ قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشحها المضمر في مناورة قوى 14 آذار، مع الإشارة الى أنّ قائد الجيش لا أحد يستطيع تصويب السهام عليه سواء من بيئته أو خارجها، نظرًا لما للجيش اللبناني في الوجدان الوطني من ثقة ومحبة ومكانة.
ومن الإزعاجات القادر معها الثنائي وحلفاؤه ترجمتها ترك الحبل على غارب الفراغ للدفع الى تعزيز أطروحات الفدرلة واللامركزية الموسعة الإدارية والمالية، وهذا من شأنه العودة بالخسران الشديد على أطراف تحالف التيار – القوات – الكتائب حيث الصراع سيبلغ أقساه وأقصاه بأساليب شتى تبدأ بالتمزق المجتمعي ولا تنتهي بالاحتراب لبسط النفوذ، ما يذكر بأيام سوداء مأساوية، وهذا بالطبع يحفز على ما لا يلائم سياسة الرفض والسقوف العالية في وجه فرنجية ويؤسس بالعقل البارد للنزول عن الشجرة والتواضع السياسي والذهاب الى تسويات وتفاهمات وطنية وحلول واقعية.
اما اطالة الفراغ فلا يضير الثنائي بشيء سيما وان رفض فكرة التوافق و(كربجة البلد) ستقود الى تعديلات حتمية في طبيعة النظام لن تكون في حال من الأحوال لصالح الفريق المناهض لفرنجية، وهذا سيقود حكمًا الى أعادة توزيع الحصص في النظام السياسي خارج إطار المناصفة وبالتالي الاعتراضات السابقة على الطائف لا تقاس بما هو آت من متغيرات.