أفريقيا محط أطماع العدو

    تحتل القارة الأفريقية مكاناً مهماً في أولويات العدو “الإسرائيلي”، وقد سخّر الكم الأكبر من قدراته بإتجاه القارة السمراء، ويعود هذا الاهتمام إلى عدة أسباب، منها ما هو أمني أو سياسي أو اقتصادي.

    على صعيد الاهتمام من الناحية الأمنية، يعتبر العدو البحر الأحمر والدول الأفريقية التي تطل عليه والقريبة منه، نقطة استراتيجية، سيما وأن قناة السويس التي تقع شمال هذا البحر، يمر عبرها قسم كبير من النفط العالمي، فهو يرى في البحر الأحمر، الممر الجنوبي الوحيد الذي يصله بجنوب وشرق الكرة الأرضية، ولهذا السبب قام ببناء مراكز عسكرية له خلال فترة الستينيات في الجزر المقابلة للساحل الأريتري، وتضم هذه المراكز وحدات استخباراتية، وقطع بحرية وقوات كوماندوس، وقد استطاع العدو من خلال هذا التواجد الأمني والعسكري، أن يحافظ على مصالح الولايات المتحدة الأميركية، فقام بدعم أنظمة الحكم في بعض الدول الأفريقية الموالية لأميركا وتقديم الدعم الاستخباراتي لها، إضافة محاربة الحركات الثورية، وإنجاز صفقات الأسلحة المشبوهة.       

    من الناحية السياسية، استطاع العدو ومن خلال تطوير علاقاته الدبلوماسية مع عدد كبير من الدول الأفريقية، أن يحصل على دعم هذه الدول داخل منظمة الأمم المتحدة، مستفيداً منها لتخفيف العزلة التي كانت تفرضها عليه الدول العربية داخل المنظمة.   

    من الناحية الاقتصادية، أنشأ العدو عدداً كبيراً من الشركات في الدول الأفريقية، منها ما هو متعلق بالشأن الزراعي كإقامة مراكز للتدريب والارشاد الزراعي، وإقامة مزارع للمواشي والدواجن، وفي الشأن التعليمي تم إنشاء عدد من المدارس والجامعات، وفي الشأن الصحي تم إنشاء مستشفيات ومراكز طبية، وفي شأن النقل أُنشئت شركات للطيران، وشركات للنقل البحري، كما قامت بعض الشركات “الإسرائيلية” المتخصصة في التنقيب عن المعادن، بعمليات استخراج الماس في الكونغو، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وسيراليون. 

    ومن خلال تتبع مسار تاريخ العلاقات “الإسرائيلية” الأفريقية، نجد أن هذه العلاقات بدأت في أواخر فترة الخمسينيات، مع جنوب أفريقيا، ليبيريا وغانا، وتطورت هذه العلاقات وتوسعت في بداية فترة التسعينيات لسببين، الأول هو عقد مصر لاتفاقية “كامب ديفيد”، والسبب الثاني انعقاد مؤتمر مدريد وبدء العملية التفاوضية المباشرة بين العرب و”إسرائيل”، ما دفع معظم الدول الأفريقية لإقامة علاقات دبلوماسية مع العدو.

 
    عمل العدو على تقديم مساعدات للدول الأفريقية في جميع الميادين، العسكرية والأمنية، فقامت بتدريب وتسليح عدد كبير من الجيوش، إضافة إلى تقديم المساعـدات الإستخبارية وتجارة السلاح، وأنشأ نقاط تجسس ومحطات إنذار مبكر، كما قام بالعمل على تقوية الحركات الانفصالية في العديد من الدول.

    عمل العدو منذ السبعينيات وبشكل منظم، على نقل أعداد كبيرة من اليهود الأثيوبيين “الفالاشا”، وذلك لمواجهة النمو السكاني المتزايد لدى الفلسطينيين، وأبرز عمليات النقل هذه، عملية “موشيه” وعملية “سليمان”، ويطلق اسم “الفالاشا” على اليهود من أصول إثيوبية، وهو يعني باللغة الأمهرية “المنفيين” أو “الغرباء”، ويحمل بعض معاني الاحتقار، لأنه يُستخدم لوصف هذه المجموعة من قبل غير اليهود، وهم لا ينتمون إلى أي من الكتل اليهودية الرئيسية في “إسرائيل”، بل يشكلون مجموعة إثنية ودينية مختلفة، وينظر إليهم اليهود الغربيون والشرقيون نظرة دونية، وترفض المدارس اليهودية قبول أبنائهم ضمن صفوفها، ما دفعهم إلى تأسيس مدارس وأحياء خاصة بهم، وهي منعزلة ومرفوضة من بقية أفراد “المجتمع الإسرائيلي”، يُضاف إلى “الفالاشا” مهاجرون أفارقة من السودان وأريتريا.