العروبة الزائفة والعروبة الحقيقية

العروبة الزائفة والعروبة الحقيقية

العروبة التي تهمل المبادئ الجغرافية والاقليمية والسلالية والتاريخية والاجتماعية : أي جميع العوامل التي توحد الواقع الاجتماعي وتتكفل بحفظه ولا تستند إلا إلى الدين وإلى اللغة بمقدار هي عروبة زائفة لا نتيجة لها غبر عرقلة سير المبادئ القومية الصحيحة في سورية والأقطار العربية عامة ، وإعطاء الدول الأجنبية كل فرصة للتسلط على أمم العالم العربي والتغريز بها وإذلالها ، هي عروبة زائفة لأنها لا ترمي إلى نهوض أمم العالم العربي بل إلى إيقاد نار الفتنة الدينية والحرب الداخلية في كل أمة مؤلفة من أكثر من ملة المحمديين .

إن أصحاب هذه العروبة هم أعداء العرب الحقيقيون لأنهم أعداء نشوء القومية الصحيحة في كل أمة من أمم العالم العربي ، وأعداء نهوض كل من هذه الأمم كرجل واحد لنيل سيادتها وحقوقها والارتقاء نحو مطالبها العليا المكونة من نسيج شعورها وآمالها ومطامحها وأشواقها الأصيلة في نفس كل أمة ومزاجها وهم يتوهمون ، لجهلهم الفنون والعلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، إن الأكثرية المليةتغني عن الواقع الاجتماعي وعن الوحدة القومية المطلقة التامة .

إن هؤلاء ” العروبيين ” قد زيفوا القومية ووضعوها في السوق للتداول عوضاً عن القومية الحقيقية ، التي هي شعور كل أمة بشخصيتها ونفسيتها وحقوقها ومطالبها ، وكما يلتبس على غير الخبراء بالعملة والطباعة المالية أمر العملة الزائفة كذلك يلتبس على غير الخبراء بالعلوم الاجتماعية والسياسية وغير الممارسين للقومية الصحيحة أمر القومية الزائفة ، فهم قد جعلوا العروبة في مقام الرابطة الدينية ، ثم طلوها أو رسموها برسوم القومية زيادة في التمويه والتضليل .

قلنا أن القومية هي الشعور بشخصية الأمة وحقوقها ومثلها العليا ، وهي في الحقيقة شخصية المجتمع ونفسيته فلا تطلق إلا على المجتمع المكون شخصية فيزيائية ونفسية واحدة ، ولما لم يكن العالم العربي قطراً واحداً وبيئةً واحدةً وسلالةً واحدةً ومجتمعاً واحداً فلا يمكن أن تكون له شخصيةٌ فيزيائيةٌ ونفسيةٌ واحدةٌ ، وبالتالي لا يمكن أن تكون له قوميةٌ واحدةٌ ومطالبٌ واحدةٌ ونظرةٌ واحدةٌ إلى الحياة والفن .

العالم العربي مؤلف من أقطار متباعدة ، وأقسام كبيرة منه تتخللها أو تؤلفها الصحاري القاحلة غير الصالحة للعمران ، وإذا كانت قد دخلت هذه الأقطار نسبة دموية عربية قليلة ، فوضعها الجغرافي ومعدل كثافة سكانها وإمكانياتها الاقتصادية لم تؤهل هذه الأقطار لإنشاء مجتمع واحد مترابط بدورة دموية واجتماعية – اقتصادية منتظمة ، فلم تنشأ فيها نفسيةٌ متمدنةٌ واحدةٌ ولا نظرةٌ إلى الحياةِ واحدةٌ ، فهي ليست بيئةٌ واحدةٌ ، وسكانها لا يؤلفون أمة واحدة ، وتسمية شعوب العالم العربي أمة هي من باب إطلاق الأسماء على خلاف مدلولاتها ومعانيها .

العالم العربي بيئات متباينة ومجتمعات متباعدة ، وحاجات كل مجتمع ومطالبه العليا ونظرته إلى الحياة والكون تختلف عن حاجات الآخر ومطالب كل منها ونظرته إلى الحياة والكون ، وبناء عليه يكون العالم العربي أمماً لا أمة ، وهذه الأمم لها صلات لغوية ودينية بعضها ببعض توجب عليها سلوك خطة التقارب والتفاهم ما أمكن والتعاون على نسبة الاشتراك في بعض الشؤون السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية التي يمكن أن توجد في ما بينها . والطريقة الوحيدة لحصول هذا التقارب وهذا التفاهم وهذا التعاون هو أن تنهض كل أمة بنفسها وتفهم وضعها وحاجاتها ومثلها العليا ويتمرن أفرادها على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية فتصبح قادرة على إدراك ما يمكنها من أن تشترك فيه مع أمم العالم العربي ويتفق مع حاجاتها ورغباتها ، وهذه هي العروبة الصحيحة التي تجمع بين المحافظة على شخصيات أمم العالم العربي وحرياتها وحقوقها من جهة ، والتعاون الطوعي أو الاختياري في جميع المصالح المتبادلة في ما بينها من جهة أخرى ، هذه هي العروبة الصحيحة التي وضع قواعدها المتينة الحزب السوري القومي ، الذي ، مع عمله لنهضة سورية ، لم ينس مركز سوريا في العالم العربي وما تقدر أن تفعله سوريا للعالم العربي .

كل وحدة فعلية ، لكي تثبت على زعازع الانقلابات السياسية ، يجب أن تكون طبيعية لا اصطناعية ، فالإمبراطورية العربية – المحمدية كانت وحدة سياسية دينية اصطناعية اجتماعياً ، لأنها نشأت بالفتح وليست برغبة واختيار الذين انضووا تحتها ، فما كادت سورة الفتح تخمد حتى ذر قرن المنازعات الشعوبية واستفاق كل شعب إلى حاجاته ورغباته الخصوصية فتفككت الوحدة الاصطناعية وانهارت الامبراطورية ، ولا يمكن قيامها من جديد إلا بالطريقة التي قامت بها من قبل ، أي بالقوة والفتح ، إذ لا ينتظر أن تكون وحدة اجتماعية – اقتصادية – نفسية – جغرافية نظراً للأسباب التي تقدم ذكرها ، ومسألة الفتح تبقى من شؤون الفاتح ، فهي مسألة سياسية انترنسيونية لا مسألة قومية ، إنها مسألة تقرير مصير أمم و أقطار لا مسألة نهضة أمة واحدة بإرادة واحدة .

النظرية السورية القومية في هذه المسألة هي : النهوض القومي بسورية أولاً ثم سلك سياسة تعاونية لخير العالم العربي ، ونهضة الأمة السورية تحرر القوة السورية من سلطة الأجانب وتحولها إلى حركة فعالة لإنهاض بقية الأمم العربية ومساعدتها على الرقي .

وهذه العروبة السورية القومية هي العروبة الصحيحة الصريحة غير الملتوية ، هي الغروبة العملية التي توجد أكبر مساعدة للعالم العربي وأفعل طريقة لنهوضه .

إنها ليست عروبة دينية ولا عروبة رسمالية نفعية ولا عروبة سياسية مرائية : إنها عروبة مثلية لخير العالم العربي كله .

بتوقيع هانيبعل نشر حضرة الزعيم هذه المقالة في ” الزوبعة ” العدد 37 بتاريخ 1/2/1942 ص:4