“وحدة الساحات” تعبير برز إلى الواجهة في العام 2021، خلال معركة “سيف القدس”، وهو معادلة جديدة فرضتها فصائل المقاومة الفلسطينية، تنص على وحدة الجبهات في فلسطين، من غزة والضفة الغربية والقدس، إضافةً إلى لبنان والشام، إلى جانب العراق واليمن وإيران، وخلال الأيام الأخيرة من هذه المعركة، تمت ترجمة هذا التعبير على الأرض من خلال إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وجنوب لبنان والشام، ومن خلال ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة في الضفة الغربية، واندلاع مواجهات في عدّة مناطق في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48.
إن مفهوم “وحدة الساحات” يسعى لصياغة وجهة استراتيجية-سياسية، تندرج كافة أعمال المقاومة تحت مِظلّة هذا المفهوم الواسعة، ويعمل هذا المفهوم على امتلاك عنصر الإجماع على هدف مشترك بين الجُغرافيات والتنظيمات والقوى العاملة تحت المظلّة نفسها.
استطاعت المقاومة في فلسطين من خلال عملية “سيف القدس”، أن تثبت أنها تملك قدرات عسكرية هائلة، فاجأت بها العدو، كما استطاعت أن تخرج من هذه العملية بإلزام العدو بالاستجابة لأهدافها، مع الإشارة إلى أن المواجهات السابقة كانت تنتهي بتسويات تتوافق مع مصلحة العدو، وتميزت هذه المعركة بأنها كانت ذات طابع استراتيجي عام، جعل القدس هدفاً دفاعياً رئيسياً تقاتل المقاومة من أجله، وهو ما يُعرف بمفهوم “المعركة الشاملة”.
اعتمد العدو خطة تقوم على تفكيك مناطق فلسطين من الناحية الاجتماعية والسياسية والعسكرية، وحاول فصل غزة عن الضفة، وفصل القدس عن مناطق الـ 48، وفصل فلسطين ككل عن محيطها وعمقها القومي، وفي الوقت الذي كان العدو يعمل على تفكيك الساحات، أتت “وحدة الساحات” لتنسف كل جهوده، وبات يعاني من عدة هواجس، الهاجس الأول هو أنه يدرك جيداً بأنه لن يستطيع أن يخوض حرباً متعددة الجبهات، رغم إمكاناته العسكرية الكبيرة، لذلك يحاول دائماً أن يفصل بين جبهة غزة وجبهة لبنان، والهاجس الثاني يتمثل بخوفه من أن تنضم جبهات جديدة إلى المعركة المقبلة، فتتعاظم قوة المقاومة، ويخسر ما تبقى لديه من “هيبة” وقوة ردع، كذلك فإن استنزافه في كل الساحات، جعله في حالة تخبط وضياع، كما أنه يخاف من أن تقوم الضفة الغربية بدور يجعلها في حالة ثابتة من المقاومة، يمكن أن تستنزفه من خلال هذا الدور.
قام العدو باعتماد استراتيجة تفتيت الجبهات، وذلك من خلال محاولته تدمير البنية العسكرية الأساسية لحركة الجهاد الإسلامي، واغتيال قيادييها في قطاع غزة والضفة الغربية،واستمرار تلك المحاولات في الساحات الخارجية، كالشام ولبنان، إضافة إلى توجيه رسائل تحذير لحلفاء إيران في الشام ولبنان، من عواقب الانخراط في المواجهة العسكرية، والعمل على عدم تدخل حركة حماس في المواجهات العسكرية، من خلال الضغوط السياسية والأمنية والمالية التي يمارسها الوسطاء، أو من خلال التهديد باغتيال قادة الحركة، والعمل على خفض سقف شروط التهدئة من جانب الفصائل الفلسطينية المسلحة بعد كل جولة من جولات المواجهة.
لقد خاض العدو عدوانه الأخير على الأقصى وغزّة، معتقداً أنه سيُنفّذ عملية خاطفة لتفكيك جبهة المقاومة الفلسطينية، فوجد أن معادلة “وحدة الساحات” قد تثبتت، وجاءته الردود من الجبهات الداخلية والخارجية.
واليوم ومع مرور عامين على ولادة هذه المعادلة، فقد استطاعت المقاومة في فلسطين أن تحافظ عليها، كما استطاعت أن تمسك بزمام الأمور بشكل كبير، فقد رسّخت قواعد اشتباك جديدة في مواجهة قوات العدو، وفرضت مُعادلات مغايرة للأعوام السابقة، إذ إنها هي التي باغتت بإطلاق الصواريخ.
محمد جميل عليان