رشيد مزهر القاضي الجاهز لكل المواجهات

كثيراً ما كان رشيد مزهر، وهو لايزال يافعاً يصحو من نومه  مع بزوغ الفجر فيشاهد والده القاضي كامل مزهر ، والذي تقلد في حياته مناصب قضائية رفيعة ، مايزال ساهراً في مكتبه منكباً على دراسة ملفاته، وعندما كان يسإله عن سبب بقائه صاحياً حتى هذا الوقت ، ويطلب منه إن يخلد إلى الراحة، كان يجيبه بإنه لايسطتيع النوم قبل إن يشبع الدعاوى التي بين يديه درساً، وخاصة إن بعضها قد يصدر فيها حكم بالاعدام ، وهو يريد لضميره أن يكون مرتاحاً قبل جلسة النطق بالحم.نزاهة كامل مزهر وتجرده في حياته القضائية والشخصية ، شكلت مخزوناً ثرياً لإبنه رشيد في الاخلاق والقيم ظل ينهل منه في حياته الشخصية والمهنية إلى إن وفاته المنية في الرابع من هذا الشهر.

قبل أن يدخال رشيد مزهر نادي القضاة سلك درب المحاماة ، ولكنه لم يسطتع الاستمرار فيه طويلاً، والسبب زهده المفرط في التعاطي مع الامور المادية ، وخاصة مع اصدقائه ورفاقه ، والذين لم يكن يطالبهم بإي اتعاب في القضايا التي كانوا يوكلونه بها، إن لم يبادروا هم من تلقاء إنفسهم إلى تسديد ما يتوجب عليهم.مشهد أوقع صاحبه تدريجياً في ضيقة مادية، والتي لم يجد لها حلاً إلا أن يطلق المحاماة ، وأن يتوجه نحو القضاء.مستفيداً من ألاعلان عن مباراة لدخول معهد الدروس القضائية ، وذلك  عام 1973.

أثنا عشرمتبارياً نجحوا في إمتحانات الدخول بينهم رشيد مزهر. بعد تأهلهم راح الناجحون ينتظرون استدعائهم للالتحاق بالمعهد، ولكنهم فوجئوا بمماطلة وزير العدل في إصدار النتائج رسمياً. هذا التأخير تبين إن ورأه ضغوطات سياسية هدفها إفساح المجال لعدد من الراسبين ، من إجل الانتساب إلى معهد القضاء بعض تخفيض معدل النجاح.

بعد التخرج من معهد الدروس القضائية . جرت العادة أن يبدأ القضاة الجدد سلم تدرجهم المهني من المحاكم المدنية. هذه القاعدة قرر رشيد مزهر الخروج عليها. ذهب إلى رئيس معهد الدروس القضائية القاضي إيلي بخاش ، وطلب منه تعيينه مستشاراً في محكمة الجنايات، وكان ذك عام 1976. طلبه هذا كان سببه وجود حساسية لديه تجاه له كل ماله علاقة بالمال والمادة.

في محكمة الجنايات جلس رشيد مزهر للمرة الاولى تحت قوس العدالة، إلى جانب القاضي إمين نصار رئيس المحكمة. مشهد إتي ليعيد الزمن خمسة واربعين عاماَ إلى الوراء، وذلك حين كان والد إمين نصار رئيساً للمحكمة  ، وإلى جانبه والد رشيد مزهر مستشاراً.

مع بدء الحرب  الاهلية ، وإستعار لهيبها  تعطلت عجلة القضاء. فكان أن وجد رشيد مزهر نفسه منهمكاً في خدمة قضايا الناس في بلدته حمانا ، وهي عادة درج عليها والده واجداده في المنطقة من قبله.أحداث الحرب وما نتج عنها من مجازر طائفية وعمليات تهجير، تركت خوفاً في نفوس المسيحيين في المنطقة، وخاصة بعد المجازرالطائفية إلتي ارتكبها حزب الكتائب ، وألتي إدت إلى ردات فعل مماثلة من قبل البعض من المحسوبين على الحركة الوطنية. فنزح إلى اماكن اخرى فيما لجأ بعضهم إلى دراة إل مزهر طلباً للحماية.

في حرب السنتين تعرف رشيد مزهر إلى كمال جنبلاط ، ونشأت بينهما علاقة وطيدة كان خلالها رشيد مزهر عراب العديد من الجولات التي قام بها زعيم الحركة الوطنية في المنطقة لبعث الاطمئنان في النفوس ، ومنع إشتعال الفتنة.

حركة رشيد مزهر هذه وصلت إخبارها إلى الاباتي بولس نعمان ، الذي أتصل به طالباً منه تأمين لقاء له مع الشهيد كمال جنبلاط. طلب الاباتي نعمان رحب به كمال جنبلاط ، واقترح منزل رشيد مزهر مكاناً له. في هذا الاجتماع الذي حضره ألى جانب بولس نعمان كل من الاب يوسف مونس والاب المرحوم جورج قزي. طلب بولس نعمان من كمال جنبلاط معرفة رأيه فيما يتردد حول مشروع المبعوث الاميركي  إلى لبنان دين بروان لترحيل المسيحيين إلى كندا. مشروع دين بروان إكد كمال جنبلاط على رفضه بالمطلق، وتمسك الحركة الوطنية ببقاء المسيحيين في إرضهم، ولكنه الوقت نفس الوقت صارح الاباتي نعمان إنه لايملك شيئاً حياله غير الحديث مع الرئيس الياس سركيس، والذي من دون وقوفه في مواجهة المشروع فإنن المخطط قد يجد طريقه إلى التنفيذ.موقف كمال جنبلاط هذا إعتبره بولس نعمان كافيا كافياً لطمئنة المسيحيين , وهو تعهد اً من جهته بمقاومة هذا المخطط بين إبناء طائفته.

مع دخول القوات السورية إلى لبنان في عام 1976 وصلت قواتهم إلى منطقة المتن الاعلى وبسطت سيطرتها على بلدة حمانا. بعد سيطرتهم على الوضع طلب  قائد  هذه القوات المقدم “علوه” الاجتماع بفعاليات المنطقة. دعوة رفض رشيد مزهر تلبيتها تضامناً مع كمال جنبلاط ، والذي كان إعلن موقفاً متشدداً من دخول القوات السورية إلى لبنان بالشكل الذي دخلت فيه. موقف رشيد مزهر هذا لم يهضمه القائد السوري الذي ارسل إحد ضباطه لإصطحاب رشيد مزهر لمقابلته. طلب الضابط السوري وضع رشيد مزهر شروطاُ لتلبيته، وهي إن يذهب وحده وبسيارته ، وأن يختار هو التوقيت الذي يناسبه للذهاب. في مكتب قائد القوات السورية. شرح رشيد مزهر موقفه من مسألة دخول هذه القوات ألى لبنان،، والتي كان من نتائجها استقواء الكتائب بالسوريين وارتكابها مجازر بشعة بحق ابناء بلدتي صليما وارصون من الدروز.اللقاء الذي بدأ صاخباً أنتهى إلى إتفاق على التعاون من إجل إرساء الامن في المنطقة. لكن الذي حدث في نفس الليلة عاد ليعكر الاجواء من جديد، وذلك حين قامت عناصر سورية بالدخول إلى منزل رشيد مزهر ومصادرة أسلحة أثرية قديمة  ورثها عن إجداداه. على أثر هذه الحادثة توجه رشيد مزهر إلى مكتب المقدم علوه وطالبه بحدة بإرجاع المسروقات. إتهام رشيد مزهر له بالسرقة رفضه الضابط السوري ، وهو وعد بالبحث عن الفاعلين. نتائج التقصي عن السارقين إفضت بعد إيام إلى معرفة هويتم حيث تبين إنهم من جماعة فرقة “سرايا الدفاع” التابعة لرفعت الاسد شقيق الرئيس حافظ الاسد، والذين إضطروا إلى إعادة المسروقات بعد إفتضاح أمرهم.

قبل بداية الحرب الاهلية تعرف رشيد مزهر إلى بشير الجميل ، وذلك في مكتب المحامي العام القاضي جورج غانم في العدلية ، حيث كان يتردد بشير بإستمرار لمتابعة بعض القضايا التي تتعلق بعمله كمحام، وفي أحدى المرات صودف حضوره ورشيد مزهر في وقت متزامن ، ولكن القاضي  كان غانم كان خارج المكتب. حديث مجاملة بين رشيد مزهر وبشير الجميل تحول إلى لقاء تعارف. بعد هذه اللقاء تكررت اللقاءات ، والتي كانت كلها بالصدفة في إروقة العدلية، حيث كان بشير يعرب دائماً عن رغبته بالتواصل مع كل فئات المجتمع اللبناني.

عام 1976 ، وكانت الحرب الاهلية قد بدأت زار أحد الكتائبين في بلدة حمانا رشيد مزهر في منزله ، ونقل إليه رغبة بشير الجميل بزيارته في منزله لتناول العشاء طالباً منه كتمان الموضوع حتى عن إقرب المقربين. مشهد إوقع رشيد مزهر في أحراج كبير ، ووضعه تحت عبء امني سياسي ثقيل.، لكن ذلك لم يمنعه من الموافقة على زيارة بشير له. ولكن بالرغم من موافقته فهو ظل حتى اللحظة الاخيرة يشك في إمكانية حدوثها.إذ كيف لضيفه أن يحضر إلى منطقة هي تحت سيطرة إخصامه،  ماذا لو تعرف إليه إحد المسلحين في المنطقة أو دورية مارة؟.ساعات من القلق الشديد إمضاها رشيد مزهر في إنتظار ضيفه ، والذي لم يبلغه بموعد قدومه.  كانت الساعة قد قاربت العاشرة مساء عندما وصل بشير إلى دارة ال مزهر ، ولم يكن برفقته أحد.السهرة امتدت إلى مابعد منتصف الليل ، والحديث تناول كل المواضيع بإستناء السياسية منها. حيث أبدى بشير إعجابه باللوحات الاثرية القديمة المعلقة على الحائط في المنزل الاثري القديم ، والذي يعود تاريخ بنائه لإكثر من ثلاث مئة عام ، وراح يتفحصها بدقة.ثلاث ساعات إمضاها بشيرالجميل بضيافة القاضي مزهر كان خلالها هادئاً وطبيعياً ، ولم يظهر عليه إي خوف أو قلق،  وهو غادر بعدها وحده كما إتى دون أن يخبر أحداً  بالسر.بعد هذا اللقاء عاد بشير ليتصل برشيد مزهر مرة ثانية بواسطة صديق مشترك إيضاً. طالباً الاجتماع به مرة ثانية في الكتائب المركزي في الصيفي. اللقاء الثاني لم يأت هادئاُ وودياً كالذي سبقه. كلام قاس سمعه بشير من ضيفه ، وذلك على خلفية المجزرة إرتكبها حزب الكتائب في بلدتي صليما وارصون. خرج بعده رشيد مزهر قبل أن يفسح المجال لبشير  إن يشرح له الغاية من دعوته هذه.

بعد استشهاد كمال جنبلاط حل مكانه نجله وليد في زعامة الطائفة الدرزية. إتصال إجراه بشير الجميل برشيد مزهر طالباً منه تأمين لقاء له مع زعيم المختارة الجديد، وذلك بهدف التفاهم على كل المواضيع الخلافية . بشير طلب إيضا من رشيد مزهر نقل تحذير لوليد جنبلاط من النوايا الاسرائيلية في لبنان. رغبة بشير بلقاء وليد جنبلاط رفضها الاخير ، وهو كان رأيه إن الوقت لن يحن بعد لهذا النوع من الاجتماعات.جواب جنبلاط إحتفظ به رشيد مزهر لنفسه، و لم يقم بإبلاغه لبشير الجميل.

بعد إتفاق الطائف وتوقف الحرب الاهلية . عادت عجلة القضاء لتتحرك من جديد. التشكيلات القضائية الاولى في عهد الرئيس الياس الهرواي جاءت برشيد مزهر إلى منصب قاضي التحقيق العسكري الاول. إضافة إلى منصبه السابق مستشاراً لدى الهيئة الاتهامية في بيروت ، وذلك عام 1991.

مواجهات حامية وتحديات كثيرة خاضها رشيد مزهر في القضاء العسكري لم يهن خلالها، ولم يهادن في مقارعة الذين كانوا يريدون حرف العدالة عن مسارها، وهو ظل على هذا النهج حتى تاريخ تقاعده عام 2009.

القاء القبض على سيدة تحمل كمية من المخدرات في مطار بيروت الدولي كانت قادمة من البرازيل، يقود إلى تورط قائد جهاز إمن المطار العميد مهدي الحاج حسن في هذه القضية ، وذلك عام 1991. في التحقيق معه نفى العميد الحاج حسن إي علاقة له بالموضوع، نفيه هذا لم يقنع قاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر ببرأته، والذي إمر بتوقيفه إستناداً ألى دلائل كثيرة كانت بين يديه تؤكد ضلوعه في القضية. قرار توقيفه تلقاه العميد الحاج حسن دامعاً دون أن يتفوه بأي كلمة.

بعد إصداره لمذكرة التوقيف بحق العميد حاج حسن  إحس رشيد مزهر إن ثمة قطبة مخفية في هذا الملف ينبغي عليه جلاءها ، وهي تتعلق بإلاسباب التي دفعت بضابط في مركز رفيع إلى التورط في هذا الملف الاسود.فكان إن قصده في مكان توقيفه في مقر سرية الشرطة العسكرية في بيروت، حيث حاول إقناعه بإلافصاح عن السبب إلذي دفعه إلى سلوك هذا المسلك المشين. عله يجد له في أعترافه إسباباً تخفيفية في الحكم الذي سيصدر عليه. محاولة لم تفلح في تحقيق هدفها. إحبطها إصرار المتهم على نفي التهمة الموجهة إليه.

من جهتها حاولت عائلة المتهم إقحام الملف في زواريب السياسة علها بذلك بذلك تستطتيع أخراج إبنها من الورطة إلتي اوقع نفسها فيها. فكان أن قصد وفد منها وليد جنبلاط طالبين منه التدخل لدى القاضي مزهر لإطلاق سراح العميد الموقوف. طلب الزعيم الدرزي رفض القاضي مزهر تلبيته ، وهو أكد لرسول جنبلاط إن الادلة كلها تصب ضد مصلحة المتهم. جواب القاضي مزهر لم يعجب زعيم المختارة ، والذي وعده بمحاسبته على موقفه ، وذلك عندما التقاه صدفة في إحدى المناسبات الاجتماعية. تدخل وليد جنبلاط في القضية لم يكن فقط نزولاً عند رغبة عائلة المتهم فقط ، فهو وجد في القضية مادة لإستخدامها ضد رئيس مجلس النواب إنذاك حسين االحسيني ، والذي كان على خلاف معه في ذلك الوقت ، وذلك من خلال قطع الطريق عليه في تسجيل موقف ضد عائلة المتهم ، والذي كان حسين الحسيني على خلاف قديم معها لإسباب عشائرية.

مواجهة أخرى  اخرى خاضها القاضي مزهر في سبيل تثبيت كلمة القضاء ، ومنع  السياسين من التلكوء في تنفيذ قرارته. القصة بدأت بخلاف بين زوجة أحد الضباط وأحد العسكريين المرافقين المرافقين لوزير الدفاع انذاك البر منصور، وذك عندما حاول منعها من ركن سيارتها إمام مركز عسكري في بيروت. الخلاف مالبث إن تتطور إلى مشادة تدخل فيه الضابط ، والذي تلقى عدة لكمات من مرافق الوزير. شكوى تقدم بها الضابط المعتدي عليه بعد الحادثة أمام القضاء العسكري طالباً توقيف المعتدي ومحاكمته. إستدعاء مرافق الوزير للمثول إمام قاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر لم يسلك طريقه إلى التنفيذ. السبب رفض وزير الدفاع إرسال مرافقه للتحقيق. تصرف وزير الدفاع هذا إعتبره رشيد مزهر تحدياً لهيبة القضاء فكان أن اتصل به طالباً منه إعطاء المثل الصالح في كيفية تصرف رجال الدولة فوعده الاخير خيراً، لكنه لم ينفذ إلتزامه  مما دفع القاضي مزهر ألى الطلب من قائد سرية بيروت في الشرطة العسكرية النقيب عماد العققور ألاستعداد لجلب المتهم بالقوة إذا إقتضى الامر، وهو إبلغ وزير الدفاع بذلك. رفعه لسقف المواجهة مع وزير الدفاع  دفع بألاخير إلى التراجع عن موقفه  وأرسال مرافقه إلى التحقيق. حيث صدرت مذكرة بتوقيفه. عشرة إيام قضاها المتهم في السجن قبل ان يتم الافراج عنه بعد تنازل المدعي عن الشكوى.

بالرغم من إنتهاء الحرب وتوحيد الجيش بعد عملية 13 تشرين اول. فأن بعض الضباط والعسكريين من الموالين للعماد ميشال عون لم يتقبلوا الواقع الجديد ، وهم قرروا إلانقلاب عليه وأسقاطه. وهم قاموا بتشكيل خلايا أمنية  داخل المؤسسة العسكرية لللقيام بعمليات تخريب داخل الجيش والنيل من هيية القيادة وسمعتها وأثبات إنها لاتمثل الشرعية على الارض, وهم راحو يعدون للقيام بلسسلة تفجيرات تستهتدف إماكن متفرقة من لبنان منها بعض المراكز العسكرية. إلا أن هذا المخطط إنكشف امره، وذلك عندما إنفجرت عبوة ناسفة بإحد الضباط ، وهومن  ال عبود بينما كان يقوم بتجهيزها مما إدى إلى مصرعه، وجرح عدد من العسكريين الذين كانوا معه، و ذلك عام 1994. القضية بقيت غامضة في البداية . فصولها بدأت تتكشف عندما لاحظت المخابرات إن بعض العسكريين راحوا يكثرون من التردد على المستشفى العسكري للسؤال عن الجرحى الذين إصيبوا في الانفجار ، ومحاولة معرفة مد ىخطورة حالتهم الصحية ، وعما إذا كانوا قد إدلوا بمعلومات حول تفاصيل الحادث وأسبابه. تعاظم الشكوك حول سلوك هذه المجموعة .دفع بالمخابرات إلى مراقبتها، حيث تبين وجود خيوط تشير إلى علاقتها بالمجموعة إلتي اصيبت بالانفجار.فكان إن تم إعتقال إفرادها وعددهم سبعة. في سجن المخابرات امضى هولاْ حوالي اربعين يوماً قبل إن يتم إرسالهم إلى القضاء العسكري حيث بوشر التحقيق معهم من قبل القاضي رشيد مزهر، والذي بعد إستجوابهم إمر بترك إربعة منهم بسند إقامة. قرار الافراج هذا إكتشف القاضي مزهر بعد أيام إنه لم ينفذ، وأن المفرج عنهم مازالوا معتقلين في وزارة الدفاع. فكان أن اتصل بقائد الجيش العماد أميل لحود لسؤاله عن السبب. الذي إجابه إنهم يمضون عقوبة مسلكية مدتها ستون يوماً قررها لها إستناداً إلى صلاحياته.

 قرار العماد لحود إعتبره القاضي مزهر تعد على دور القضاء  إستناداً إلى القانون، وهو إوضح له أن صلاحياته في القضية تقف عند حدود وضع القضاء يده على الملف.إكثر من نصف إمضاها القاضي مزهر محاولاً إقناع صديقه الحميم إميل لحود ، والذي تعود معرفته به إلى ايام الدراسة بخطأ تصرفه، لكن دون نتيجة. فكان إبلغه في نهاية الامر بضرورة الافراج عن الموقوفين قبل إنتهاء الدوام الرسمي اليوم، وألا فإنه سيجد نفسه مضطراً لعقد مؤتمر صحافي يفضح فيه تجاوز قائد الجيش لصلاحياته.لم يكد القاضي مزهر يقفل سماعة الهاتف مع قائد الجيش حتى إتصل به كل من مدير المخابرات العميد ميشال رحباني ونائبه العميد جميل السيد اللذان تمنيا عليه تليين موقفه إكراماً للصداقة الوطيدة التي تربطه بالعماد لحود. جواب القاضي مزهر جاء حاسما، والذي إبلغهما إن لامسايرة في تنفيذ قرارات القضاء حتى مع أعز الاصدقاء.

 ساعات ثقيلة إمضاها رشيد مزهر في مكتبه ينتظر إنتهاء الدوام الرسمي ليقرر ما يجب فعله. كان قد بقي عشر دقائق قبل إتخاذه القرار الحاسم عندما رن جرس هاتفه ، وكان المتصل قائد الجيش ، الذي إبلغه أنه تم الافراج عن الموقوفين الاربعة ، وأنه قد اخطأ في تصرفه هذا.سوء التفاهم الذين وقع بين رشيد مزهر وأميل لحود لم يؤثر على الصداقة العميقة والقوية بينهما، والتي تجلت في إقتراح إميل لحود على صديقه الحميم تعيينه مديراً عاماً للقصر الجمهوري ، وذلك بعد إنتخابه رئيساُ للجمهورية. منصب إعتذر القاضي مزهر عنه ، وذلك لخلوه من إي صلاحيات تنفيذية.

إتت جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط عام 2005 لتشكل مرحلة من إصعب المراحل التي مربها لبنان في تاريخه السياسي والامني ، و تهديداً حقيقياً لسلمه الاهلي. إقتراح تلقاه رشيد مزهر بعد حوالي الساعتين على حدوث الجريمة من وزير العدل عدنان عضوم بتعيينه محققاً عدلياً في الجريمة. فطلب مهلة للتفكير.بعد إنتهاء مكالمته مع وزير العدل توجه رشيد مزهر إلى قصر قريطم لتقديم واجب العزاء والتشاور مع عائلة رفيق الحريري في تطورات المرحلة المقبلة. في منزل رفيق الحريري جلس رشيد مزهر بين المعزين ، حيث فوجئ بوجود عدد كبير بينهم من الذين كانوا حتى الامس يعادون رفيق الحريري في توجهاته السياسية، ويعبرون عن كرههم له في مجالسهم الخاصة ، وهو سمع ذلك منهم شخصياً في عدة مناسبات ، وهم اليوم يإتون إلى دارته اليوم يبكون ويتفجعون عليه . نظر إلى وجوههم فقراء فيها عنوان المرحلة القادمة ، فقرر إن ينسحب ، وهو قبل مغادرته قال لبهية الحريري : “انتبهوا ممايعد لكم”. وبعد عودته إلى مكتبه إتصل فوراً بوزير العدل، وابلغه إعتذاره عن قبول تعيينه محققاً عدلياً في هذه الجريمة.

جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري شكلت سابقة في تاريخ الجرائم في لبنان، والتي تبين أنها تفوق قدرات أجهزته الامنية على التحقيق فيها. أنطلاقاً من ذلك جاء إقتراح القاضي رشيد مزهر على وزير العدل عدنان عضوم ألاستعانة بخبراء فنيين سويسريين للمساعدة في كشف ملابساتها. إقتراحه هذا لقي قبولاً فورياً من الوزير عضوم ومدعي عام التمميز القاضية ربيعة قدورة ، وهو وجد فوراً طريقه إلى التنفيذ.

كان إكثر ما أثار إستغراب القاضي رشيد مزهر في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم التي إتت بعدها ، هو عدم زيارة المحقق الدولي “ديتليف ملييس” له للاطلاغ منه على نتائج التحقيق التي اجرتها الاجهزة الامنية اللبنانية بعكس المحققين إلذين إتوا من بعده ، والذي قاموا بزيارته فور تعيينهم ، واطلعوا منه على النتائج التي توصل إليها المحققون اللبنانيون.

في التحقيقات التي أجريت من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية بإشراف القضاء العسكري يجزم رشيد مزهر إنه لم يتبين وجود أي علاقة لسوريا في كل الجرائم التي أتهمت بها.

محاولات عديدة بذلها عدد من السياسيين والامنيين اللبنانيين للتأثير على رشيد مزهر في تحقيقاته، من خلال إيهامه بوجود عدو يستهدفه هو في الحقيقة غيرموجود.مسؤول في  الحزب التقدمي الاشتراكي زاره في منزله ، ونقل إليه وجود معلومات حول مخطط سوري لأغتياله ، وعندما طالبه بألادلة إجابه أن الامر مجرد شكوك .يروي رشيد مزهر كيف تحول المبنى الذي يسكنه والشوارع المحيطة به بين ليلة وضحاها بعد أغتيال الرئيس الحريري وسلسلة الاغتيالات التي حدثت بعدها، إلى محمية إمنية بالرغم عنه. أكثر من ثلاثون عسكرياً صاروا يرافقونه في تنقلاته يومياً بين منزله ومقر عمله في المحكمة العسكرية ، والذي لاتبعد المسافة بينهما أكثر من عشر دقائق سيراً على الاقدام.

في التحقيق في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري توصل المحققون اللبنانيون  إلى إدلة تثبت تورط مجموعة من ألاسلاميين المتشددين في عملية الاغتيال، والذين عرفوا بمجموعة 13.فجرى إعتقالهم في التحقيق معهم إمام القاضي رشيد مزهر إعترف هولاء بأنهم وراء جريمة الاغتيال، وهم وصفوا مسرح الجريمة بإدق تفاصيله. توقيعهم على إعترافاتهم جاء بملئ ارادتهم دون إي ضغط إو اكراه.أعتراف المتهمين أعتبره رشيد مزهر نهاية التحقيق ، وبداية عمل القضاء، ولكن صباح اليوم التالي حمل مشهد مختلفاً ، وذلك عندما حضر رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن إلى مكتب القاضي مزهر وأخبره إن المتهين يطلبون المثول إمامه مرة ثانية. جلسة التحقيق الثانية حملت تراجعاً كاملاً لهولاء عن أقوالهم التي إدلوا بها في المرة الاولى ، وهم إدعوا أنها تمت تحت الضغط التهديد من قبل جميل السيد وريمون عازار.

قضية أخرى في سياق ملف أغتيال الرئيس الحريري.يطرح رشيد مزهر حولها التساؤلات. وهي تتعلق بالعثور في مسرح الجريمة على قطعة هي جزء من فك أسنان بشري. الفحوصات إلتي اجريت عليها دلت أنها تعود لشخص كان يسكن لفترة طويلة في بيئة صحرواية.

الكاتب والصحافي نبيل المقدم