التحرير.. عز وانتصار

    تحرير أرض الوطن من الاحتلال، يعني أن نحيا بعز وحرية على هذه الأرض، فالحياة بالنسبة لنا هي وقفة عز، ونحن نحبها لأننا نحب الحرية، ونحن الموت متى كان هذا الموت طريقاً إلى الحياة.

    فجر التحرير بزغ في جنوب لبنان، صباح يوم الأحد في الواحد والعشرين من شهر أيار عام 2000، واستُكمِل في الأيام اللاحقة، فقد أعلنت كتيبتان تابعتان لميليشيا العميل أنطوان لحد في منطقة القطاع الأوسط، استسلامهما بكامل عديدهما وعتادهما إلى المقاومة.

    صباح ذاك اليوم كنت في قريتي “قلاويه” المتاخمة للقرى المحتلة آنذاك، حيث بدأ أهالي بلدتي وأهالي بلدات الغندورية، فرون القنطرة، برج قلاويه، يتداعون للتجمع في بلدة الغندورية المجاورة، تجمعنا بأعداد كبيرة، وانطلقنا إلى وادي الحجير ومنه صعوداً بإتجاه بلدة القنطرة المحتلة، وفي منتصف الطريق حيث يوجد بوابة حديدية، قام جنود القوة الفنلندية العاملة ضمن قوات الطوارئ الدولية بإغلاقها، ورفعوا السلاح بوجهنا، في محاولة لثنينا عن الدخول، فقمنا بكسر تلك البوابة، وأكملنا طريقنا إلى بلدة القنطرة، حيث كان أهلها بانتظارنا، واستقبلونا بالزغاريد ورش الورود الأرز، ثم أكملنا سيرنا إلى بلدة الطيبة، حيث قام العملاء المتواجدون في الموقع، بقصف محيطه بعدة قذائف لإخافتنا ومنعنا من التقدم، فكانت النتيجة عكسية، وهي أن هؤلاء العملاء قد لاذوا بالفرار، مما ساهم في رفع معنوياتنا، وزاد في فرحة الأهالي، وما زالت عبارة “الحمدلله اللي تحررنا” والتي أطلقتها إحدى السيدات يومها، حية في ذاكرتنا، وتحمل معنى فيه مزيج من الفرحة والعز والفخر، تابعنا سيرنا نحو بلدات دير سريان وعلمان وعدشيت القصير، وفي هذه البلدات تم استقبالنا بجو من الفرح والسرور، وعُقدت حلقات الدبكة، وتم توزيع الحلوى.

    في اليوم التالي، الإثنين 22 أيار 2000، استكملنا طريقنا إلى بلدة بني حيان، ومن بلدة الطيبة إلى بلدة العديسة، حيث قام عملاء العدو بوضع ساتر ترابي لقطع الطريق أمامنا، فقام “سلمان رمال” أحد شبان البلدة، والذي يملك جرافة بفتح الطريق، فأطلقت عليه إحدى دبابات العدو قذيفة أصابته بشكل مباشر، فاستشهد.

    من بلدة العديسة أكملنا الطريق إلى بلدات حولا، بليدا، مركبا،رب تلاتين، حيث كانت مظاهر الفرح تعم أهالي تلك البلدات، وعلى الطريق بين بلدتي حولا وبليدا، قام رجال المقاومة بتفجير دبابة تابعة لميليشيا العميل لحد، كان قد هرب العناصر الذين كانوا بداخلها، ما أدى إلى نشر جو من الفرح والفخر، وكلما دخلنا بلدة كان عددنا يرتفع، وتكبر سلسلة السيارات المتقدمة.

    يوم الثلاثاء 23 أيار، تتابعت مسيرة التحرير، وتضاعف عدد الأهالي المتقدمين، حيث أصبح العدد بالآلاف بعدما كان في اليومين السابقين بالمئات، تجمعنا في هذا اليوم في المقلب الآخر، حيث انطلقنا من بلدة تبنين، ووصلنا إلى معبر بيت ياحون المشهور، وكان عناصره قد لاذوا بالفرار إلى القرى المحاذية للحدود مع فلسطين، تخطينا المعبر ووصلنا إلى داخل البلدة، ومنها إلى بلدة كونين، وفي كل بلدة كنا ندخل إليها كانت تتكرر نفس المشاهد ونفس ردات الفعل من قِبل الأهالي، من كونين تقدمنا بإتجاه منطقة صف الهوا في بلدة بنت جبيل، حيث قامت قوات العدو بقصف تلك الطريق، فحولنا طريقنا بإتجاه بلدة رشاف ثم بلدة الطيري، وعلى الطريق من عين إبل إلى بنت جبيل رأينا عدداً كبيراً من الشاحنات العسكرية المركونة إلى جانب الطريق، وفيها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والرشاشات من جميع الأنواع والعيارات، تركها العملاء وهربوا، تابعنا سيرنا إلى بنت جبيل وعيناتا ويارون، ومشاهد الاحتفالات تتكرر نفسها.

    لقد استطاع شعبنا من خلال المقاومة، وبفعل دماء الشهداء، وجراح الجرحى، وكل التضحيات، أن يحقق هذا النصر، كما استطاع أن يقدم للعالم دروساً في الصراع، وأن يؤكد أن اللغة الوحيدة التي يمكن أن يفهمها العدو هي لغة الحديد والنار، واستطاعوا أن يجبروه على الهروب ويجر خلفه أذيال الخيبة.